مستثمرون سوريون يستعدون لمغادرة مصر لدعم اقتصاد بلادهم
الاقتصاد اليوم:
يستعد مستثمرون سوريون في مصر للعودة إلى وطنهم بعد سقوط نظام الأسد ودعوة السلطة الجديدة في دمشق كافة المواطنين إلى المشاركة في بناء اقتصاد الوطن المتهالك.كشف سوريون احتفوا على مدار الأيام الماضية برحيل بشار الأسد وسقوط نظام حزب البعث، بعد عشرات السنوات التي قضوها تحت البطش والاستبداد، عن أمانيهم بالعودة إلى وطنهم لبدء حياة جديدة.
قال غسان فهمي، وهو أحد شبان سورية، وهو يجري بين طرقات سوق الحصري بمدينة 6 أكتوبر، غرب العاصمة، حاملا علم "سورية الحرة": حان وقت العودة للوطن، داعيا أصدقائه من المصريين إلى أن يأتوا معه ليساعدوه في أعماله في افتتاح سلسلة من مطاعم "البروست" التي يعملون بها معا منذ عشر سنوات، عقب فراره من سورية.
استعداد للعودة إلى سورية
قرر فهمي العودة بمفرده خلال رحلة تحدد قريبا، مع استقرار الأوضاع الأمنية وإعادة تسيير خط الطيران بين القاهرة ودمشق، الذي توقف منذ أسابيع عقب اندلاع العدوان الإسرائيلي على لبنان والأراضي السورية.
يؤكد فهمي أن رحلته الأولى للوطن تستهدف إزالة القلق الذي يعتري الجالية السورية في مصر من أخطار العودة السريعة، والاطمئنان على من تبقى من أهله وممتلكات الأسرة، مع تجديد بطاقة الهوية الوطنية التي تعطل إصدارها لسنوات، لفراره من التجنيد الإجباري بجيش بشار.
تعكس رواية فهمي المخاوف السائدة بين أفراد الجالية السورية في مصر الذين تقدرهم منظمة شؤون اللاجئين بنحو 150 ألف لاجئ، يرتفع العدد وفقا لمصادر الجالية السورية والحكومة المصرية إلى 1.5 مليون مهاجر، من اجمالي تسعة ملايين لاجئ يقيمون بمصر من جنسيات متعددة، تأتي جاليتا السودان وسورية بقمة هرمها، تتركز بمدن 6 أكتوبر والشيخ زايد وحي المهندسين بمحافظة الجيزة، وتنتشر بأحياء مصر الجديدة والقاهرة الجديدة ومدينة نصر بالعاصمة القاهرة، عدا عشرات التجمعات في الإسكندرية والمدن الكبرى بدلتا النيل.
يفضل فهمي، لكونه "ملك البروست"، تلك الوجبة التي غزت الأسواق العربية قادمة من الغرب، بينما يفتخر الشباب السوريون بأنهم ملوك الشاورما وأطباق المشويات والمخبوزات والمأكولات الشامية التي نشروا ثقافتها بين الشباب وضمن وجبات الأسر المصرية منذ قدومهم.
30 ألف منشأة سورية
تتخطي أنشطة السوريين المطاعم، حيث قدم لمصر مئات المستثمرين الذي سجلوا نحو 30 ألف منشأة صناعية وتجارية وعقارية وتكنولوجية، برأسمال مليار دولار، منها صناعات نسيجية وملابس بمدن العاشر من رمضان وبورسعيد و6 أكتوبر، بينما يقدر تجمع رجال الأعمال السوريين بالقاهرة رأسمالها بنحو 23 مليار دولار.
رغم البهجة التي يعبر عنها السوريون في تظاهرات محدودة داخل تجمعاتهم السكنية والتجارية خشية الصدام مع السلطات المصرية التي لم تحدد موقفها رسميا من النظام السوري الجديد وظلت داعمة للرئيس المخلوع حتى رحيله، فإن رحلة العودة السريعة تبث المخاوف مع صدور تقارير حقوقية لمنظمة هيومن رايتس ووتش تؤكد وجود مخاطر بعودة اللاجئين، واعتبار سورية غير آمنة للعودة بسبب التهديدات الأمنية والمصاعب المعيشية.
يدعو سوريون إلى التريث وتحمل الأعباء المالية التي فرضت عليهم بالدولار أخيرا في تكاليف الإقامة والتعليم والعلاج على كافة أفراد الجالية المقيمين بمصر اعتبارا من سبتمبر/ أيلول 2023. تسبب الدعوات في انقسام واضح بين السوريين المتعجلين للعودة بسبب الضغوط الاقتصادية الهائلة التي فرضت عليهم بمصر والخائفين من المخاطر التي تنتظرهم داخل الوطن.
مخاوف من الخروج السريع
يبدي مصريون مخاوفهم من الخروج السريع للاستثمارات السورية من مصر خشية أن تسبب أزمة في الطلب على الدولار، الذي ارتفع إلى مستويات قياسية جديدة ليقترب من 51 جنيها، وارتباك قطاعات الصناعة والعقارات التي يساهم السوريون بحصة جيدة بأنشطتها، بينما تؤكد خبيرة التمويل وأسواق المال حنان رمسيس عدم تأثر أسواق المال بالأحداث في سورية خلال الأيام الماضية.
تشير رمسيس إلى أن المخاوف الأمنية ستظل قائمة في سورية لعدة أشهر، مؤكدة أن استمرار تلك المخاوف لن يدفع السوريين إلى الخروج السريع من السوق المصرية أو تقليص أعمالهم، وبخاصة الصناعية والإنتاجية، متوقعة أن يحافظ "ملوك الشاورما" على أنشطتهم، لأنهم أدركوا بخبرتهم أن السوق المصري واعد ولديهم عدد هائل من المستهلكين، وهو ما يدفعهم إلى الحفاظ على أعمالهم والبحث عن شركاء محليين يمكنهم المساهمة في مشروعات أخرى داخل بلدهم، مع العودة بالتدريج إلى سورية.
أكدت خبيرة التمويل وأسواق المال أن أداء بورصة الأوراق المالية سار على وتيرته الطبيعية دون أن تكون لأحداث سورية أي تأثيرات سلبية أو إيجابية، مبينة أن ذلك يرجع إلى عدم قيد أي شركة سورية في البورصة، مع تفضيل مستثمريها العمل في الاقتصاد العام المباشر بمصر، وعدم امتلاك السوريين ثقافة المضاربة في البورصة داخل بلدهم.
أشارت رمسيس إلى أن الأزمات السياسية الكبرى، مثل تغيير النظام في سورية، ستغلق أبواب البورصة المحلية في دمشق لحين استقرار الأوضاع هناك، أسوة بما جرى في مصر عقب ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، والتي دفعت المجلس العسكري إلى غلق البورصة لمدة 55 يوما، حتى صدر قرار من المجلس ببدء العمل والتزامه بحرية السوق والتداول، مؤكدة أن الأموال السورية لن تخرج من مصر بسرعة لحين اطمئنان أصحابها على طبيعة النظام الاقتصادي الذي سيطبق، هل سيقر بحرية السوق أم يتجه إلى نظام آخر اشتراكي أو يلجأ إلى التأميم ومصادرة الأملاك الخاصة؟
تؤكد مصادر أن الضغوط التي مورست على الجالية السورية منذ 2014، دفعت المستثمرين السوريين المعادين لنظام الأسد إلى مغادرة مصر أو قصر أنشطتهم على أعمال تجارية ومطاعم ومشروعات صغيرة، بينما يملك المشروعات الكبرى لاجئون مؤيدون للنظام السابق أتوا إلى مصر بحثا عن الاستقرار الأمني وتوفير الطاقة والإمدادات اللازمة لصناعاتهم، التي نقلوها من داخل سورية إلى المدن الصناعية المصرية خلال العقد الماضي.
العربي الجديد
تعليقات الزوار
|
|