الاقتصاد اليوم ـ تغطية شاملة للأخبار الاقتصادية على مدار اليوم

 

الاقتصاد السوري في عام.. من الانهيار إلى التعافي البطيء والبحث عن استقرار

الاقتصاد اليوم:

بعد مرور عام على التحول السياسي في سوريا، يقف الاقتصاد الوطني عند مفترق طرق بين فرص للتعافي وإعادة الإعمار، وتحديات مستمرة تفرضها عقود من الانكماش والفساد المؤسسي.

ورغم أن مؤشرات التعافي بدأت تظهر تدريجياً، لكنها تبقى محدودة ومتفاوتة بين القطاعات، ما يجعل قراءة الواقع الاقتصادي أمراً حيوياً لفهم مستقبل الاستثمار وتحسين مستوى المعيشة.

وتتفق المؤسسات الدولية على أن سوريا تسير على طريق التعافي، إذ توقع البنك الدولي نمو الاقتصاد السوري بنسبة 1بالمئة في عام 2025 بعد انكماش قدره 1.5بالمئة في عام 2024، وهو أول تحسن منذ عام 2022.

كما أشار صندوق النقد الدولي إلى مؤشرات تعافٍ مبكرة، مؤكداً أن الحكومة تمكنت من اتخاذ موقف متشدد على الصعيدين المالي والنقدي رغم القيود الكثيرة التي تواجهها.

الوضع الحالي
يرى الباحث الاقتصادي عبد العظيم المغربل، أن الوضع الاقتصادي إيجابي نسبياً، إذ أسهم انحسار القتال واسع النطاق في أجزاء كبيرة من البلاد بتحسن انسياب بعض السلع عبر الحدود وتدفق الحوالات من المغتربين، وبدء دخول المستثمرين الكبار، سواء من الأجانب أو السوريين، مع تحسن واستقرار محدود في الخدمات الأساسية وتوقف انهيار الليرة عند نحو 11–12 ألف ليرة.

وأوضح المغربل أن هذا التطور أوقف الانهيار الكامل للمنظومة الاقتصادية، وبنى قدراً من الاستقرار النسبي مقارنة بذروة الانهيار نهاية 2024.

مع ذلك، لا تزال رقعة الفقر تطال نحو 90بالمئة من السكان، إضافة إلى تآكل حاد في القدرة الشرائية بسبب التضخم وارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية، فيما تبقى “الزيادات الاسمية” في الرواتب عاجزة عن تعويض أثر الغلاء، ويترافق ذلك مع ضعف ملحوظ في الإنتاج الصناعي والزراعي، ما يوسع الفجوة بين العرض والطلب ويزيد الضغوط التضخمية، خصوصاً مع رفع تدريجي لدعم الطاقة والخبز دون أدوات حماية اجتماعية كافية، ما يفاقم الضغط على سلة المواطن ويعمق هشاشة الأوضاع المعيشية، وفق المغربل.

الفرص المتاحة
يرى الخبير الاقتصادي خالد التركاوي، أن الفرص الاقتصادية في سوريا عالية جداً لأسباب عدة، أبرزها انخفاض قاعدة الناتج المحلي الإجمالي بشكل كبير، إذ بلغ في 2024 نحو ستة مليارات دولار مقارنة بأكثر من 60 مليار دولار قبل 2011، ما يوضح حجم الفرص الإنتاجية الممكنة لإعادة بناء الاقتصاد، والتي قد تصل على الأقل إلى الفرق بين الرقمين، أي أكثر من 50 مليار دولار.

ويضيف التركاوي، إن واقع سوريا المدمر يشكل فرصة لعشرات آلاف العاملين في قطاع البناء والعقارات، الذي ينعكس إيجابياً على الصناعات الأخرى والنقل.

ويشير إلى أن حجم السوريين خارج البلاد يقارب من هم في الداخل، ما يوفر إمكانيات مالية وعلاقات عامة قوية وتحويلات بالقطع الأجنبي، إلى جانب رغبتهم في المشاركة بإعادة إعمار بلدهم.

كما يؤكد التركاوي أن رفع العقوبات والانفتاح الاقتصادي الواضح خلال الأشهر الماضية يشكل فرصة كبيرة للنمو، وأن الموقع الاقتصادي لسوريا وعلاقاتها مع دول الجوار يعزز فرص التعاون الاقتصادي، في حين أن الحرية الموجودة اليوم تشكل أساساً اقتصادياً لإعادة الإعمار والتنمية من خلال المشاركة المجتمعية وحملات التبرع والعمل التطوعي.

أثر القاعدة المنخفضة
يقول المغربل، إن فرص النمو في الأجل القريب تعتمد على ما يعرف بـ “أثر القاعدة المنخفضة”، أي إمكانية تحقيق تعافٍ نسبي إذا استقرت الأوضاع الأمنية والمؤسسية، واعتمدت الحكومة مساراً واضحاً للسيطرة على التضخم وسعر الصرف وتحسين القوانين.

ويشكل ملف إعادة الإعمار في البنية التحتية، الإسكان، الطاقة، والتكنولوجيا مصدر الطلب الأكبر، خصوصاً من الاستثمارات العربية.

ويلفت إلى إمكانية البناء داخلياً على مزايا سوريا الزراعية، وموقعها كبوابة إقليمية لتطوير سلاسل قيمة في الغذاء والصناعات الخفيفة والطاقة المتجددة، عبر سياسات ائتمان ميسرة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتبسيط الإجراءات، وتطوير البنية اللوجستية وأسواق الجملة.

أما خارجياً، فيظل تعميق الانفتاح على المحيط العربي وإعادة دمج سوريا في شبكات التجارة والعبور الإقليمية والدولية، واستقطاب تحويلات واستثمارات المغتربين من أهم محركات التعافي الممكنة، وفق المغربل.

المخاطر والتحديات المستقبلية
يوضح المغربل أن على المستوى الكلي يبرز خطر استمرار تآكل قيمة الليرة، وارتفاع التضخم، وعجز الموازنة، خاصة مع تقليص الدعم السلعي دون شبكات حماية اجتماعية فعالة، ما يزيد من خطر الفقر الشامل والبطالة والهجرة الواسعة، إضافة إلى تهديدات التغير المناخي والأمن الغذائي، الذي يشكل تهديداً لرأس المال البشري وقدرة الاقتصاد على التعافي على المديين المتوسط والطويل.

كما تظل المخاطر العسكرية والأمنية التي تشنها إسرائيل جنوب البلاد، واستمرار وجود فلول النظام، وتعثر اندماج “قسد” ضمن الدولة السورية عوامل إضافية تحد من الاستقرار الاقتصادي.

كما يشير التركاوي إلى مجموعة تحديات أمام التنمية الشاملة والتطور السريع، أبرزها “موارد النفط والغاز التي خرجت معظمها من يد الحكومة السورية، والتي تسيطر عليها قوات تريد أن تستأثر بموارد سورية، وهو ما يضعف الموارد”.

ويضيف: إن التحديات تشمل أيضاً الانقسام الاجتماعي السوري، إذ ترى فئة كبيرة من السوريين أنها ظلمت ولم يتخذ حقها حتى هذه اللحظة، فيما ترى فئة أخرى أنه عليها أن تفتح صفحة جديدة بدون أي حساب لمن تورط بدماء السوريين، وهذا يضعف التعاون الاقتصادي بين المناطق السورية.

مقترحات
يرى المغربل أن التدابير المقترحة لزيادة النمو تشمل تبني برنامج استقرار كلي تدريجي وخطط اقتصادية على المدى المتوسط والبعيد، تتضمن تحسناً تدريجياً لسعر الصرف، وضبطاً مالياً رشيداً، وكبح جماح التضخم، بالتوازي مع إصلاحات حوكمة ومكافحة فساد، وتحسين بيئة الأعمال، إضافة إلى وضع خطط استثمارية واضحة في البنية التحتية والخدمات ورأس المال البشري، واستمرار جذب الأموال الساخنة من الخارج، مع التركيز على تطوير قطاع الطاقة والتكنولوجيا.

توقعات 2025
تشير تقديرات البنك الدولي إلى أن الاقتصاد السوري يقف على أعتاب مرحلة تعافٍ محتمل، لكن استدامته تعتمد على عوامل سياسية وأمنية واقتصادية متشابكة، أبرزها استمرار الدعم الدولي، وتخفيف القيود والعقوبات، وتأمين مصادر الطاقة والتجارة، وإلا سيبقى دخل الفرد والفقر عند مستويات مقلقة رغم مؤشرات التحسن الأولية.

ويلفت التقرير إلى أن الليرة السورية تحسنت بنسبة 29 بالمئة بين نهاية تشرين الثاني 2024 وآب 2025 بفضل عودة المغتربين وتخفيف العقوبات جزئياً، فيما استقرت أسعار الغذاء، ثم بدأت بالانخفاض مع تدفق واردات أرخص، خاصة من تركيا، ورغم ذلك، بقيت أزمة السيولة قائمة.

ويضيف: إن المالية العامة لا تزال تحت ضغط مع عجز يقارب 6 بالمئة من الناتج المحلي، بينما بلغت تقديرات الدين الخارجي 104 بالمئة من الناتج عام 2024 بحسب بيانات البنك المركزي، مع توقع انخفاضها إلى 14.9 بالمئة في 2025.

وتحسن الحساب الجاري من عجز بنسبة 14 بالمئة في 2023 إلى فائض طفيف عند 0.4 بالمئة في 2024، مع توقع 0.1 بالمئة في 2025.

وارتفع التمويل الدولي بنسبة 70 بالمئة في النصف الأول من 2025 مقارنة بالعام السابق، لكنه بقي أقل بثلث مستويات 2023.

وأسهمت عودة أكثر من مليون لاجئ في زيادة الطلب المحلي والمعروض في سوق العمل.

وتوقع البنك الدولي نمو الاستهلاك الخاص بنسبة 20.7 بالمئة في 2025، والاستهلاك الحكومي 13.7 بالمئة، وزيادة الصادرات 30.6 بالمئة مقابل تراجع الواردات -38 بالمئة.

قطاعياً، توقع التقرير نمو الصناعة 1 بالمئة والخدمات 1.2 بالمئة، مع استقرار قطاع الزراعة.

وتباطأ التضخم من 127.8 بالمئة في 2023 إلى 58.1 بالمئة في 2024، مع توقع تسجيل انكماش سعري -12.7 بالمئة في 2025، فيما ظل معدل التوظيف ثابتاً عند 33 بالمئة.

الثورة

 

تعليقات الزوار
  1. تعليقك
  2. أخبرنا قليلاً عن نفسك