الاقتصاد اليوم ـ تغطية شاملة للأخبار الاقتصادية على مدار اليوم

 

كتب الباحث الاقتصادي أنس الفيومي: مهام الحكومة وسياسة شد اللحاف

 الاقتصاد اليوم:

لا ننكر أن الحكومة الجديدة منذ تكليفها مسؤولية السلطة التنفيذية في الوطن ، أظهرت خطاباً إعلامياً مختلفاً عن السابق ، وخاصة من ناحية الاعتراف بالأخطاء السابقة وبيان نقاط ضعف قرارات سابقة لبعض الوزرات والجهات العامة ، وهذه النقطة بالذات تعتبر تطوراً في الأداء حيث تم وضع الشارع بصورة مهمة جداً توضح أن المسافة بين المواطن والمسؤول قريبة جداً ، فما دام المسؤول يعلم فإن ذلك يعني أن الخطوة اللاحقة للعلم وهي العمل باتت قريبة ، على عكس الماضي حين كنا نعيش في أحجية هل يعلمون أم لا يعلمون ، وبالتالي كان الأمل في التغيير ضعيفاً جداً .

فيما عدا الاعتراف هناك توجيهات صدرت من رئاسة الحكومة تخص بعض القطاعات ، تنبأ أن هناك تغييرات قادمة جيدة تمس المواطن وأمثلة ذلك موضوع توجيه رئاسة الحكومة لوزارة الكهرباء لتقييم وضع ظاهرة الأمبيرات ، وكذلك اللجنة المشكلة التي تدرس موضوع الكفاءة الإدارية والمسار الوظيفي ، والتوجيهات التي أرسلت لمصرف سورية المركزي ، وخطط تطوير سهل الغاب وغيرها من الإجراءات التي تدخل ضمن إطار الخطوات الأولى في الطريق الصحيح .

لكن رقم 1 ...

بالمقابل هناك طروحات مختلفة من جهات رسمية وغير رسمية وخبراء ومنظرين اقتصاديين تندرج تحت إطار سياسة شد اللحاف و الخشية أن تنتهي هذه الطروحات المختلفة أن يصبح المواطن بلا غطاء ، أو أن يصبح الغطاء الحكومي ممزق من كثرة الشد الممارس عليه من كل الأطراف ، لا شك أن محتوى كل أطروحة على أهميته يعتبر بنظر من يتبناها أولوية يجب على الحكومة الأخذ بها .

لكن من أين نبدأ ، من دعم الإنتاج أم من تعديل الدخل أم تحرير الأسعار ، أم إلغاء منصة المستوردات ، أم دعم المحروقات ، أم غير ذلك من ملفات صعبة ولعلها مستعصية على طاولة الحكومة .

بدون أدنى شك لعل ما تراكم من سياسات حكومية سابقة جعل كل مطلب من هذه المطالب في مقام الأولوية ، لكن من باب أولى أن تكون الحكومة هي المعنية الأخذ بالخطوات العملية للمحافظة على توازن اللحاف بين كافة الجهات التي تمارس الشد عليه ، وحتماً بكل واقعية نقول أن الخطوات العملية ووضوحها لن يكون خلال الفترة القصيرة التي مرت منذ استلام الحكومة لمهامها .

لكن رقم 2 ...

هذا التوجه الحكومي الذي نتفاءل به كثيراً هل يقابله تفهم من المستوى الثاني من القيادات وهل هو على نفس السوية من رؤيا تبدو واضحة المعالم لدى الحكومة ، وأعني به المدراء العامين والمدراء والمسؤولين عن بعض المرافق المهمة ، للأسف ما تطالعنا به التصريحات والإجابات عن بعض الأسئلة الموجهة للمسؤولين عن بعض المرافق لا تعطي نفس الانطباع عن التوجه العام الحكومي ، فعلى سبيل المثال حين يخرج علينا مسؤول ليقول أن المدة المتوقعة لتغطية طلبات مازوت التدفئة سيكون خلال 27 شهراً فكأن هذا المسؤول يعيش في كوكب آخر لا شتاء قادم فيه ولا حاجة للمازوت فيه ، ومسؤول آخر عندما يقول أن ساعات التقنين سنضطر لزيادتها حسب وضع فصل الشتاء وحسب ما يمكن تأمينه من وقود للمحطات ، فكأنه يقول حتى ساعة الكهرباء التي تنعمون بها كل خمس ساعات بطريقة ترددية ستحرمون منها أو أن القادم أسوء بكثير ، ومسؤول آخر عندما يتحدث أن اللجوء لتصدير زيت الزيتون بسبب عدم قدرة المواطن على الشراء فهذا لوحده طامة كبرى ، وغيرهم الكثير ويكاد لا يخلوا يوم واحد لمن يتتبع الأخبار الاقتصادية أن يقرأ خبر لمسؤول يدعو للضحك أو البكاء أو التشاؤم أو لا أعرف بأي صفة أصفه .
لا شك أن قيادات المستوى الثاني والثالث تحتاج للكثير من امتلاك أدوات المبادرات الفردية وتحمل المسؤوليات والقدرة على مواكبة الرؤية التنفيذية لتوجهات الحكومة وطريقة تعاطيها الجديدة .

لكن رقم 3 ...

القريبون من الوضع الاقتصادي العام يرون أن الأدوات المتوفرة والمتاح قد لا يساعد كثيراً في تحقيق طموحات الحكومة ، فعندما لا تتوفر المدخلات الجيدة مؤكد أن المخرجات لن تكون بمستوى الطموح أو تلبية المطلوب من نتائج ، ولاسيما أننا مازلنا نعاني من العقوبات الجائرة علينا ، عدا عن الوضع الاقتصادي المتعب في وطننا وخاصة موضوع الكهرباء والمحروقات ، لذلك كان الخيار الأول الذي لجأ إليه رئيس الحكومة عندما طالب بالتفكير خارج الصندوق .

فهل هذا الخيار متاح ، أو ماهي معوقات التفكير خارج الصندوق ، لعل أهم العقبات التي تعترض المنظومة الإدارية لدينا من أدنى مرتبة إلى اعلاها هو الجانب الرقابي الذي كرست أساليبه الحكومات السابقة بطريقة سلبية ، حين حولت مهام الجهات الرقابية من ضرورة استخدام الطرق التوجيهية الإرشادية لتصحيح الأخطاء إلى استخدام أساليب العصى والهراوة حتى تتمكن من تجيير إنجازات خلبية لهم ، وأكبر مثال على ذلك ما قامت به اللجنة 352 في عام 2017 من تدمير شامل لقطاع المصارف العامة ، وفي السابق لم يكن يمر أسبوع من غير أن تطالعنا الحكومات السابقة بإنجازات الكشف والضبط والتوقيف والعزل والإقالة لجهات ومناصب حكومية ، هذا الرعب الذي تكرس في القطاعين الإداري والاقتصادي كيف يمكن أن نطالب اليوم هذه الجهات بالتفكير خارج الصندوق وماهي محفزاته ومؤيداته القانونية والأهم ماهي ضماناته وأقولها ثانية وثالثة ورابعة ماهي ضماناته ، من المؤكد أن أصغر موظف لن يستطيع مخالفة بلاغ أو تعميم أو قرار ولو كان هذا القرار صادر قبل خمسين عاماً ويشكل عائق لأن يفكر هذا الموظف خارج الصندوق ، المعوق الأهم الثاني منظومة الفساد التي نعاني منها والتي أصبح جزء كبير منها مبرر حتى لدى بعض المسؤولين في ظل ضعف رواتب القطاع العام ، فمن سيفكر خارج الصندوق سيقابل بمقولة ماذا استفدت ، كم قبضت حتى فكرت أن تقوم بكذا ، بالمختصر من لديه الجرأة أن يبادر أو يفكر خارج تابويات التوجيهات والبلاغات والتعاميم وخاصة تلك التي تقيد وتكبل أي مبادرة خلاقة .

وبتجربة شخصية ، عندما فكرت خارج الصندوق أصبحت خارج القطاع المصرفي الذي خدمته أكثر من أربعين عاماً ، والأفكار التي طرحتها في حينه كان يمكن أن ترفد الدولة بمليارات الليرات السورية عدا عن معالجة شاملة للمقترضين المتعثرين بدون الضجيج الإعلامي الذي مارسته الحكومة السابقة .

لكن رقم 4 والأخيرة ...

بعد كل ما تقدم نلخص ما قلناه ، إن ملامح جدية المعالجة واضحة جداً بكل ما تقوم به الحكومة حالياً ، وتعتبر أولى خطوات الطريق الصحيح الواضح المعالم ، لكنها تحتاج إلى وقت ، الوقت الذي يقابله صبراً من المواطن لا نعرف مقدار حجمه ، ويكاد يذيقه العلقم من صعوبة تأمين لقمة العيش الكريمة والدفء الذي يحتاجه لأيام شتاء يتوقع أن تكون قاسية وراحة نسبية في التنقل ما بين منزله ومكان عمله ولمدارس أولاده ، ودواء وعلاج أصبح يثقل كاهله ، ونوراً يستضيء ويدرس أولاده به خلال ليل أيام الشتاء الطويل ، ولحافاً غير ممزق بأيدي أصحاب المدارس والأفكار الاقتصادية فوقه .

االاقتصاد اليوم

تعليقات الزوار
  1. تعليقك
  2. أخبرنا قليلاً عن نفسك