الاقتصاد اليوم ـ تغطية شاملة للأخبار الاقتصادية على مدار اليوم

 

الأجور وتكاليف المعيشة

الاقتصاد اليوم:

الدكتور سنان علي ديب/جمعية العلوم الاقتصادية/

تعد سياسة الأجور من أهم السياسات التي تنتهجا الدول لتحقيق جزء من العدالة الاجتماعية و لتأمين الحاجات الأساسية للمواطنين من تعليم وصحة وعمل و حريات وكلما كان الحد الأدنى للأجور يلامس متطلبات العيش الكريم المحترم كلما كانت هذه السياسة صحيحة و بناءة بينما كلما زادت الفجوة بين الأجور و المتطلبات كلما أدى ذلك لأمراض اجتماعية و اقتصادية وهكذا فالفجوة بين الأجر الممنوح وبين متطلبات العيش الكريم هي مؤشر مهم جدا و هدف الدول عبر سياساتها التنموية ردمها و زيادة الأجور بمعدلات  تحقق الرفاهية للمواطنين  وفي سورية قدر المكتب المركزي للإحصاء في عام 2009 متوسط إنفاق الأسرة السورية شهرياً المؤلفة من 5 أشخاص  يصل إلى 30 ألف ليرة سورية، بينما لم يتجاوز متوسط دخل الفرد في حينها حدود الـ 11400 ل.س شهرياً في القطاعين العام والخاص سوية، فالخلل بين الأجور ومتطلبات المعيشة سابق للأزمة فقد كان خلل بنيوي  ولكن الفجوة قد اتسعت بشكل كبير بفعل الأزمة و ما نجم عنها من تضخم أسعار لم يترافق مع زيادة مناسبة بحجم الأجور وهذا ما نستدل عنه من خلال مقارنة حجم الأرباح مقارنة بالأجور بين عامي 2010 و 2016 حيث كانت نسبة الأرباح عام 2010 تقدر بــ 75% بينما كانت الأجور 25% و لتصبح الأرباح 89% عام 2016 مقابل 11% للأجور وهذا دليل على ارتفاع الأسعار مقابل انخفاض الأجور على الرغم من التضخم الحاصل و المقدر بحوالي 1100 % وهذا لا يختلف مع دراسات المكتب المركزي للإحصاء  الذي قدر  تكاليف المعيشة للأسرة السورية، ـــــ203آلاف في شهر آب 2016مقارنةً بسنة الأساس 2010، وزادها أول العام الحالي بسبب ارتفاع نسبة الأسعار مع ثبات الأجور، ما يعني أنه يجب مضاعفة وسطي الأجور البالغ 26 ألفاً عام 2016حوالي 9 أضعاف لتستطيع الأسرة أن تغطي احتياجاتها ووفق الأرقام الحكومية،  وهو ما يعني أن المبلغ المطلوب لأسرة مؤلفة من 5 أشخاص يبلغ حوالي (300) ألف ليرة سورية وهذا المبلغ يختلف من أسرة لأخرى حسب مكان السكن وتكاليف الانتقال و حسب الحالة الصحية و غيرها و بذلك فإن حجم المداخيل التي تحتاجها الأسرة لتكون فوق خط الفقر يتراوح بين 250/300 ألف مع عدم نسيان ما تعنيه الطبقة الوسطى من متطلبات كونها موازنة للمجتمع وأس للانطلاقة الصحيحة و حسب إحصائيات الأمم المتحدة يكون الشخص بحاجة لدولاريين يومياً ليكون فوق خط الفقر ودولار ليكون بسوية الفقر المدقع الأسعار..

لا يمكن نكران دورالحرب المدمرةالسلبي  الكبير على مختلف نواحي الحياة بما فيها  الاقتصادية ولكنه لم يكن التأثير الوحيد لزيادة الفجوة بين الأجور و تكاليف المعيشة رغماً مما خسره الاقتصاد السوري بما يقدر بحوالي 300 مليار دولار من خلال تدمير آلاف المنشآت و ملايين المباني وآلاف المدارس و مئات المستشفيات و الجسور و خروج أغلب الأراضي من الخدمة او من السيطرة و سرقة ونهب المحاصيل و كذلك تهريب مليارات الدولارات وحسب الاحصاءات هرب للبنان فقط أكثر من 16 مليار دولار و ما استنزفت البلد من تكاليف للتسليح وغيرها و رغماً من ذلك فإن للعقلية التي أدير بها الاقتصاد أثر موازي وأكبر كما كان لتأثير قوى الضغط من قبل مراكز قوى اقتصادية تأثير واضح على القرارات و نتلمسه من خلال رفع أسعار الاسمنت و الأسمدة و الأدوية مصحوباً بعرقلة عمل معامل القطاع العام بنفس المواد .و بالتالي إن لاستمرار عقلية مراضاة ومحاباة بعض القوى الاقتصادية استمراراً للنهج الذي كان مدخل لما حصل بسورية يزيد من المعاناة و يزيد الفجوة بين الأجور و تكاليف المعيشة فمن خلال الأزمة قل عرض المواد و تقصلت الموارد ولكن الموضوع بدأ من أول الأزمة عندما كانت هناك مخازين تكفي لسنوات و كان هناك احتياطي نقدي يفوق الـ25 مليار دولار عدا الذهب هذا الاحتياطي الذي هدر جزء منه عبر قرارات غير مفهومة و استمر الهدر عبر سياسات نقدية تعاكس الواقع و تخالف الحاجة الأزموية للبلد وسط تغاضي واضح على هكذا سياسة دمرت مدخرات المواطنين وكانت دافع لرفع متوالي للأسعار ومحاباة لدواعش الداخل الذين لا يريدون للحرب أن تنتهي و يراهنوا على الاسقاط و الانهيار الاقتصادي للبلد  و استمرت هذه السياسات التي تحابي من أكتنز الدولار على حساب الليرة السورية و تحابي من جلس على التلة بالخارج ينظر على ما يحصل وتحابي من هرب أمواله ودولاراته و كذلك لم تكن السياسات الاقتصادية بأفضل و خاصة وزارة حماية المستهلك و التي أنشئت لهذا الدور فكانت استمرارية للترهل و الفساد الذي كان قبل الأزمة ولم تستطع التدخل بما يختلف عن أسعار السوق لمحتكري المواد و الذين كانت تعتمد عليهم الوزارة لتوريد موادها بدلاً من تفعيل دور مؤسسات التجارة الخارجية و بالتالي ما يسمى مؤسسات التدخل الايجابي لم تكن تتدخل و غالباً تتدخل بما يكرس أسعار محتكري المواد واغلب عقوباتها لم تكن وسيلة ردعية وإنما غاية بحد ذاتها تحابي بين صغار الكسبة و بين حيتان محتكري المواد وكذلك السياسة المالية التي ضاعفت الرسوم و الضرائب عشرات المرات و منها رسوم التعليم و الصحة و غيرها وكل هذا أدى لوصول التضخم لعشرة أضعاف وأكثر و الملاحظ أن سياسات الحكومات بدلاً من أحتواءالتضخم  و التخفيف منه كانت تكرسه من خلال قراراتها ومنها رفع اسعار سلع ومواد وأجور من دون أي تغيير في المؤشرات كما حصل بالاسمنت مرات كثيرة عندما أجر وكذلك الأدوية و الأسمدة في ظل الحاجة لعودة اقتصادية و ترافقت هذه الزيادة مع عرقلة معامل القطاع العام ومنع إنطلاقتها ومعمل أسمدة حمص و تاميكو خير دليل وتأجير , عقلية تخسير وقتل القطاع العام استمرارية لسلوكيات سبقت الأزمة بسنوات فكم من معمل أوقف وكان في كامل طاقاته الانتاجية وكم مرة وضع ملف اصلاح القطاع العام بالادراج رغما من تكاليفه المنخفضة و الغاية أسوء من الخصخصة وهي بيع الأراضي أو احتكار استيراد المواد التي ينتجها هذا القطاع و بأسعار مضاعفة لأسعاره , وهنا لم يفهم المتابع من خلال رفع الأسعار و الرسوم وكما حصل بالضروريات و بأسعار الطاقة هل الهدف الترشيد أم ترضية البعض على حساب المواطن أم عدم قدرة على فرض الرؤى أم جهل بالقراءة الحقيقية للواقع إن كان الموضوع ترشيد من خلال رفع الأسعار فهناك طرق أخرى ومنها تخصيص الحصص وإن كان جهل فإن الاصلاح الاداري كفيل بتعيينات وفق توصيف وظيفي يوصل كفاءات فاعلة وقادرة و مفرملة للفساد الذي زاد اضعاف مضاعفة و ليعلم المنظرون أن استهلاك الـــ10 % من ممتلكي الثروات من الأموال السوداء وتجار الأزمات يزداد كلما ارتفعت الأسعار و بالتالي لا يتأثروا بهكذا قرارات قد جعلت 90 % من الشعب السوري تحت خط الفقر و خاصة أن عدد المهجرين تجاوز ال7 مليون داخل البلد و مثلهم خارج البلد .

إن الوضع المزري لأغلب شعبنا نتيجة الظروف الصعبة وما نجم عنه من تفشي فوضى و زيادة فساد وتضخم البطالة و أعداد الفقراء يتطلب عمل وطني دؤوب ومستمر وفق مقتضيات الحاجة وانطلاقاً من واقع ليس بالسوء الذي يروج له ولكن هذا بحاجة لارادة ونوايا تغلب مصالح البلد و أغلب الشعب على شخصنة بعض القرارات و محاباتها للبعض و الضرب بيد من حديد لكل من يحاول اللعب بلقمة عيش الشعب و يحاول تكديس الأموال عبر فساد علني وتجارة علنية بدماء أبناء الوطن و إن هؤلاء موازين أو أشد إرهاباً من حملة السلاح ولكن وفق الظروف الحالية لا يمكن زياد الأجور في ظل عدم وجود إمكانية للتحكم بالأسعار وفق سلبية أداء وزارة حماية المستهلك ومؤسسات التدخل ووسط إضعاف دور القطاع العام كقوة إنتاجية رافدة للسوق وفق رؤية غريبة عجيبة ففي هكذا ظروف أدوات الحكومة هي التي تحقق سياساتها وهي المنقذ لقلة المعروض من الكثير من المنتجات و كذلك كون أغلب الشعب مهجرين و نصفهم عاطل عن العمل وكذلك وفق عدم إمكانية فرض هذه الزيادة على القطاع الخاص وإنما يجب أن تكون هناك منح متباعدة إضافة لزيادة المعونات و العمل على دعم وتشجيع المشاريع الصغيرة و المتوسطة لاستثمار أغلب الإمكانات  .

في ظل صعوبة تمويل المشاريع الصناعية الكبيرة و صعوبة جذب الاستثمارات في ظل عدم توفر الأمن بشكل عام وكذلك لابد من تغيير الخطط الزراعية بما يناسب الأزمة و الحاجات وفق أولويات الحاجات الماسة ودعم القطاع الزراعي بفرعية الحيواني و النباتي مهم جداً ويجب توفير المستلزمات عبر أقنية الحكومة و ليس عبر محتكري القطاع الخاص و كذلك تشجيع ثقافة استغلال المساحات الضيقة وإن العمل مستقبلاً يجب أن يكون وفق سياسات مالية ونقدية تقوض التضخم وتعيد سعر الصرف لما يراعي ظروف البلد و يعيد الثقة بالاقتصاد وبما يحقق عدالة لا يحابي بعض المكتنزين الذين هم كانوا أداة اللعب بسعر الصرف وكذلك لابد من فرض القوانيين بالقوة وإعطاء الصلاحيات للمؤسسات لضرب الفساد بيد من حديد تعيد القانون و تلغي الفوضى المفتعلة  ,إن الاستثمار الكامل لكل طاقات وإمكانات البلد كفيل بإعادة التوازن بين الوضع المعيشي و الأجور ولابد من تعاون وتشارك الجميع قطاع عام يجب العمل على عودته لتوفر كل الامكانات و قطاع خاص وطني وفق أجندات تفرضها حاجة البلد و ضرورات صموده و بقاءه وكل هذا لا يمكن أن يتم إلا عبر سياسة تعيينات تعتمد الكفاءة ووفق قوانيين تعيد الكثير من الكفاءات و العقول التي هاجرت أو الاستثمارات التي هربت أو نقلت إلى الخارج, دولة المؤسسات القوية بمواجه قوى التأزيم و الفوضى عنوان أساسي للعودة الصحيحة لتحقيق تحسين مستوى معيشة المواطنيين و تقويتهم لتحصين الوطن و دحض المخططات الخارجية .

تعليقات الزوار
  1. تعليقك
  2. أخبرنا قليلاً عن نفسك