الاقتصاد اليوم ـ تغطية شاملة للأخبار الاقتصادية على مدار اليوم

 

المتة والضجيج المشبوه

الاقتصاد اليوم:

في ظل الأوضاع الاقتصادية الاستثنائية للبلد كثر في الآونة الأخيرة الحديث عن مقاطعة المتة لغلاء سعرها ودخل العديد   من الاعلامين و الاقتصاديين  على الخط  بالتحليل والنقد و ان المتة تستنفذ القطع الأجنبي وان الأسعار غير مبررة وان هناك شركات محددة لاستيراد هذه المادة وانه يجب مقاطعتها مما دعانا  ان نبحث وبشكل واقعي  ونجمع معلومات  من وزارة التجارة الداخلية  ووزارة الاقتصاد  والجمارك و سبر أسعار مادة المتة للمستهلك في دول الجوار وفي بلد المنشأ الارجنتين  .

المقاطعة  : من خلال جنون الأسعار الحاصل بالبلد يتبادر للذهن بعد هذه الحملة ان المتة هي المادة الوحيدة التي ارتفعت أسعارها  مع ان العديد من المواد الأساسية الأهم من المتة والتي لا يمكن العيش بدونها  مثل السكر والرز والزيت ارتفعت أسعارها وأصبحت غير متاحة لشريحة واسعه من مواطنينا والتوجه نحو مواد ليست أساسية اما انها غير بريئة او لكسب شعبية .

ولكن هناك سؤال بريء : لماذا المتة بالذات وليس القهوة او الشاي مع ان أسعارهم اغلى من المتة وتستنزف القطع أيضا  فسعر المتة  يتراوح بين 5,000 الى 6,000 ل,س للكيلو غرام اما سعر القهوة يتراوح بين 15,000 الى 20,000 الف والشاي بين 10,000 ل.س الى 20,000 وهم  متقاربين بالكميات  وباستنزاف القطع اكثر من المتة  حسب بيانات وزارة الاقتصاد .

سؤال بريء اخر :  من يدعو للمقاطعة الم ينتبه الى حجم المواد التركية الداخلة الى سوريا تهريبا والتي تقدر 1.2 مليار دولار أي تعادل 30% من مستورداتنا  عام 2019 وهذا وفقا لبيانات المركز التجارة الدولي ,

اليست هذه البضاعة التركية جديرة بالمقاطعة وخاصة انها تدخل تهريبا وبشكل غير شرعي بعيد عن الرقابة  بالإضافة الى تفويت رسوم وضرائب على الدولة  ناهيك على  انها اتية من بلد محتل لأرضنا ويريد الشر بشعبنا .

 " التهريب يقتل الاقتصاد وان كان من تركيا فإنه يقتل مشاعرنا أيضا "

سؤال بريء أخير : اليس اجدى ان نقاطع الدخان الأجنبي والمعسل والمشروبات الكحولية مع انها مضرة بصحة الناس لماذا لم يتم الحديث عنهم وعن حجم استنزافها للقطع ؟

 ولكي لا يفهم من حديثنا اننا ضد المقاطعة فنحن نؤيدها وبشده لأنها مريحة للجميع , فهي مريحه للمواطنين لضعف القوة الشرائية  وللحكومة لأنه يوجد صعوبة بالظروف الراهنة لاستيرادها او لدعمها  وللمستوردين أيضا  لتخفيف خسائرهم من تغير سعر الصرف وصعوبة الاستيراد وشح القطع الاجنبي .

 الاحتكار :على حد علمنا لا يوجد حصر  لهذه المادة بمستورد معين او جهة معينة وانما المادة متاحة استيرادها للجميع وفعليا يوجد اكثر من اربع شركات تملك معامل للتعبئة واستيراد المتة وتطرح ماركتها في سوريا  وان التنافس بين الشركات من حيث النوعية والسعر هو كفيل بتحقيق التوزان السعري ومن يصوب سهامه على شركة ما عليه ان يقيم الحجة عليها ويستورد بنوعية احسن وسعر ارخص وهذه هي القاعدة الذهبية التي تجعل الشركات ناجحة , النوعية الجيدة والسعر الرخيص والخدمة الجيدة وعند أي خلل بأحدها يخلق فراغ تجعل الاخرين يحلون مكانها .

وكان هناك تجارب سابقة للوزير  الغربي لاستيراد هذه المادة ولكنه لغاية الان لم تأتي مع انه كان  كل يوم يعلمنا بمسار باخرة المتة المنوي استيرادها و لكن لغاية الان لم يخبرنا  سبب عدم استيرادها حتى اتى  مؤخرا تصريح لمسؤول  كبير في الوزارة وكان  اكثر جراءة وصرح

  " ان الاسعار التي تباع في سوريا ارخص من الأسعار التي كنا ننوي استيرادها .! "

  الأسعار والتمويل  :تم التقصي من مديرية الأسعار في وزارة التموين عن سبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية وخاصة المتة وهل هي ممولة من البنك المركزي ام لا حسب بيانات التكلفة التي تقدم للمديرية وكان الجواب ان المتة غير ممولة و لجميع الشركات منذ سنة وان سعر المتة يخضع لسعر الصرف العالمي .

حقيقة أسعار المتة : أجرينا مسح شامل لأسعار المتة في دول الجوار وفي بلد المنشأ ولكي تكون المقارنة صحيحيه اخترنا ماركات بعينها تباع في سوريا وفي جميع بلدان العالم بما فيها منشأ هذه المادة وهي الارجنتين

 ان المتة لا تزرع في سوريا ولا في دول الجوار وانما فقط في الارجنتين  وفي ولاية واحدة فقط هي ولاية مسيونس  وبالتالي يجب ان يكون سعر هذه المادة للمستهلك  متقارب مع دول الجوار والفرق يكون  بالضرائب المفروضة على عمليات الاستيراد في كل بلد  ويجب ان تكون     بلد المنشأ الارجنتين هي الارخص  لأنه الوحيد الذي  يصدر  هذه المادة .


يتضح من الجدول والذي تم الحصول عليه  عبر مواقع التوصل الاجتماعي وعبر الأقارب في الأرجنتين التي تحوي جالية سورية كبيرة  ان أسعار المتة في سوريا هي الارخص وحتى ارخص من مصدر البضاعة الارجنتين لنفس العلامات التجارية واي نفس النوعية لتكون المقارنة صحيحة


وهناك من يقول انه يوجد فرق في مستويات الدخل؟ نعم نؤكد ذلك ولكن عندما نقارن منتج محلي يتم انتاجه في سوريا ومنتج محلي ينتج في بلد اخر يكون مستوى الدخل له علاقة بالسعر اما اذا كانت المادة مستوردة لجميع هذه البلدان  التي يتم المقارنة معها فان سعر المادة المصدرة لهذه البلدان تكون هي الأساس .

فمثلا لا تصح المقارنة بين سعر دخان الحمراء لدينا وسعر مالبورو لاختلاف بلد المنشأ بينما تصح المقارنة مع دول الجوار لدخان مالبور لأنها مصدر لنا ولدول الجوار ويبقى ما يتحمله الدخان الأجنبي من ضرائب ودخول غير شرعي او غيره وهنا تصح المقارنة بعيدا عن مستوى الدخل .

الدعم الحكومي للمتة : منذ خمسينات القرن الماضي  كانت المتة  تأتي الى سوريا على شكل عبوات جاهزة وتباع مباشرة للمستهلكين و بعلامات تجارية اجنبية ( ارجنتنينية ) ومنذ  التسعينات ونتيجة دعم الحكومة للصناعة  عبر تسهيلات مباشرة تم  تخفيض الرسوم الجمركية للمتة الخامية اقل من المتة المستوردة الجاهزة للاستهلاك وتسهيلات ادارية ولوجستية غير مباشرة  تشجيعا منها للصناعين  لانشاء معامل لتحضير وتنشيف وفرز ومزج  وتعبئة المتة وبدأ التحول التدريجي من استيراد  العبوات الجاهزة  الى استراد المتة الخامية والتصنيع في سوريا   حتى اصبحت 90 % من مبيع المتة في سوريا من تعبئة محلية وبعلامات تجارية محلية   والتي خلقت فرص عمل كبيرة بشكل مباشر من مهندسين وفننين وعمال وإداريين وغيره و بشكل غير مباشر عبر تأمين مستلزمات الإنتاج من الكرتون وعبوات ورقية ومطابع  و نايلون  والنقل وعمالة هندسية ومهنية وادارية وغيرها. ووفرت جزء من القطع الأجنبي بالإضافة الى انها كسرت احتكار الشركات الاجنبية لهذه المادة   وانعكس  نجاح هذه التجربة   بتخفيض اسعار المتة في سوريا ومزاحمة علاماتنا التجارية المحلية بقوة للعلامات التجارية الاجنبية في الاسواق الخارجية مثل الخليج و تركيا – ودول الاتحاد الاوربي .

ولكن مالذي حصل بعد ذلك  فالوضع مختلف واليكم الحكاية .

    من خلال تقصينا عن الأسباب المحيطة في ارتفاع أسعار المتة ومقارنتها مع مشروبات متماثلة مثل الشاي والقهوة ومن خلال المعلومات الموجودة في وزارة التجارة الخارجية تبين لنا ان الرسوم المفروضة على  مادة  القهوة والمتة والشاي  يجب ان تكون متماثلة ولكن  اتضح لنا العكس انه وخلال فترة الازمة تم رفع الرسوم   على المتة والشاي من 5% الى 10% بينما القهوة ظلت 5% ولم يعطينا احد تفسير لذلك ؟

و الأهم من ذلك لم يتم التفريق بين المتة الخامية المعدة  للصناعة وبين المتة  الجاهزة المعدة للاستهلاك  أي لا يوجد أي دعم للصناعة وتعامل جميع معامل المتة كاي تاجر وللتأكد تم البحث في سجلات  المؤسسة الاجتماعية للتأمينات وتبين لنا معامل المتة تسجل بالتأمينات مايفوق 1500 عامل في مصانعها وتدفع تأميناتهم بانتظام حتى في اصعب ايام الازمة .

بالنتيجة فبعد  ان تم توريط  الصناعين بإنشاء معامل رفعنا الدعم عنها وعاملناهم كأي تاجر او  مستورد للمواد الجاهزة الذي  يسجل عامل  او اثنين  في التأمينات الاجتماعية .

هذا الذي حصل بكل بساطة !.

 

 

.من ينتصر لهذه  المبادرة

   في ظل العقوبات الاقتصادية ودخول قانون سيزر حيز التطبيق يجب ان نكون يدا واحد في مواجهة هذه الهجمات وبدل تقاذف الاتهامات يجب على الجميع ان يتحمل مسؤولياته  بشجاعة  وعدم تحميل تبعات الازمة  لجهة ما والاختباء ورائها وتركها عرضة للانتقاد من قبل الناس فالحكومة  مطالبة بدعم الصناعة لأنها عصب التنمية مما تخلقه من قيمة مضافة وخلق فرص عمل لشريحة واسعة من الناس و من  مختلف المهن التي تساهم بالعملية الإنتاجية .

ان المستورد والصناعين يقومون بمجهود جبار لتأمين المواد الأولية والمواد الغذائية ويجب ان ندعمهم واذا لم نستطع لا نعاقبهم ( بتهمة الاستيراد وتأمين السوق من المواد اللازم للمواطنين ) و يجب على وزارة التموين التشدد على المنتجين والمستوردين بالأسعار ولكن بالمقابل ان يتم التسعير حسب طريقة التمويل فعند عدم توفر التمويل لا تجعلون التاجر او الصناعي بمواجه  الناس ودورياتكم وتعاملوهم كخارجين على القانون وعليكم ان تقولو الحقيقة انه لا يوجد تمويل ونسعر وفق الالية التي يستوردون  بها و لا تلمون التاجر انه لا يعطي فواتير وانتم تسعرون لهم على سعر صرف غير واقعي .

  ان الاعتراف بالمشكلة هو بداية حلها .

ان اكبر اقتصاديات العالم مبنية على التشاركية بين القطاع العام والخاص فنجاح الصين من نجاح هواوي ونجاح اميركا من نجاح غوغل و جنرال الكتريك وغيرها ....

ان نجاحات القطاع الخاص السوري في الازمة من خلال انشاء معامل مهمة  في مصر وتركيا والأردن واحتضان حكومات هذه الدول  لهم  اكبر مثال ......

  فهل لدينا هذا الحضن الدافئ ؟!.

هامش : هذا عن المتة .. ماذا عن المواد الأخرى التي ارتفعت بنفس الطريق وتشبه في ظروفها ظروف المتة ونقصد الشاي والقهوة ؟



تعليقات الزوار
  1. تعليقك
  2. أخبرنا قليلاً عن نفسك