الاقتصاد اليوم ـ تغطية شاملة للأخبار الاقتصادية على مدار اليوم

 

هل تدخل سوريا مرحلة إنقاذ اقتصادي حقيقية

الاقتصاد اليوم:

شهدت الساحة الاقتصادية السورية أحداثاً متسارعة خلال العام الماضي في محاولة لتعويض التدهور الذي حدث على مدار سنوات طويلة من حكم آل الأسد والذي ازدادت حدته خلال فترة الحرب التي استمرت نحو 14 عاماً.

وبعد عزلة دولية كبيرة وعقوبات اقتصادية غير مسبوقة عادت سوريا للنظام المالي الدولي من خلال التواصل مرة أخرى مع صندوق النقد والبنك الدولي والأمم المتحدة وغيرها من المنظمات العالمية، بالإضافة إلى المشاركة في الفعاليات الاقتصادية المحلية والإقليمية واستقبال المستثمرين للترويج للفرص الاستثمارية الجديدة في سوريا.

وتسعى الحكومة السورية لتنفيذ سلسلة من الإصلاحات المالية والنقدية لإنقاذ الاقتصاد الذي عاش في عزلة دولية لفترة طويلة أدت إلى غياب أي مؤشرات اقتصادية تعبر عن واقع سوريا بالإضافة إلى هجرة الشركات للأسواق بسبب العقوبات والفساد وانهيار العملة والتدهور الأمني في البلاد.

البداية كانت من التواصل مرة أخرى مع صندوق النقد الدولي للحصول على مساعدة فنية لبرنامج الإصلاح الاقتصادي في سوريا، وهو التعاون الذي يمكن أن يتطور في مراحل مقبلة لصياغة برنامج شامل بين سوريا وصندوق النقد.

رفع العقوبات
واستفادت سوريا من قرارات عدد كبير من الدول برفع العقوبات الاقتصادية التي كانت مفروضة عليها، ولكن الأهم هو إلغاء "قانون قيصر" الذي يفرض عقوبات أميركية على سوريا والذي اقترب الكونغرس الأميركي من المصادقة على إنهاء العمل بها بعد تجميد سابق للعقوبات.

ووصف حاكم مصرف سوريا المركزي عبدالقادر الحصرية، ما يحدث بشأن رفع العقوبات المفروضة على سوريا بـ "المعجزة"، مؤكداً على تعاون سوريا مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي منذ شهر أبريل الماضي لدعم استقرار العملة وتطوير السياسة النقدية.

وقال الحصرية: "صندوق النقد سيعمل معنا في بعض المبادرات وسيقدم لنا المساعدة الفنية لكننا لم نتوصل بعد إلى برنامج معهم".

وبعد زيارة من صندوق النقد الدولي إلى سوريا مؤخراً، تم إصدار بيان تضمن الإشادة بما تنفذه السلطات السورية من إصلاحات اقتصادية ومالية مكنت من وضع الاقتصاد السوري على مسار التعافي الاقتصادي.

وأعلن صندوق النقد أنه تم الاتفاق مع سوريا على برنامج مكثف للتعاون خلال المرحلة المقبلة، وذلك بعد الانتهاء من تقييم الوضع الاقتصادي ومناقشة أولويات السلطات في مجال الإصلاح الاقتصادي وبناء القدرات.

العودة إلى "سويفت"
وبالإضافة إلى ذلك عادت سوريا إلى النظام المالي الدولي، حيث أعلن حاكم مصرف سوريا المركزي منذ أيام عن إرسال أول رسالة "سويفت" إلى بنك الاحتياطي الاتحادي في نيويورك.

وتمثل تلك الخطوة أهمية كبيرة حيث تحتاج سوريا إلى إجراء تحويلات مع المؤسسات المالية الغربية من أجل إدخال مبالغ ضخمة لإعادة الإعمار وتحريك عجلة الاقتصاد الذي دمرته الحرب.

وقال الحصرية إن رفع العقوبات عن القطاع المصرفي انعكس بشكل إيجابي على الاقتصاد المحلي، حيث انخفض التضخم بشكل ملموس، وتحسنت قيمة الليرة السورية.

ونظام "سويفت" هو شبكة مراسلة آمنة وموحدة عالمياً تسمح للبنوك والمؤسسات المالية بتبادل المعلومات والتعليمات المالية، وخاصة لعمليات التحويلات الدولية.

العملة السورية الجديدة
تتضمن خطط الإصلاح الاقتصادي إصدار عملة سورية جديدة بعد الانهيار التاريخي لليرة التي تراجع سعرها من مستوى 50 ليرة للدولار في عام 2011 إلى نحو 15 ألف ليرة عند سقوط بشار الأسد قبل عام، لترتفع الليرة حالياً إلى مستوى 11 ألف ليرة للدولار.

وأعلن مصرف سوريا المركزي عن طباعة عملة سورية جديدة من 6 فئات، لكن الجديد أنها ستكون خالية من الصور والرموز لتودع الليرة السورية صورة حافظ الأسد الرئيس الأسبق ونجله بشار.

وقال حاكم مصرف سوريا المركزي إنه سيتم إزالة صفرين من قيمة العملة السورية الاسمية، في خطوة تهدف إلى تبسيط التعاملات النقدية وتعزيز الثقة بالعملة المحلية.

وأوضح الحصرية أن العملة الجديدة ستُطبع لدى أكثر من جهة، لضمان الجودة والأمان والسرعة في عملية الإصدار، مشدداً على أن المصرف "سيقوم بكل ما يلزم للتخلص من آثار العملة القديمة"، بما في ذلك سحب الفئات المتقادمة تدريجياً من السوق.

وقال الحصرية إن العملة السورية الجديدة ستصدر بست فئات لتلبية احتياجات التداول اليومية بكفاءة أكبر، وستتراوح هذه الفئات بين الصغيرة والمتوسطة والكبيرة لضمان سهولة التعامل النقدي في الأسواق.

وأشار إلى أنه ستواكب إطلاق العملة الجديدة إجراءات مدروسة من قبل المركزي السوري، لضبط السيولة والحفاظ على استقرار الأسعار، تشمل مراقبة السوق النقدية، وضبط حركة الكتلة النقدية المتداولة، وتفعيل أدوات السياسة النقدية لضمان عدم حدوث تضخم أو مضاربات نتيجة طرح الفئات الجديدة.

وقال الحصرية إن إطلاق العملة السورية الجديدة سيسهم في معالجة جانب من مشكلة نقص السيولة، وخصوصاً من خلال استبدال الأوراق التالفة، وضخ أوراق نقدية حديثة أكثر جودة وتحملاً.

التحول الرقمي
تطوير القطاع المالي تضمن أيضاً الإعلان عن خطة شركة "فيزا" لتدشين عملياتها في سوريا، وذلك بعد الاتفاق مع مصرف سوريا المركزي على خارطة طريق لتطوير منظومة للمدفوعات الرقمية.

وقالت شركة "فيزا" إنها ستعمل مع المؤسسات المالية المرخصة في سوريا لتطوير أساس متين وآمن للمدفوعات، ويشمل ذلك إصدار بطاقات الدفع وتفعيل المحافظ الرقمية وفقاً للمعايير العالمية، لضمان الأمان والجاهزية الفورية للتعاملات الدولية.

وأوضحت الشركة أنه بالنسبة للتجار، فستساعد "فيزا" في تفعيل منظومة قبول المدفوعات الرقمية عبر منصة "فيزا" لقبول المدفوعات، التي توفر حلول قبول منخفضة التكلفة ومفتوحة مثل الدفع عبر الهاتف الذكي والرموز السريعة "QR"، لبناء شبكة شاملة ومتاحة.

وأكدت الشركة أن هذه الخطوات تعود بالفائدة على الشركات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، والتي تشكل ركيزة الاقتصاد المحلي، مما يمكّنها من الانخراط بشكل كامل في الاقتصاد الرقمي والمساهمة في خلق فرص العمل.

وأكد عضو جمعية المحللين الماليين في سوريا فراس حداد، أن تطوير منظومة الدفع الإلكتروني أصبح ضرورة ملحّة لانتقال سوريا إلى الاقتصاد الرقمي، خاصة في ظل مشكلات السيولة الحادة التي تعاني منها البلاد.

وأوضح حداد في مقابلة مع "العربية Business" أن سوريا خاضت تجارب سابقة في الدفع الإلكتروني عبر بعض البنوك العامة والخاصة، إلا أن تفعيل منظومة السوق مؤخراً جعل البيئة أكثر جاهزية لاستقبال أنظمة دفع متطورة.

وأكد حداد أن التعامل مستقبلاً مع أنظمة دفع دولية مثل "فيزا كارد" يتطلب توفر ثلاثة شروط أساسية: وجود مصارف محلية مرخصة تعمل كوسيط مع الشركات الدولية، وبنية تحتية تقنية قوية تشمل أجهزة الدفع وشبكات الاتصالات، إضافة إلى رفع العقوبات عن البنك المركزي وعودته الكاملة إلى نظام "سويفت".

وحول إمكانية عودة خدمات "فيزا" إلى سوريا في 2026، أوضح حداد أن الأمر يعتمد على توافق المصالح بين الأطراف كافة، مشيراً إلى أهمية تحويلات السوريين في الخارج التي تُقدّر بنحو 2 مليار دولار سنوياً ولا تصل غالباً عبر قنوات رسمية.

وأضاف أن الدفع الإلكتروني قد يشهد انطلاقة أولية من خلال منصات افتراضية وربط خدمات QR بالهاتف المحمول، تمهيداً لإصدار البطاقات الكاملة لاحقاً.

سوق دمشق
تعمل الحكومة السورية على تطوير سوق دمشق للأوراق المالية، بالإضافة إلى إصدار تشريعات جديدة لتطوير آليات العمل في السوق المالية السورية بعد سنوات من الجمود.

وقال رئيس مجلس مفوضي هيئة الأوراق والأسواق المالية السورية، عبدالرزاق قاسم، إن الهيئة تخطط لتطوير القطاع عبر أدوات مالية جديدة وتحديث البيئة التشريعية.

وأضاف أن الهيئة بالتعاون مع وزارة المالية تعمل حالياً على خطة لتطوير قطاع الأوراق المالية تعتمد على مرتكزات أساسية أبرزها تنويع الأدوات من خلال إصدار تشريع خاص لصناديق الاستثمار، وإعداد مشروع قانون للصكوك الإسلامية كأولوية قصوى وأداة تمويل أساسية للمشاريع المستقبلية، وزيادة عدد الشركات المساهمة العامة بوصفها إحدى ركائز النمو الاقتصادي.

وأكد أن الهيئة تعمل على تحديث تشريعاتها ومراجعة قانون تأسيس الهيئة وأنظمة عملها بهدف دعم بيئة التداول وتنظيم سوق دمشق للأوراق المالية وفق المعايير الحديثة.

وأوضح أن الهيئة تمكنت من إعداد نظام جديد لحوكمة الشركات ينسجم مع المعايير العالمية، ويهدف إلى تحسين أداء الشركات وتعزيز حقوق المساهمين عبر ضمان المعاملة المتساوية بينهم.

وفيما يتعلق بتوسيع عدد الشركات المدرجة في السوق، لفت قاسم إلى ضرورة توفير محفزات تشريعية مثل الإعفاءات الضريبية أو إلزام المشاريع الاستثمارية الكبيرة باتخاذ شكل شركة مساهمة عامة.


وفي مطلع يونيو الماضي عادت حركة التداول في سوق دمشق للأوراق المالية بعد توقفها نحو 6 أشهر.

وقال وزير المالية السوري محمد يسر برنية، عند إعادة افتتاح السوق: "الاقتصاد السوري بدأ في التحرك والانتعاش، وسوق دمشق للأوراق المالية ستكون شركة خاصة ومركزاً حقيقياً لتطوير الاقتصاد السوري، وسنعمل على مواكبة التطورات الرقمية".

وأضاف برنية أن "رؤيتنا الاقتصادية تقوم على العدالة والإنصاف وريادة القطاع الخاص وجذب الاستثمار، وسنعمل على تيسير العمل وهناك فرص استثمارية واعدة".

وقال برنية إنه يتم زيادة أيام التداول في سوق دمشق للأوراق المالية لتكون خمسة أيام، بدلاً من ثلاثة أيام.

وكان التداول في سوق دمشق قد توقّف بتاريخ 5 ديسمبر 2024، وذلك بسبب الحاجة إلى تقييم الوضع التشغيلي والمالي للشركات المساهمة، واستكمال الإفصاحات حول حجم الأضرار والخسائر التي لحقت بها، إضافة إلى الحد من مخاطر التلاعب وتهريب الأموال.

العربية

تعليقات الزوار
  1. تعليقك
  2. أخبرنا قليلاً عن نفسك