الاقتصاد اليوم ـ تغطية شاملة للأخبار الاقتصادية على مدار اليوم

 

بين الأجور المتدنية والاستيراد...إنتاجنا الصناعي يحتضر

الاقتصاد اليوم:

قبل عام، تناول رئيس اتحاد غرف الصناعة ما اعتبره فرصة تاريخية لاستثمار رخص اليد العاملة في تنمية الإنتاج، ليلاقيه منذ أيام، وبطريقة مواربة نسبياً، «مركز دمشق للأبحاث» الذي خلص إلى أن الصادرات لا تحتاج لدعم سعري لأن «المنتجات أصبحت من الأرخص عالمياً بعد انخفاض مكون الأجور من إجمالي كلفة الإنتاج».

تنحو كلتا الخلاصتين لاعتبار تدني الأجور كقيمة مضافة تدعم تنافسية السلع الوطنية، وهما بذلك تتلاقحان مع ما طرحه حاكم المصرف المركزي في مسائية «الأحد الاقتصادي» الأخيرة مطالباً بـ«دعم الإنتاج التصديري ذي القيمة المضافة العالية فعلا»، ومع ما سبقها من جلسات «عصف» للدماغ الحكومي بحثا عما أسماه رئيس "مجلس الوزراء": «التصدير المثالي».. يتطلب بند الأجور بحثاً علمياً جدياً حول دوره في تدعيم تنافسية السلع الوطنية، إلا أن مجرد رمقه بنظرة تأشيرية، قد يطيح بالآمال المعلقة عليه بعدما ساهم رقص حكومات «الحرب» السابقة على جثث الأجور واستباحة قيمتها الحقيقية لإخفاء فشلها في ضبط توازن كتلتي السلعة والنقد، بالإطاحة -حتى- بالأثر الكلاسيكي لتدنيها على تنافسية الإنتاج الوطني!! فكما هي حال العضلات القوية بعد جولة جهد زائد، ساق الوهن الشديد للأجور حالة من «التمنُّع» في بيانات الكلفة قياساً بالتضخم المتدحرج لمطارح الكلفة الأخرى: كالشحن والمدفوعات المضافة بسبب الحصار، وصولا إلى الـ30% التي قال وزير الاقتصاد إنها «كلفة الفساد والروتين» في المنتجات المحلية؟!

في طريق البحث عن الذات التصديرية، سيجب على الحكومة اكتشاف مواطن «القيمة المضافة العالية» عبر دفع المتخصصين لتفنيد التبدلات التي طرأت على بيانات الكلفة، ومن ثم تفكيك زوائدها لتعظيم سلتنا من الصادرات، وقد نفاجأ حينها، بأن العمالة الرخيصة ليست إحداها لأنها باتت «قيمة مهملة» ما لم تكن السلعة المنتجة كثيفة قوة العمل أو مقترنة بقيم مضافة أخرى، كما في الصناعات الحرفية والاقتصاد الثقافي كالدراما والدوبلاج، والإنتاج الابتكاري وتكنولوجيا المعلومات، إلى جانب القطاع الزراعي الذي يتمتع بقدرة تنافسية مذهلة تبعا للانخفاض الكبير في كلفة رأسماله الثابت «الأرض» وحاجته المتدنية لمدخلات مستوردة، والحصة الوازنة للعمالة من مجمل الكلفة، وهو، فيما لو دمجت نتاجاته بسلاسل قيمة مكثفة، فسيصبح قادراً على تقديم مساهمة كبيرة لسد الثغرات في جدارنا النقدي وترقيع ميزاننا التجاري.

أما إنتاجنا الصناعي، فسيواصل مزاولة انتظاره مصلوباً على خشبتي الاستيراد والتهريب ما لم تتبنى الحكومة مطالبة حاكم المصرف المركزي «في تلك المسائية» بضرورة الوقف الفوري لاستيراد «وتهريب» السلع ذات البديل المحلي، ذلك أن تنافسية سلعه في أسواقنا الداخلية، قبل التصديرية، ترزح تحت تضاعف أسّي لبعض بنود كلفتها على خلفية تعرضها لمصاريف الشحن و«مدفوعات الحصار الاقتصادي»: جيئة كمواد أولية إلى المعامل، وذهابا كسلع إلى الأسواق الداخلية والتصديرية!.. في الوقت الذي لا تقطع فيه السلع المهربة والمستوردة هذا النفق إلا مرة واحدة فقط؟!

للأسف، فرغم تفاؤل رئيس اتحاد الصناعيين بها، ليست عمالتنا «الرخيصة» بقادرة على إحداث الفرق المطلوب في تنافسية إنتاجنا الوطني، ما دام الجناح التجاري في الحكومة لا يزال مهيمناً على سياساتها.

"الوطن"

تعليقات الزوار
  1. تعليقك
  2. أخبرنا قليلاً عن نفسك