الاقتصاد اليوم ـ تغطية شاملة للأخبار الاقتصادية على مدار اليوم

 

الانتخابات الرئاسية السورية... سورية تُنتَخب

الاقتصاد اليوم ـ خاص:

مركز دمشق للأبحاث والدراسات مداد

  د. محمد طاغوس

تأتي الانتخابات الرئاسية في سورية في مرحلة تفيض بالدلالات على مستوى القراءات والتقديرات والتوقعات والخطط من كل الجهات وفي كل الجبهات، الأمر الذي ينقله من كونه استحقاقاً اعتيادياً سيجري في موعده المحدد له في نص الدستور، إلى حدثٍ فاصلٍ في عيون السوريين كما في عيون أعدائهم.

ينظر أعداء سورية وخصومها إلى هذا الحدث من منظور إكراهات الواقع الاجتماعية والاقتصادية وحسابات الفرص والرهانات، ويراه السوريون من منظور المنعطف الوجودي وسؤاله المركزي الذي فرضته حالة ما بعد الحرب وإكراهاتها وتحدياتها والمراهنين عليها والذي يدور حول معنى سورية ككينونة للسوريين.

ترقب تقديرات السياسة وتوقعات المواقف ضد سورية أن الحدث سيمثل ضربة قاضية لأهم لاعب إقليمي في المنطقة على امتداد نصف قرن (ابتداءً من سبعينيات القرن الماضي) وستنهي آخر العقبات الممانِعة لمؤامراتهم وخططهم وعملياتهم التي بدأت قبل عقد من الزمن. ففي هذه التقديرات والتوقعات، وربما الأماني، يقوم الرهان على أن الحصار الدولي الذي طال لقمة عيش السوريين في بلدهم سيحول دون إمكانية اهتمامهم بالانتخابات فضلاً عن المشاركة فيها، أما من هجرها قبل الحصار الشرس على سورية، فقد فعلت آليات الترغيب والترهيب فعلتها فيهم. والمواقف المعلنة التي سبقت الانتخابات برفضها والتشكيك بشرعيتها، وصولاً إلى منع العملية الانتخابية على أراضي بعض تلك البلدان (ألمانيا – تركيا – وما حدث في لبنان) مثال لا تخطئها عين من يريد أن يرى.

نسي هؤلاء أو تناسوا أن أهم الأسئلة التي تطرحها الحرب عادةً والتي تبرز إلى السطح بعفوية الحدث وبحياد المواقف لمن عانى ويلات الحروب، هي أسئلة الهوية والمواطنة والمصير والانتماء والذات والآخر، وارتباطاتها المعنوية المباشرة (والما قبل تنظيرية) بما حملت الحرب من قتل وتهجير وتدمير المنازل وأزمات المعيشة التي وصلت إلى ما تحت خط الصفر الحياتي.  ولم يضعوا في حساباتهم أن ما يحرك الشعوب الخارجة من حالة الحرب ويرسم ديناميكيتها في فضاء تلك الأسئلة هو كل ما يعيد إحياء سيادتها النفسية وميلها للاستقلال والاستقرار وإعادة إنتاجها الذاتي.

وبهذا المعنى، يعكس الاستحقاق الرئاسي من منظور السوريين كحدث ذلك المنعطف الوجودي، ويمثل نداءً للإجابة عن سؤاله المركزي في رسم هوية شعب وعيش شعور المواطنة عبر تجديد انتمائه للوطن سورية. وفي السياق ذاته، تصبح الانتخابات الرئاسية عنواناً لإعادة خلق معنى سورية في نفوس شعبها ورسالة موجهة للمجتمع الدولي بأننا أصحاب هوية لا تفيد معها محاولات اقتلاع الجذور، وأننا أصحاب قرار في الصمود وفي النهوض.  

على الأقل، هذا هو معنى سورية الكينونة والانتماء في ما أراد الناخبون السوريون أن يقولوه خارج سورية صبيحة العشرين من نيسان الحالي داخل السفارات السورية وأمامها، وهو المعنى الذي سيقوله السوريون داخل سورية يوم الاستحقاق، وكذلك هو المعنى الذي لا تخفيه شوارع سورية وأزقّتها وتختزله لوحات الحملات الانتخابية في نداءات وعي الكينونة والهوية والانتماء.

فإذا أمكن قراءة بعضاً من ملامح سورية الكينونة والمستقبل وضروراتهما في الوحدة الوطنية والعيش المشترك في بعض الشعارات، فقد تركزت تلك الملامح كلها في شعار واحد يتعدى نطاق الوعود الانتخابية في نداء لوعي الجهد الصعب، المؤسس والمولد لقيمة الكينونة والهوية والانتماء، الممتلئ بإرادة الوضوح والشفافية المتولدة من التمرس بأوضاع غير مواتية والقادرة لذلك على الصمود وإرادة وإدارة الأمل الذي يصنعه العمل ويتيح تعيينه وجوداً وفعلاً كانتماء وإدراك للأدوار وللمسؤوليات (حقوقاً وواجبات) ووعيهما كمصلحة فردية ومجتمعية.

تعليقات الزوار
  1. تعليقك
  2. أخبرنا قليلاً عن نفسك