الاقتصاد اليوم ـ تغطية شاملة للأخبار الاقتصادية على مدار اليوم

 

معالجة الأسباب خير من تخدير الأوجاع.. والمستهلك يحتاج إلى حلول لا إلى تصريحات!

الاقتصاد اليوم ـ صحف:

رغم حديث المسؤولين عن رقابة الأسعار بأن الأسواق ستشهد ارتفاعات خلال الأسبوع الأول من رمضان لزيادة الإقبال على المواد الغذائية، إلا أن الأسعار (طاب لها الاستمرار) إلى هذه اللحظة في الارتفاع رغم انقضاء الأسبوع الأول من رمضان.

ازدحام للمتسوقين.. والتصريحات أيضاً!

المتابع لحالة أسواقنا خلال الأسبوع الأول من رمضان يجد ما يلي: ازدحام المتسوقين، ولكن يمكن وصفه بأنه ازدحام (خلبي)، لأن المبيعات كانت في أدنى مستوياتها وفق العديد من الباعة للمواد الغذائية، أما من جهة التصريحات الصادرة عن حماية المستهلك، فقد كثرت كثيراً، والأكثر من ذلك ارتفاع أرقام الضبوط التموينية في أسواقنا، عدا الإغلاقات واكتشاف حالات الغش والتدليس في المواد الغذائية وخاصة اللحوم. وبالطبع هذه الضبوط التي أرقامها ترتفع كل يوم، تعبر عن هول الغش وغياب الضمير في أسواقنا، التي أخذت تبحث عن الربح السريع على حساب المستهلك وجيبه وصحته أيضاً.

ومن المعروف لدى الجميع بأن شهر رمضان الكريم الذي يعتبر شهر الصوم له طقوسه الخاصة من جهة الوجبات الغذائية لدى الأسر السورية، إلا أن هذا الشهر كان وفق العديد من المستهلكين من أفقر الأشهر من جهة الوجبات الغذائية، فقد تغيرت العادات على وقع الأسعار، ولم يعد بمقدور الأسرة أن تلبي حاجتها من الغذاء بشكل يومي، واقتصرت على المواد المشبعة في ذلك وفق العديد من التصريحات الصادرة عن جمعية حماية المستهلك، التي رأت على لسان رئيسها عدنان دخاخني بأن الأسرة السورية تحتاج إلى 100 ألف ليرة شهرياً لتلبية حاجتها خلال شهر رمضان فقط، أي أن هذا المبلغ يشكل نحو 4 أضعاف دخل الموظف العادي، كما يشكل طامة كبرى لدى العاطلين عن العمل والمهجّرين الذين أنهكتهن أجور المنازل والمواصلات والفواتير.

قصور كبير في التدخل الإيجابي.. ماذا عن الأرياف؟

لا شك أن الحكومة عبر مؤسسات التدخل الإيجابي حاولت ولا تزال تحاول خفض حدة الأسعار عبر طرح السلع بأسعار مخفضة في الصالات، وعبر إقامة مهرجانات التسوق، إلا أن ذلك لم يكن كافيا لوضع حد لارتفاع الأسعار، إذ إن التدخل لا يشمل كل مناطق سورية، فمثلاً في الأرياف التي كانت ولا تزال إلى الآن ملجأ للمهجرين، لا يوجد صالات لمؤسسات التدخل الإيجابي، ولا يوجد أي مهرجانات للتسوق، في حين نجد أن أغلب هذه الصالات توزعت في مراكز المدن في المحافظات وخاصة دمشق وبعض مناطق ريف دمشق.. وبالطبع المستهلك الذي يقطن في الريف لن يذهب إلى مركز المدينة ويضع (تلك الحسبة) أجرة مواصلات لكي يشتري حاجته من المواد الغذائية، بل سيتوجه إلى أقرب بائع إليه للمواد الغذائية ويشتري منه، مما يعني أن نسبة كبيرة من التدخل الإيجابي وإقامة المهرجانات الرمضانية لم تصل إلى المحتاجين فعلاً، وهذه النسبة لا يستهان بها.. فالأرياف تعج بالسكان وذوي الدخل المحدود والعاطلين عن العمل، واستهلاكهم لا يمكن غض الطرف عنه، وهذه نقطة سلبية كبيرة بحق مؤسسات التدخل الإيجابي التي يجب أن لا تقتصر في نشاطها على مراكز المدن، وأن لا تكون ذو عقلية تجارية فقط، ولكن يجب أن يكون التركيز الأكبر لها في مناطق الأرياف، كون أصبحت الأرياف تضم عدداً هائلاً من السكان، وخاصة المهجرين من المناطق الساخنة، وهذا هو دورها الاجتماعي، كما أن هناك العديد من النقاط السلبية الأخرى تسجل بحق مؤسسات التدخل مثل ارتفاع أسعار بعض السلع في صالاتها عن أسعار السوق، وهذا ما أكده أحد أعضاء مجلس الشعب أثناء مداخلة له في مناقشة قانون التموين الجديد الذي صدر مؤخراً، والذي سنناقش بعضاً من مواده في الأعداد التالية.. عدا عمليات المتاجرة بالمواد المدعومة المخصصة لصالات التدخل الإيجابي والتي ضبطت أكثر من مرة، فهل يعقل أن تكون هذه المواد التي أنفقت الحكومة الكثير من الأموال أو التي أتت عن طريق الخط الائتماني أن يتم المتاجرة بها، وأن تباع على البسطات وفق ما ذكرته الصحف المحلية؟ حقاً (يلي استحو ماتو)، بل إن (الضمير)، إن كان تجار الأزمات لا يزالون يتذكرون اسمه، قد أصبح منفياً لديهم.

المستهلك لا يحتاج إلى توعية يحتاج إلى حلول.. فهل لديكم حلول؟!

الغريب في الأمر أن التصريحات التي تطلق في كل يوم ولا تكاد تخلو من صحيفة أو موقع إعلامي محلي إلا ولديه خبر أو تقرير يتحدث عن الأسواق وعن الضبوط التي نظمتها مديريات التجارة الداخلية وعن الإغلاقات وووو، والأغرب من ذلك التصريحات التي تطلق من جمعية حماية المستهلك والتي تطلب من المستهلكين تارة بعدم شراء ما هو مرتفع الثمن، وتارة بأن تكاليف رمضان تصل إلى 100 ألف ليرة وتارة أخرى بشراء الضروري فقط، وكأن المستهلك لديه خيارات أمامه لشراء الغالي والرخيص، لذا يا جمعية حماية المستهلك، لا نحتاج إلى توعية ونصائح، فمستهلكنا أصبح عالماً اقتصادياً، والأزمة برهنت على ذلك، فهو استطاع أن يجتاز كل الصعاب المادية التي مرت به سابقاً، ولكن حالياً لا نعلم كيف (يدبر رأسه)! يا جمعية حماية المستهلك، المستهلك يحتاج إلى حلول وليس لنصائح وتوجيهات، يحتاج إلى سلع ومواد غذائية يحصل عليها بسعر مناسب ودخله، يحتاج إلى منزل يستتر به هو وعائلته بسعر منطقي ودون ابتزاز من المكاتب العقارية وأصحاب العقارات، يحتاج إلى دفء في الشتاء، يحتاج إلى لقمة لا تحوي الغش والملونات والمواد المسرطنة، يحتاج إلى أن يتذوق اللحوم (اللحمة المشوية ـ الكباب ـ الكبة ـ والقائمة التي حرم منها منذ سنين).. هل بإمكانك تحقيق ذلك.. أيها المسؤولين عن الأسعار وعن الرقابة، هل تستطيعون تحقيق ذلك للمستهلك؟ فالإرشادات لا تفي بالغرض، فهو قد حفظها عن ظهر قلب، بل وأصبح حكيم زمانه في التعاملات الاقتصادية في ظل ما تشهده أسواقنا من تقلبات.

معالجة الأسباب مع تخدير الأوجاع

ما نريد أن نؤكده هو أن المستهلك وصل إلى مرحلة اقتصادية حرجة جداً، فهل اكتفى تجار الأزمات من التلاعب بلقمة عيش المواطن، أين هي المحاسبة للفاسدين، لماذا لم تنخفض الأسعار إلى الآن؟ هل طاب لأسواقنا هذا الارتفاع، أم هل طاب للمسؤولين في الحكومة هذا الارتفاع في الأسعار؟.. لا ننكر أن الظروف الاقتصادية حالياً صعبة للغاية، ولكن أيضاً يجب أن تقوم الحكومة بإجراءات استثنائية تقابل هذه الظروف الصعبة، يجب أن لا تتهاون بمن يتلاعب بأي مادة مدعومة، يجب أن لا تسمح لتجار الأزمات أن يلتهموا (الأخضر واليابس)، يجب إيجاد حل سريع وعاجل وقوي وفعال ضد المضاربين والمتلاعبين بسعر الصرف، فهل تحركت الحكومة لمعالجة الأسباب دون أن تقتصر على تخدير الأوجاع.. نرى أنه من الضروري جداً أن تعالج أسباب ارتفاع الأسعار، وهو سعر الصرف، إضافة إلى تخدير هذه الأسعار من خلال ما تقوم به حالياً من مهرجانات تسوق وعمليات تدخل.. العملية متكاملة.. فإذا عرف السبب بطل العجب!

وسيم وليد إبراهيم

المصدر: صحيفة "النور" السورية

تعليقات الزوار
  1. تعليقك
  2. أخبرنا قليلاً عن نفسك