الاقتصاد اليوم ـ تغطية شاملة للأخبار الاقتصادية على مدار اليوم

 

السوريون يحصون دقائق الضوء.. وعود الكهرباء تنطفئ سريعاً

الاقتصاد اليوم:

يضيء هاتف أيهم، الشاب الثلاثيني في غرفته المظلمة، تحت مصباح مطفئ، يحدق في شاشة هاتفه المضيئة بتحديثات شركة الكهرباء وكأنها معلومات مصيرية ستحدد سير حياته في الأيام القادمة. يتأرجح التيار الكهربائي بين لحظة أمل طويلة وساعات من الظلام الدامس، وكأن كل يوم اختبار جديد لصبره وعصبيته.

يعرف أيهم جيداً أن أي وعد بالتحسين قد يدوم ساعات قليلة فقط، قبل أن ينهار أمام الواقع؛ من دمشق إلى حمص، ومن حلب إلى طرطوس، كل منزل يحسب دقائق التيار ويعدّ ساعات أو أيام الانقطاع، ويعيش على أمل قصير يكفي لتشغيل ثلاجة، شحن هاتف، أو تعبئة المياه. كل وعد حكومي بتحسين الكهرباء يبدو وهما؛ يلمع لفترة قصيرة، ثم يختفي ليترك خلفه ظلاماً وفوضى تتسلل إلى كل تفاصيل الحياة اليومية.

أصوات من الواقع.. شهادات السوريين

في ريف دمشق، تجلس سميرة، 42 عاما، أم لطفلين على الطاولة الخشبية في مطبخها المظلم جزئياً، وتروي عن معاناتها اليومية: "نحاول تنظيم حياتنا وفق ساعات الكهرباء، ولكن المياه ترتبط بالكهرباء، الأسوأ من الانقطاع الطويل هو عدم وجود جدول واضح لننتظر الكهرباء عليه! هذه العشوائية تمنعنا من ممارسة حياتنا بشكل طبيعي فلا ننام ولا نخرج بل نظل مستنفرين بانتظار الكهرباء، فضلاً عن أن الطعام يفسد في الثلاجة، والأجهزة المنزلية تتعطل باستمرار".

الوضع الذي تصفه سميرة يعكس تحديات كبيرة في البنية التحتية الكهربائية، حيث يؤدي عدم استقرار التيار إلى تأثيرات مباشرة على الحياة اليومية للأسر، بما في ذلك إمدادات المياه وتخزين الطعام.

وفي حلب، يحكي سليم بالضبط كما تحدثت إلينا ليلى من جديدة عرطوز: "اعتمادنا على الأمبيرات، كهرباء الدولة غير موجودة تقريباً".

ومن دمشق، الميدان، يقول حسن: "الجدول المعلن نادراً ما يطبق، وكل وعد بالتحسين مؤقت. التحسين لا يستمر أكثر من ثلاث أيام وعود أن تصل الكهرباء إلى ثماني ساعات في اليوم كانت متفائلة جداً، هذه وعود غير واقعية بالمرّة ولا تمت للواقع بصلة".

يكمل حسن تحليله للتصريحات الحكومية: "الإعلانات الرسمية بتحسين الكهرباء تصبح أحياناً أداة سياسية أكثر منها خدمية، إذ تُستخدم للتغطية على الواقع الصعب، بينما المواطن يبقى في حلقة مستمرة من الانتظار والارتجال".

تبرز هذه الإعلانات الصعوبات في التواصل بين السلطات والمواطنين، حيث يخلق الفرق بين الجداول المعلنة والواقع شعوراً بالإحباط وعدم الثقة لدى السكان.

ومن ريف دمشق يقول أبو نزار: "كنا نعتقد أن جرمانا منسية وهي الوحيدة التي لا يتحسن بها الواقع الخدمي، ثم اكتشفنا أن الواقع الخدمي يتحسن فقط على صفحات السوشيال ميديا وفي الوعود الرسمية".

واقع الكهرباء يختلف من منطقة لأخرى

الواقع يختلف من محافظة إلى أخرى، وأحياناً من حي إلى آخر في المدينة نفسها. في بعض أحياء حلب، يعود التيار لساعات أطول ويتيح للسكان إنجاز الأعمال اليومية، بينما في مناطق ريفية، الانقطاع يمتد لأكثر من ست ساعات متواصلة، مع تأثير مباشر على الماء والغذاء وأجهزة التدفئة والتبريد.

هذا التفاوت يعكس ضعف البنية التحتية وغياب الصيانة المستمرة، لكنه لا يقلل من غضب السكان وإحباطهم. ووضح أكثر من شخص بين دمشق وريفها إلى أن بعض الصفحات المحلية لمناطقهم تنشر مواعيد للكهرباء وتقنين المياه ولكنها غير دقيقة أبداً، ما يجعل السكان يعتمدون على التخمين أو الحظ لمعرفة متى سيعود التيار.

في ريف مصياف، جلست مها، معلمة مدرسة، على شرفتها تنتظر عودة التيار. تقول بابتسامة متعبة: "الكهرباء بحد ذاتها لا تشكل مشكلة بالنسبة لنا لدينا بطاريات لشحن الهواتف ولدينا أضوية ليدات، في الصيف كانت المشكلة تتركز بالبرادات والمراوح ولكن طبيعة قريتنا الباردة لم تشكل لنا عائقا كبيرا، العائق بالنسبة لنا -كان وما زال- هو تعبئة المياه حيث ننتظر الكهرباء لنعبئ خزانات المياه وكلما طال الانقطاع زاد الضغط على خطوط المياه مما يزيد صعوبة الحياة هنا".

الانتظار المستمر

يظل أيهم جالساً أمام جهاز الكمبيوتر، يراقب الأخبار ويقلب صفحات مواقع التواصل بحثاً عن أي مؤشر على عودة الكهرباء. يعرف أن كل وعد بتحسين الكهرباء عادة ما يطول، وأن الظلام سرعان ما يعود ليغطي المنزل من جديد. عندما تلمع مصابيح الجيران للحظة قصيرة، يسرع في ترتيب مهامه اليومية، وكأن هذه اللحظات القليلة من النور تمنحه فرصة لإنجاز ما كان مؤجلاً.

"كل لحظة ضوء هي انتصار صغير، لكن سريع الزوال…" يتمتم أيهم. بالنسبة له، لم تعد ساعات الكهرباء تُحسب بالأرقام، بل بصبره وقدرته على التحمل.

المصدر: تلفزيون سوريا

تعليقات الزوار
  1. تعليقك
  2. أخبرنا قليلاً عن نفسك