سورية... من يحدد سعر الصرف في السوق السوداء
الاقتصاد اليوم:
يشرح الخبير الاقتصادي جورج خزام أن سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية بالسـوق السـوداء هو سعر وهمي لأن سعره الحقيقي أقل من ذلك بكثير، ولكنه محظور بسبب قرار تجريم التعامل بالدولار، وبرأيه أن ما يعطي الممنوعات قيمة أكبر بكثير من قيمتها الحقيقية هو منع تداولها.
ويبين خزام أن قيمة الدولار في السوق المحظور التعامل معها (السوداء)، يتم تحديدها من قبل مجموعة صغيرة من الصرافين داخل وخارج سوريا بناءً على المصالح الشخصية برفع وتخفيض سـعر الصـرف خلال فترة قصيرة من أجل جني الأرباح بسرعة من خلال الشراء بالسعر الأرخص وإعادة البيع بالسعر الأعلى، مشيراً إلى أن سعر صرف الدولار بهذه السوق يتم تحديده من خلال صفحات فيسبوك مجهولة المصدر.
ويعتقد خزام أنه لا يتم تحديد سعر “التوازن الحسابي” أي التوازن بين العرض والطلب على الدولار إلا من خلال منصة مكشوفة للجميع، وأن من واجب المصرف المركزي بعد “إلغاء قرار تجريم التعامل بالدولار” أن يؤسس منصة لبيع وشراء الدولار بحيث يكون المشرف عليها.
<strong>السوق السوداء تحدد سعر الصرف:
ويرى خزام أن تسليم الحوالات الخارجية بالدولار لأصحابها عن طريق شركات الحوالات هو شرط مهم لتخفيض سعر صرف الدولار حتى يزداد العرض بالسوق السوداء وينخفض سعره، حيث أن سـعر صرف الدولار بالمصرف المركزي يتبع لسعر صرف الدولار بالسوق السوداء وليس العكس، والسبب أن السوق السوداء هي وحدها من يستطيع تحديد السعر وليس البنك المركزي مضيفاً: “السوق السوداء لديها دولار للبيع والشراء بالسعر الذي تعلن عنه، بينما المصرف المركزي الذي لديه دولار للشراء فقط من دون البيع بأقل من سعره المتداول بنحو 10%”.
إلغاء قرار تجريم التعامل بالدولار:
بحسب خزام فإن الحل الوحيد لتخفيض سـعر صـرف الدولار هو إلغاء قرار تجريم التعامل به، لأنه سيتحول من عملة صعبة مرتفعة القيمة إلى عملة سهلة منخفضة القيمة متاحة للجميع، مثل أي سلعة بالسوق متاحة للبيع والشراء لمن يرغب، مذكراً بأن الدولار هو الدواء والقوة المحركة لدوران العجلة الاقتصادية، مضيفاً: “تجريم التعامل بالدولار يعني منع الدواء عن الاقتصاد السوري المريض وتباطؤ دوران العجلة الاقتصادية”.
الاحتياجات للقطع الأجنبي كبيرة:
من جهته، يرى الأستاذ الجامعي ورئيس فرع نقابة المهن المالية والمحاسبية في درعا الدكتور مجدي الجاموس خلال حديثه أن سعر الصرف في السوق السوداء هو السعر الذي يتحدد نتيجة آلية السوق، أي العرض والطلب على القطع الأجنبي.
وهنا يبين أن الاحتياجات للقطع الأجنبي كبيرة، منها تلبية المستوردات سواء بطريقة نظامية أم غير نظامية وهذا ما يسمى بـ”اقتصاد الظل” أي جزء من المستوردات يدخل بطريقة غير نظامية للبلد أي “تهريب”، عدا عن حاجة المسافرين إلى خارج سوريا لعملة البلد المقصود، وتمويل عمليات الهجرة، وبالتالي الحاجة كبيرة لذلك سعر الصرف الموجود بالسوق السوداء يتحدد نتيجة آلية السوق من عرض وطلب.
ويضيف شارحاً: يتحدد سـعر الصـرف في السـوق السـوداء بآلية العرض والطلب بظل متغيرات عدة، منها العوامل والسياسات الاقتصادية كالسياسات المالية التي تؤثر بشكل كبير على سعر الصرف بالسوق السوداء كسياسة حبس السيولة، وعدم الثقة بالقطاع المالي المصرفي بسوريا بشكل عام، والفكر التخزيني للعملاء، وبما أن التخزين بالعملة المحلية أصبح صعباً لعدم وجود قطع نقدية بفئات عالية، يلجأ الأهالي للقطع الأجنبي كأسلوب تخزيني، وأيضاً معدلات التضخم العالية التي تجبر الأهالي للجوء لطلب العملات الأجنبية وبالتالي تغير سـعر الصـرف بالسـوق السـوداء.
<strong>توحيد سعر الصرف في السوق السوداء:
وحول آلية توحيد سعر الصرف في السوق المحظورة، يوصفها د. جاموس بالقول: “سعر الصرف موحد بشكل تقريبي بين تجار السوداء، نتيجة وجودهم بسوق واحدة وبالتالي وجود تواصل بين المراكز الرئيسة وفروعها، بالإضافة لوجود مجموعات إلكترونية تسهل التواصل والعرض والطلب فيما بينهم”.
أما من يحدد سعر الصرف في السوق السوداء، فيعتقد د. الجاموس أنهم أشخاص قائمين على الاقتصاد ومتنفذين وتجار وخبراء بآلية الصرف وتسعيره، ولديهم مقدار كبير من القطع الأجنبي سواء شركات صرافة واضحة أو شركات صرافة غير معلن عنها، أو الأشخاص الذين يتعاملون بالسوق السوداء ويتحكمون بتحديد سعر الصرف، وغالباً آلية التسعير تكون مركزية، فمثلاً في دمشق يُرسل نشرة يومياً بسعر الصرف بشكل منظم من قبل الأشخاص القائمين على السوق السوداء، بناء على آلية السوق وفي ظل السياسات المالية من قبل الحكومة والتغيرات والاتفاقيات الاقتصادية والظروف السياسية التي تلعب دور كبير جداً.
ويتابع أن أي تغيرات في السياسة المالية قد تزيد أو تنقص من سعر الصرف، ومثال على هذه السياسات عندما كان سعر الصرف بنحو 7 آلاف ليرة سورية، عندها الحكومة قررت دعم المستوردات بالقطع الأجنبي، وبالمعنى العام فالتاجر أو المستورد حر بتأمين العملة الأجنبية بطريقته وليس من البنك المركزي، فكانت النتيجة طلب كبير على القطع الأجنبي فارتفع سعر الصرف من 7 آلاف ليرة سورية إلى حوالي 14-15 ألف ليرة سورية، فألغت الحكومة هذه السياسة وتراجعت عنها وحاولت جاهدة دعم السوق بعملة أجنبية لتحافظ على معدل استقراره في ذلك الوقت.
مقترحات لتحسين سعر الصرف:
يقترح د. الجاموس حلول لتحسين سـعر الصـرف ومقاربة سعر الصرف النظامي (البنك المركزي) مع سعر الصرف بالسوق السوداء، أولها اتباع بعض السياسات التي تعطي ثقة بالقطاع المالي العام، إذ يعتقد أن الثقة شبه معدومة إثر السياسات المتبعة كحبس السيولة وغياب حرية التعامل بالقطع الأجنبي سواء بالإيداعات أو بالسحب وكذلك غياب حرية التعامل بالليرة السورية بالإيداعات والسحب أيضاً، وصعوبة تخزين العملة المحلية وعدم إصدار عملة محلية بفئات كبيرة وبالتالي صعوبة التداول، فكلها –برأيه- سياسات تؤثر على سعر الصرف وعلى آلية تحديد تسعيره، مشيراً إلى أن الأشخاص المتنفذين بـ”اقتصاد الظل” هم من يحددون سعره بناء على هذه الآلية.
وختم د.جاموس حديثه بالتأكيد على أن سـعر الصـرف في السـوق السـوداء ينعكس على مجمل الحركة الاقتصادية، فاقتصاد الظل يكون استخدامه غير محبذ، ولكن في الأزمات يكون داعماً للاقتصاد الوطني ولذلك وجود سـعر صـرف بالسـوق السـوداء مؤثر على الحركة الاقتصادية ولكنه بالمقابل يوفر القطع الأجنبي الضروري لبعض الإجراءات والعمليات التي تخدم الأهالي.
كما نوّه في ختام حديثه إلى أنه يلاحظ حدوث انخفاض بسعر الصرف مقابل الليرة السورية بداية كل شهر بسبب وجود التحويلات فيزيد العرض من العملة الأجنبية والطلب على الليرة السورية وهنا نرى أن تسعيرة “السوداء” تقترب من تسعيرة البنك المركزي، إلا أنه في منتصف الشهر حتى نهايته يعاود سعر الدولار الارتفاع لتنخفض قيمة الليرة، وهذا بالتالي يؤثر على الحركة الاقتصادية.
من يسيطر على السوق السوداء؟
على هذا السؤال يجيب نائب رئيس غرفة تجارة دمشق الدكتور ياسر أكريم، بأنه من غير الواضح لمن تتبع السـوق السـوداء ومن يسيطر عليها، إن كان في الداخل أم في الخارج.
ويتفق د.أكريم مع ما ذكره الخبراء في هذا التقرير، حول أن سـعر الصـرف يخضع للعرض والطلب، فعندما يطرح كمية كبيرة من العملة الصعبة حينها ينخفض السعر وعندما يكون الطلب أكبر من العرض يرتفع السعر.
وهنا يضيف: “نحن اقتصادياً لسنا مع السـوق السـوداء التي تعتبر ظاهرة غير صحية، بل تمثل خللاً في الميزان الاقتصادي، إذ تُخلق الحاجة للسوق السوداء بسبب الحاجة لبعض المواد غير المتوفرة بسهولة”، مطالباً بتوفير هذه المواد سواء كانت عملات أم سلع، وتوفير وسائل الحصول عليها، وعدم ترك فجوة للسوق السوداء، لأنها في النهاية تخلق حالة من عدم التوازن في الميزان الاقتصادي.
المصدر: اثر برس
تعليقات الزوار
|
|