الدكتور أبو الشامات يكتب: هل يكرر وزير التربية محمد تركو جرأته بمواجهة فساد التعليم الخاص
الاقتصاد اليوم:
بقلم: المحامي الدكتور إيهاب أبو الشامات
على مدار الأسابيع الماضية، طرحتُ عبر دراسات ومقالات متخصصة واقع التعليم الخاص في سوريا، مسلطاً الضوء على واحدة من أخطر الثغرات التي تُستغل في استنزاف المواطن السوري تحت لافتة "الخدمات التعليمية المكملة". ورغم التفاعل الكبير مع ما تم نشره، فإن وزارة التربية لم تتخذ بعد أي خطوة ملموسة باتجاه المعالجة. لذلك، لا أعود اليوم لإعادة ما كُتب، بل لأوجّه نداءً مباشراً، وضرورياً، إلى وزير التربية شخصياً، في لحظة مفصلية تتطلب قراراً حاسماً، وشجاعة في مواجهة ما أصبح أقرب إلى سوق تجاري غير منظم يعبث بمستقبل الطلاب وأعصاب ذويهم.
قرار جيد... وثغرة أخطر!
صدر في نيسان 2025 القرار رقم 543/و، الذي يُلزم المدارس بالتقيد بالقسط المعتمد من العام الدراسي السابق. خطوة تبدو في ظاهرها منضبطة، لكنها أبقت الباب مفتوحاً على مصراعيه لاستغلال آخر: رسوم الخدمات الإضافية التي بقيت خارج أي تنظيم أو تسقيف. وهكذا، وجدت المؤسسات التعليمية الخاصة طريقة جديدة للالتفاف على القرار، وتحميل المواطنين أعباء مضاعفة.
بين التعليم والتجارة: من يضبط الفوضى؟
مع كل عام دراسي، يُفاجأ الأهالي بارتفاعات خيالية، لا في القسط فحسب، بل في "الملحقات"، التي باتت تفوق أحياناً عشرة أضعاف القسط نفسه. هذا المشهد المتكرر أصبح أشبه بسوق تجارية بلا ضوابط، وسط صمت رسمي يثير الكثير من التساؤلات.
دول عربية سبقتنا... لماذا لا نقتدي؟
في دول مثل:
الأردن: لا تُقرّ أي زيادة سنوية تتجاوز 7%، وتشترط موافقة رسمية على الرسوم الإضافية.
مصر: حد أقصى للخدمات المكملة لا يتجاوز 25% من القسط، مع رقابة حكومية صارمة.
الإمارات (دبي): المؤسسات مجبرة على استصدار إذن رسمي لأي رسوم تكميلية، وتُحدد النسبة بين 10 و15%.
هذه النماذج تؤكد أن العدالة التعليمية ممكنة، إذا وُجدت الإرادة.
هل يستكمل وزير التربية مسيرته في الإصلاح؟
نتوجه هنا إلى الدكتور محمد عبد الرحمن تركو، وزير التربية الحالي، المعروف بنزاهته وشجاعته في اتخاذ القرارات. خلال توليه منصب نائب رئيس جامعة دمشق (2022–2024)، اتخذ قرارات غير مسبوقة بمحاسبة أساتذة متورطين في الفساد، رغم أنه كان يعمل حينها في ظل نظام رعويّ للفساد، لم يتهاون مع من يخالف مصالحه. لكنه لم يتردد، وأثبت أن الموقف الصارم يمكن أن يصنع الفرق.
بل إن الوزير تركو، في واحدة من أصعب المراحل التي مرّت بها مؤسسات الدولة، لم يتوانَ عن أداء دوره، ولم يخف، بل واجه الفساد الإداري في جامعة دمشق بمنطق مؤسساتي، ما أكسبه احترام شرائح واسعة من الطلاب والكوادر التعليمية. واليوم، وبعد سقوط ذلك النظام الذي كان راعياً للمفسدين، من الطبيعي – بل من المتوقع – أن يواصل الوزير مسيرته، وأن يُفعّل سلطته الوزارية لضبط انفلات مؤسسات التعليم الخاص، وإغلاق الأبواب التي ما زالت مشرعة للاستغلال.
مقترحات إصلاحية قابلة للتطبيق:
إصدار قرار تنظيمي يحدد نسبة قصوى (مثلاً 20%) لرسوم الخدمات المكملة من القسط الأساسي.
إنشاء لجنة رقابية مستقلة من الوزارة وممثلين عن أولياء الأمور لمراجعة موازنات مؤسسات التعليم الخاص.
فرض إعلان تفصيلي علني لكل بند من الخدمات المكملة، مع شروط للموافقة عليه.
لا نطلب المستحيل... فقط عدالة
هذه المطالب لا تهدف إلى الصدام، بل إلى التصحيح. التعليم ليس ترفاً ولا سلعة، بل حق أساسي. ولأننا نثق أن الوزير تركو يدرك خطورة الموقف، ويملك الإرادة التي لا تهتز، فإننا نرفع إليه هذا النداء: ليكن أول قراراتكم الكبرى في الوزارة، خطوة حقيقية نحو إنصاف المواطن، وتحصين التعليم من جشع السوق.
فهل تكتبون، سيادة الوزير، بداية جديدة في سجل التعليم الخاص في سوريا؟
تعليقات الزوار
|
|