الاقتصاد اليوم ـ تغطية شاملة للأخبار الاقتصادية على مدار اليوم

 

أين اختفى (مدفع رمضان) السوري؟

الاقتصاد اليوم:

لم يكن للسوريين أن يخطئوا صوته، حتى يوم صارت أحاديث السلاح جزءاً من حياتهم، لكن مدفع رمضان غاب بموازاة الحرب المعيشة، لتفقد مدنٌ سورية تقليداً عايشه أبناؤها زمناً طويلاً، ساهمت الظروف لاحقاً بفقدان عادات وطقوس أخرى رمضانية منها “المسحراتي” و”تكريزة رمضان”.

على “يوتيوب” يصوّر أحدهم شرطياً يشعل فتيل المدفع، واللافت أن ما يظهره الفيديو المنشور عام 2007 مجرد فوهة مطمورة وفتيل صغير على عكس ما يتخيله أحدنا عن شكل المدفع التقليدي، وحاجته إلى عدد من الرجال للتشغيل والإطلاق.

بالطبع لم تعد هناك حاجة حقيقية للمدفع مع كل ما وفرته مكبرات الصوت في الجوامع، وما توالى في وسائل الإعلام والاتصال، التي راعت فروق التوقيت حتى في المدينة الواحدة.. لكن الحكاية أبعد من مجرد التنبيه لوقت الإفطار، كان “المدفع” دليلاً على خصوصية الشهر التي صارت مرهونة بغلاء الأسعار والطلب غير المفهوم على الأسواق في وقت يفترض فيه أن غاية الصيام أكثر سمواً.

يقال إن مدينة القاهرة، هي أولى المدن الإسلامية التي عرفت عادة المدفع الرمضاني، وإن كان هناك من يرى أن دمشق سبقتها، لكن في ثبوت هلال رمضان، وليس عند الإفطار أو الإمساك يومياً ثم انتقلت عادة استعمال المدفع من القاهرة إلى بلاد الشام والعراق وهكذا.

وعلى الرغم من تضارب الروايات التاريخية حول نشأة التقليد، يتكرر الحديث عن أن البداية كانت مصرية، وفق ما تشير إليه دراسات تاريخية منشورة حيث بدأت القصة عام 1811 زمن والي مصر “محمد علي باشا”، فحين امتلك جيشه مدافع حديثة الصنع، أمر بإحالة القديمة إلى المستودعات ووضع واحداً منها في القلعة كتذكار لانتصاره، وصادف في أحد أيام رمضان أن أطلقت من القلعة طلقة مدفعية مع أذان المغرب، فظن المصريون أن هذا كان لإبلاغهم بحلول موعد الإفطار، فابتهجوا لذلك.

ومن وقتها أمر والي مصر بإطلاق المدافع مع أذان المغرب وعند الإمساك، حتى أصبح تقليداً متبعاً خلال شهر رمضان.

لا يمكن الجزم بصحة الرواية السابقة، مقابل روايات أخرى تشرح بالتواريخ تفاصيل الارتباط الأول بين المدفع وموعد الإفطار في مصر، وهو ما ينساق على دمشق أيضاً، حسب ما كتبه المؤرخ شمس الدين العجلاني، إذ تقول الروايات إن مدفع رمضان استخدم لأول مرة بدمشق زمن الوالي “أسعد باشا العظم”.

ففي أحد الأيام ثبتت رؤية هلال رمضان، وبعد العشاء أمر الوالي بضرب عدة قذائف من المدفع تعلن إثبات الرؤية، فاستيقظ السكان وازدحمت الشوارع.

في البداية وُضع المدفع على سطح قلعة دمشق، وعندما حولها الفرنسيون إلى سجن وثكنة عسكرية، نقل المدفع إلى هضبة “قبة السيار” على طريق ضريح الجندي المجهول في “جبل قاسيون”، وبعد اتساع مدينة دمشق لم يعد مدفع واحد يكفي فتم وضع آخر عند “باب كيسان” قرب “باب شرقي”، ليصل العدد إلى 17 مدفعاً.

يتابع العجلاني: في خمسينيات القرن الماضي تم استبدال مدفع الذخيرة الحية بمدويات صوت كانت توضع في عدد من حدائق دمشق، حيث يتم وضع أسطوانة في أرض الحديقة وتوضع فيها كمية من البارود ضمن قطعة قماشية، ويتم إشعال فتيل مرتبط بها، عندما يشتعل تندفع حشوة البارود عالياً وتنطلق في الجو من دون إحداث أي ضرر،‏ “وهو ما يوثقه مقطع الفيديو المذكور”، ثم وُضعت المدافع في عدة حدائق متباعدة في مدينة دمشق، وكانت تطلق في وقت واحد.

يمكن القول إن “ظهور مدفع رمضان كان حلاً مناسباً لمعرفة وقت الإفطار بعد تنامي العمران، ومع الأيام أصبح تقليداً رمضانياً رغم عدم الحاجة إليه مع انتشار الكثير من وسائل التوقيت”، تبعاً لما نشره الزميل محمد قاسم الخليل تحت عنوان “أقدم مدفع إفطار في المنطقة”، ولا يزال المدفع موجوداً في مدن عربية كثيرة كوسيلة مفضلة وتقليد أصيل.

وسمي مدفع الإفطار مع أنه كان تنبيهاً لفترتي السحور والإفطار، حيث تولى “المسحر” مهمة إيقاظ الناس، خلال تجواله بين الأزقة والحارات، في حين كان من غير الممكن تنبيه الناس للإفطار في وقت واحد .
وحسب الزميل “تولى قسم شرطة محافظة دمشق عملية إطلاق مدفع رمضان في الأعياد والمناسبات، حيث يقوم مندوب عن القسم بالمكوث في مكتب القاضي الشرعي الأول بدمشق، وعند إعلان ثبوت شهر الصوم يتم إعلام المحافظ الذي يوعز بإثباته عبر مدويات الصوت، وهي التسمية الرسمية لمدفع رمضان في مدونات القسم المذكور، ليتم إطلاق 21 طلقة عند ثبوت الشهر، ومثل ذلك لإثبات هلال شوال، ويومياً هناك ثلاث طلقات عند السحور، الأول لتنبيه الناس والثاني لإعداد الطعام والثالث عند الإمساك، ويطلق عند الغروب طلقة واحدة، وكانت تطلق مدويات الصوت الرمضانية من ثلاث حدائق تغطي جهات المدينة”.

يشير الخليل إلى إن “جميع ما كتب عن المدفع في الصحف العربية ومواقع الإنترنت حول بداية ظهور مدفع الإفطار يعوزه الدقة العلمية وعلى النقيض من الوقائع الموثقة في كتب التاريخ”.

أما ما نشير إليه فهو أنه لم يتسن لـ”الأيام” معرفة ما آلت إليه المدافع بعد الاستغناء عن دورها.

صحيفة الأيام السورية

تعليقات الزوار
  1. تعليقك
  2. أخبرنا قليلاً عن نفسك