الاقتصاد اليوم ـ تغطية شاملة للأخبار الاقتصادية على مدار اليوم

 

الاقتصاد المنهار ومسؤولونا المتراخون

الاقتصاد اليوم:

أثقلت الحرب كاهل اقتصادنا، ومواطننا، دفعت بهما إلى المطارح غير المرغوبة، والمناطق المتعبة، التي عنوانها التشرد، والهجرة الداخلية المريرة، والخارجية القاسية. تركت هذه الحرب ندوبها على جبين كل سوري، واحد أثرى بشكل غير مشروع، وآخر دفع الثمن، دمرت الاقتصاد، والدمار ليس كلمة تقال، إنها كارثة حقيقية، مؤسسات سوّيت بالأرض، مزروعات حُرقت، منشآت صارت أثراً بعد عين، آلات سًرقت أو أكلها الصدأ، وكوادر يممّت وجهها للخارج.

 أكثر ما يثير الحنق، وربما الشفقة والألم، ما تذكره المؤسسات العامة عن خسائرها، لما لحق بمقراتها وتجهيزاتها من دمار، إذ إنها تتجاهل قضية ثانية بالغة الأهمية. لم تتجرأ مؤسسة واحدة على البوح فعلاً بفشلها الذريع سابقاً في إنتاج سلعة تلبي ذوق الناس واحتياجاتهم، ولم تقدم مؤسسة خدمية اعتذاراً عن سوء الخدمات المنوطة بها، وابتعاد موظفيها عن المواطن. ولم يخرج مسؤول ويضع الملح على الجرح، ويؤكد أن حالة الاختناق التي وصلت إليها المؤسسات العامة بحاجة إلى حل سريع. لم ير وزير أن بعض مديري المؤسسات التابعة له ليسوا على القدر الكافي من الكفاءة والمهنية، وأن ما يشفع لهم هو القدر الكبير من الولاء للمسؤول.

 الوطن الذي ذُبح اقتصاده بالسكين، ودُمّر بحرب ظالمة، لايمكن أن يكون قادراً على النهوض لمجرد العبارات الرنانة، والخطب الجوفاء. لا تناقش الحكومة مجتمعة قضايا تتعلق بموقف المؤسسات الحكومية المتراخية من الخدمات السيئة التي تقدم للمواطن، لا ترى في حالات الترهل والفساد وسرقة المال العام قضية ثمينة تحتاج إلى معالجة.

"وزير التربية" على سبيل المثال، الذي لا دور حقيقياً له في ذهاب التلاميذ إلى المدارس، يتعالى عن معالجة حالة الازدحام الهائلة في الصفوف، يتركها ناراً تحت الرماد، شعباً صفية جمعت عشرات الطلبة، يكاد أوكسجينها لا يكفي الأطفال، ومع هذا يذهب التلامذة بإصرارهم وإصرار أهاليهم المعهود إلى مناهل العلم، وليس إلى كتاتيب الجهل، فالخطر أن تتحول المدارس إلى كتاتيب، وإلى خزانات جهل.

 بالمسطرة ذاتها، لا ينظر وزير التجارة الداخلية إلى تحديده السلع الـ 18 الأساسية التي تدخل في سلة غذاء المواطن، سوى من باب قانون حماية المستهلك، لا يدرك كما يبدو مدى فقدان هذه السلة بالنسبة للناس الفقراء والمعوزين، والأغنياء على حد سواء. فالفقير لا يملك مالاً يشتري فيه ما يسد الرمق، والغني يتأفف من تحديد سلة غذاء له، يريد أفقاً مفتوحاً لنفسه كما لماله وثرواته

. لم يعد المواطن مهتماً بضبط مخالف، أو محاسبة تاجر صغير على سعر مرتفع ابتز به مواطن، بينما يترك الحيتان الكبار ينهشون لحم السوريين الفقراء والضعفاء اقتصادياً. من يصدق حاكم مصرف سورية المركزي وأعضاء مجلس النقد والتسليف، وغيرهم من مسؤولين نقديين، في كل تصريحاتهم المتعلقة بالليرة وسعر صرفها وصمودها؟ ألا يحق للمواطن أن يعرف ما يجري بهذا السوق، وأن يكاشفه مسؤولوه بخطورة التحديات التي تواجه سعر الصرف؟ إن إلقاء التهم جزافاً في هذا الموضوع لا يمكن أن يبني تحصينات لحماية الليرة، ولا يسهم في معالجة المشكلة النقدية المعقدة، ما يتطلب إجراءات قد تكون مغايرة لما يُتخذ الآن، وثبت عدم نجاعتها.

هل تذكرون "وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية؟" إن ملفاتها التي يمكن أن تشكل عاملاً مساهماً في الحراك الاقتصادي مُجّمدة، الوزارة التي سحبت صلاحية المشاريع الصغيرة والمتوسطة وقوننتها ورعايتها، تكاد تغيّب هذه المشاريع، والجهة المسؤولة عن الاستيراد والتصدير يكتفي وزيرها باللقاءات الثنائية مع السفراء، بينما الحمضيات بحاجة إلى تسويق خارجي، وكذا الزيتون والبطاطا وغيرها من المحاصيل، التي تُركت في الحقول، ولم يشفع لها فقر الفلاح.

الحرب هي الحرب، لكن ثمة من يواجه قساوتها، وآلامها، وتداعياتها بجرأة كبيرة (المواطن السوري أنموذجاً)، لا من يتغاضى عن النهب والسلب والسرقة والفساد (الحكومة أنموذجاً). هناك من يحاول أن يصنع فرقاً، ويحدث نقاط تحول إيجابية، كما فعلت العديد من منظمات المجتمع المدني، مقابل منظمات وهيئات وجمعيات أخرى وجدت فيما يجري فرصة للنهب والابتزاز والسرقة.

يوجد أناس كثر فتحوا بيوتهم لبني جلدتهم من الفارين من جحيم الحرب وخطر الموت، مقابل كثر تفتقت لديهم مشاعر الكراهية والابتزاز. والسؤال: ماذا فعلت الحكومة لرأب هذا الصدع؟ قطعاً، لم تفعل شيئاً، وربما لم تفكر بهذه القضايا، ولم تخرج بقرارات تساعد هذه الشرائح التي وجدت نفسها، بعد عناء العمر، بلا شيء، عارية تماماً، لكن العري الأخطر والمؤلم، ذاك الذي اتبعته الحكومة باتباعها أسلوب الفرجة المسرحي، وفعل التصفيق كنوع من التعاطف. الآن، لا يهم المواطن الفقير إلا من كرامته، أن يرى المسؤولين بكروشهم المتدلية، وأوداجهم المنتفخة، وسياراتهم الفارهة، في زمن الحرب والمرارة والشقاء، وهم يجولون في الشوارع بلا غاية، وأولادهم يعربدون في الطرقات، للتأكيد على الاستحواذ والتنمّر. ثمة شيء آخر مختلف يجب فعله، أيها المسؤولون!

المصدر: صحيفة "النور" المحلية

تعليقات الزوار
  1. تعليقك
  2. أخبرنا قليلاً عن نفسك