الاقتصاد اليوم ـ تغطية شاملة للأخبار الاقتصادية على مدار اليوم

 

إجراءات حماية الليرة بين (النقدي) و(السلعي)

الاقتصاد اليوم:

تتحدد قيمة الليرة السورية كمحصلة لتفاعل الكثير من العوامل الاقتصادية، السلعية والنقدية والمالية والتجارية، وتتأثر بشدة بالعوامل النفسية والسياسية وعوامل أخرى أهمها الأمن والاستقرار، لذا فإن تغير أو تدهور واحد أو أكثر من هذه العوامل يُصعّب من مهمة لجم سعر صرف الليرة، ويُضعف من فعالية تدخل "مصرف سورية المركزي" وحده، لأن مسؤولية الحفاظ على قيمة الليرة تقع أيضاً على كاهل جميع الجهات الاقتصادية الحكومية الأخرى المسؤولة عن قطاع المال والسياسات الإنتاجية والتجارية والجمركية، باعتبار أن الأسباب والعوامل التي تؤثر في سعر الصرف ليست عوامل نقدية ومالية فقط، لذا نشير إلى الآتي:

إن الإجراءات المتخذة من "المصرف المركزي" لمواجهة انخفاض قيمة الليرة تُركّز على الجانب النقدي فقط، وهو طوال سنوات الأزمة يجعل دائماً قيمة الليرة وسعر الدولار هدفاً كمياً لإجراءاته، من دون أن نلمس ما يُشير إلى أن هذه الإجراءات هي جزء من رؤيته الكلية للعوامل الحقيقية التي تتحدد بموجبها قيمة العملة الوطنية، ويتحدد معها بالتالي قيمة الدولار في السوق السوداء.

ونقصد بها تلك الرؤية الشاملة التي تُماهي بين مجموعة (العوامل النقدية) ومجموعة (العوامل الإنتاجية)، اللتين عندما تتساويان -مجازاً- تتحدد قيمة العملة الوطنية كتحصيل حاصل، وعند استمرار توازيهما تستقر قيمة هذه العملة، وعندما يحدث الخلل بينهما بتقلص (الكتلة السلعية) يَنتُج (التضخم) وارتفاع الأسعار وانخفاض قيمة العملة الوطنية، وعندما يحدث الخلل بتقلص (الكتلة النقدية) ينتج الانكماش والركود.

أما الحالة الاقتصادية الأكثر تعقيداً هي وجود بذور ومفاعيل كلتا حالتي الخلل بالوقت ذاته، حيث يَنتُج (الركود التضخمي)، وهو بالضبط الحال التي يُعاني منها حالياً الاقتصاد السوري. والتعقيد المقصود هو في صعوبة إيجاد إجراءات المعالجة وفي تناقض آثارها، حيث إن من أحد الإجراءات الفاعلة في معالجة (التضخم) على سبيل المثال يتمثل بتقليص الكتلة النقدية المتداولة في السوق (بإيقاف القروض المصرفية)، إلا أن هذا الإجراء يعقد حالة (الكساد) ويزيد من الركود، والعكس بالعكس، حيث إن من أحد الإجراءات الفاعلة في معالجة (الكساد) رفع مستوى تشغيل الطاقات الإنتاجية، وتقليص نسبة البطالة بتشغيل المزيد من العمالة، فتزداد الأرباح الإنتاجية والتجارية والخدمية وتتسع الكتلة الموزعة من الأجور، فيزداد الطلب الفعال، لتشهد الأسواق مزيداً من الارتفاع بالأسعار، في الاتجاه الذي يُضر بآليات معالجة حالة (التضخم).

لذلك ليس مُجدياً أن تُركّز إجراءات المصرف المركزي على (العوامل النقدية والمالية) فقط، أي على قيمة الليرة كهدف، من خلال تدخله للتأثير في سوق عرض وطلب الدولار، من دون الأخذ بالحسبان جميع العوامل الأخرى، وخاصةً (الإنتاجية)، ولا يكفي أن تتخذ السلطات النقدية والمالية إجراءاتها وقراراتها وحدها ومن وجهة نظر مؤسساتها فقط، وتتخذ بالوقت ذاته السلطات والجهات الإنتاجية قراراتها وحدها من وجهة نظر مؤسساتها فقط، وبالتالي لا بد أن يكون عمل الجميع متجسداً في إطار رؤية إستراتيجية وسياسة كلية متكاملة شاملة، نقدية مالية إنتاجية متفاعلة ومتوازنة.

وبالمحصلة ليس من المفيد اتخاذ إجراء أو قرار ما يخدم في أحد وجوهه تحقيق هدف نقدي -كتقليص السيولة في السوق بإيقاف القروض المصرفية- على حين يُعيق هذا القرار في أوجهه الأخرى تحقيق عدة أهداف إنتاجية ومعيشية في سياق علاج التضخم، كما ليس من المفيد اتخاذ قرارات -متخذة من جهات حكومية تريد حفظ ماء وجهها- تهدف إلى تخفيض صوري للأسعار بدعوى حماية المستهلك على الورق، فتضع آلية تسعير غير واقعية وغير موضوعية، لا يقبلها تاجر السوق ولا يلتزم بها بائع، والنتيجة إرباك في السوق، مخالفات، اعتراضات، إخفاء سلع، إغلاق مستودعات، ولسان حال المستهلك يقول: ما أحلى ما كان عليه الحال قبل القرار.

ونتساءل مرةً أخرى، هل نحن بصدد الحديث عن عمل غير محوكم لبعض الجهات الحكومية، كما تحدثنا في مقالات سابقة.

المصدر: الوطن

عابد فضلية

أستاذ بكلية الاقتصاد/ جامعة دمشق

تعليقات الزوار
  1. تعليقك
  2. أخبرنا قليلاً عن نفسك