الاقتصاد اليوم ـ تغطية شاملة للأخبار الاقتصادية على مدار اليوم

 

التأمين الزراعي في سورية... صعوبات ومقترحات

الاقتصاد اليوم ـ خاص:

مركز دمشق للأبحاث والدراسات مِداد

د. رافد محمد

يعود الحديث عن التأمين الزراعيّ في سورية ويتجدّد كلما حلّت كارثة طبيعية مسببةً أضراراً بالغة في أحد المحاصيل الزراعية، حينها نعتقد أن التأمين الزراعيّ بات قاب قوسين أو أدنى من التطبيق، حيث يلقى اهتماماً واسعاً من أعلى الجهات الحكومية، وفي ما عدا الأيام التالية للكارثة، فلا حديث يُذكر عن هذا الموضوع، والنتيجة دائماً واحدة: لا تأمينَ زراعيّاً في سورية حتى تاريخه، ولا خطوات جدية في هذا الإطار.

 أبرز المعوقات التي تواجه تطبيق التأمين الزراعي في سورية

1.    إمكانية التعرّض للتأمين الانتقائيّ من قبل المزارع في حال كان التأمين الزراعي اختيارياً وليس إلزامياً، إذ يعمد المزارع إلى تأمين الأخطار السيئة والابتعاد عن تأمين الأخطار الجيدة.

2.    ضعف الإمكانيات والخبرات وبخاصّة في ما يتعلّق بتقدير الأضرار الحاصلة، وضعف انتشار فروع شركات التأمين في المناطق الزراعية.

3.    الأخطار المعنوية: وتتمثل في سوء استخدام التأمين الزراعيّ، من مختلف أطراف العملية التأمينية، وكمثال على ذلك المبالغة في ادعاء الأضرار، عدم بذل العناية الكافية لحماية المحصول (أو الثروة الحيوانية) من الخطر، إهمال سداد القروض في حال ربط التمويل بالتأمين، وكذلك الحالات المتعلقة بالنزاهة والعدالة من قبل مقدري الأضرار وشركات التأمين.

4.    الصعوبات المتعلقة بتحصيل الأقساط في مواعيدها المحددة من قبل شركات التأمين.

5.    ضعف البيانات التاريخية للكوارث الطبيعية وباقي الأخطار المزمع تأمينها والأضرار التي تسببت بها، من حيث الحجم والقيمة، ما قد يسبب أخطاء في تقدير أسعار التأمين وبالتالي الأقساط، إلا أن الاحتجاج بعدم توافر البيانات الكافية لبدء التأمين الزراعي، أصبح أمراً غير مبررٍ وغير مقبولٍ، لأسباب عدة:

‌أ.    لو بدأنا بجمع البيانات اللازمة للتأمين منذ اللحظة الأولى لإطلاق هذا المبرر منذ عشرات السنين، لتوفرت لدينا قاعدة بيانات كافية لإطلاق أفضل منتج تأمين زراعي في العالم.

‌ب.    هل قامت شركات التأمين السورية التي تحتج بعدم توافر البيانات، بجمع البيانات الإحصائية التاريخية عن حوادث السيارات وأضرارها قبل البدء بتأمين السيارات مثلاً، أم أنها بدأت باعتماد أسعار التأمين المقاربة للأسعار العالمية والإقليمية في ذلك، وهو ما ينطبق على أنواع التأمين كافةً التي لم تجرِ دراسات إكتوارية قبل إطلاقها.

‌ج.    إن أغلب بلدان العالم النامية، ومنها البلدان العربية التي بدأت بالتأمين الزراعي، انطلقت من تقدير الأسعار وفق الأسعار العالمية في ذلك، مع دراسات محليّة ضمن القدْر الممكن توفيره، بهدف وضع الأسعار المتناسبة مع ظروف كلّ بلد من هذه البلدان، بحيث يمكن تعديل الأسعار والشروط وفق التجربة ونتائج العمل عبر السنوات.

‌د.    إمكانية الانطلاق ضمن البيانات المتاحة في وزارة الزراعة، وكذلك الأرصاد الجوية، إضافة إلى الاستفادة من قاعدة البيانات التي امتلكتها الدول الإقليمية بعد تطبيقها التأمين الزراعي، والاستئناس بأسعار التأمين الزراعي المعتمدة لديها.

وفي الحالات النادرة التي تم فيها الحديث عن التأمين الزراعي، فقد تم التوجه إلى دراسة توزيع المسؤولية بين جهات عدة للمضي بهذا الأمر، ولم يكن ذلك إلا من قبيل تشتيت المسؤولية، وإبعاد الموضوع عن طابعه التأميني، وهو ما نعتقد أنه سيؤدي إلى مشكلات عدة شبيهة بما يحصل في التأمين الصحي للعاملين في الدولة الذي لن يستقيم أيضاً إلا بتطبيق قواعد وأسس الممارسة التأمينية، وأهمها تحديد قسط التأمين (التسعير) وفقاً لتقييم الخطر (شدته وتكراره) وكذلك إدارة المطالبات.

مهما بلغت صعوبات البدء بالتأمين الزراعي، وكلفته على الدولة، في حال قررت دعمه بإسهامها في الأقساط، فإنه لا يوجد مجال لمقارنته مع الكلفة السنوية والمتكررة للأضرار التي تسببها أية كارثة طبيعية أو مناخية على المحاصيل الزراعية، كما أن الفوائد الجمة التي سيجنيها الاقتصاد والمجتمع والبلد ككل، ستجعل من تكاليف التأمين الزراعي استثماراً ناجحاً وإنفاقاً موفقاً من قبل الحكومة.

بناءً عليه، نرى ضرورة الانطلاق بالتأمين الزراعي دون مزيد من التأخير الذي يسبب مزيداً من الخسائر، وذلك وفق ما يأتي:

1.    تبدأ المؤسسة العامة السورية للتأمين بتسويق وثيقة التأمين الزراعي، بصفتها ذراع الحكومة في قطاع التأمين، دون احتكارها لذلك.

2.    البدء بتأمين محاصيل استراتيجية كبيرة (القمح، القطن، التبغ...)، نظراً لأهميتها، ولامتلاك الحكومة سيطرة جيدة على تسعيرها وتسويقها، وهو ما يجعل من تطبيق التأمين الزراعي أمراً أكثر سهولة وفعالية من النواحي كافة.

3.    إمكانية البدء في الوقت ذاته بتأمين البندورة في الصالات البلاستيكية نظراً لسهولة حصرها وتموضعها المكثف في منطقة جغرافية واحدة، ويطبق الأمر نفسه بالنسبة لمحصول البطاطا الربيعية والخريفية.

4.    البدء بتأمين الثروة الحيوانية بتأمين الأبقار بسبب توافر إحصائيات جيدة عنها في وزارة الزراعة، والبدء فوراً بحصر أعداد بقية الثروة الحيوانية، تمهيداً لتأمينها بأسرع وقت، وكذلك تأمين الدواجن التي من السهل حصر أعدادها ومراقبتها، وتأمين تربية النحل.

5.    التدرج في شمول التأمين للمخاطر (كما في حال المحاصيل) لحين توافر الخبرة الإدارية الكافية لشمول الأخطار والمحاصيل كافة (المفترض في عدة سنوات فقط)، بحيث نبدأ بتغطية مخاطر الجفاف، البَرَد، الصقيع، الرياح القوية والعواصف، الحريق، التلف نتيجة آفات زراعية.

6.    الاعتماد على طريقة مؤشرات الطقس، في حال تأمين الجفاف والصقيع والرياح، بعد التأكد من إمكانية محطات الرصد الجوي، في مراقبة وقياس شدة الظواهر الجوية، وكذلك الانتشار المناسب لهذه المحطات، بحيث تقوم الحكومة بضمان وتمويل هذا الانتشار والتقنيات اللازمة لذلك، لأن هذه الطريقة سوف تلغي أو تخفف إلى حد كبير سوء الاستخدام والهدر في التأمين الزراعي، كيلا نقع في ما وقع به التأمين الصحي من هدر وسواه. ومهما بلغت كلفة تجهيز هذه المحطات فهي أقل بكثير من ذلك الهدر، ومن الخسائر التي تسببها الكوارث الطبيعية والجوية.

7.    الاستفادة من انتشار فروع المصرف الزراعي التعاوني على المناطق السورية كافة وبشكل قريب من المزارع، في تحصيل الأقساط وسداد التعويضات، على أن تقتصر مهمته في الإدارة المالية فقط (تحصيل وسداد) مقابل عمولة متفق عليها مع جهة التأمين.

8.    الاستفادة من انتشار الوحدات الإرشادية الزراعية في مختلف مناطق الريف السوري، وذلك في توعية المزارع بأهمية التأمين، وتخفيف سوء الاستخدام له، وكذلك في معاينة الأضرار إن لزم الأمر.

9.    إلزامية التأمين الزراعي، وفق آليات ضبط لذلك، ومن تلك الآليات ربط التمويل المصرفي بالتأمين (مع الضبط الشديد لذلك، وتوخي الحذر الكافي في هذه الحالة)، ربط تسليم الأسمدة والبذار بالتأمين، اقتطاع أقساط التأمين من ثمن المحصول الذي تستلمه الحكومة (ولا نحبذ الخيار الأخير لتناقضه مع أبسط قواعد الممارسة التأمينية وهي سداد القسط أو جزء منه قبل بدء التأمين...

10.    الاستئناس بأسعار التأمين الزراعي المعتمدة في دول الجوار والدول ذات المحاصيل والمناخ الأقرب إلى سورية، ومراجعة هذه الأسعار بالاعتماد على المعطيات (البيانات) التاريخية والواقعية لتعديل هذه الأسعار، والاعتماد على البيانات المتوافرة لدى وزارة الزراعة وصندوقي الدعم الزراعي وتخفيف الكوارث، وكذلك الأرصاد الجوية.

11.    الاستفادة من وجود شركة الاتحاد العربي لإعادة التأمين (شركة الإعادة الوحيدة في سورية) في عقد اتفاقيات إعادة التأمين الزراعي، إضافة إلى محاولة إجراء إعادة تأمين خارجية تتضمن احتمال تجاوز الخسائر لحد كبير جداً، بهدف تخفيف العبء في هذه الحالة عن الاقتصاد السوري، كما أن وجود إعادة التأمين يمثل رقابة إضافية على عمل جهة التأمين وإدارتها لمحفظة التأمين الزراعي.

12.     تولي التأمين الزراعي من قبل مؤسسة وشركات التأمين فقط، كمنتج تأميني بحت، وعدم الاعتماد على جهات وسيطة أخرى في إدارة التأمين الزراعي (عدا الدور المقترح للمصرف الزراعي)، بهدف تركز المسؤولية وحصرها، وسهولة ضبط المحفظة التأمينية وإدارتها، وعدم فتح باب جديد للفساد.

13.    إسهام الحكومة بنسبة من أقساط التأمين، يتم احتسابها بما يتناسب مع موارد الخزينة، ومع الإنفاق السنوي على صندوقي دعم الإنتاج الزراعي وتخفيف الكوارث الطبيعية اللذين يمكن إعادة النظر في مهامهما بعد انطلاق التأمين الزراعي، وتحويل نفقاتهما إلى إسهام للحكومة في التأمين الزراعي.

14.    ضرورة إجراء حوار مكثف وواسع مع المزارعين ومربي الحيوانات في مختلف المناطق الريفية، بهدف التعرف عن قرب على المخاطر التي تواجههم، ومدى استعدادهم المادي والنفسي لقبول التأمين الزراعي، وكذلك ضرورة العمل على بناء الثقة لديهم بالتأمين وإدارته.

15.    اتخاذ الإجراءات اللازمة كافة لضبط الأخطار المعنوية المرافقة للتأمين الزراعي (كما سواه من أنواع التأمين).

16.    اعتماد فرق عمل منتشرة في المناطق كافة تؤمن تدفقاً عكسيّاً للبيانات والمعلومات اللازمة عن تطبيق التأمين والمؤشرات المرافقة له من تعويضات مسددة، كوارث غير مغطاة، مدى الإقبال على التأمين أو الالتزام به، معرفة الحاجات الإضافية والطارئة للمزارعين من منتجات التأمين. ويمكن أن تكون فرق العمل بشكل من الأشكال مؤلفة من العاملين في الوحدات الإرشادية الزراعية.

17.    العمل في مرحلة لاحقة على إلزامية التأمين على حياة المزارع وصحته والحوادث الشخصية له، لأنه أساس العمل الزراعي.

الاقتصاد اليوم

تعليقات الزوار
  1. تعليقك
  2. أخبرنا قليلاً عن نفسك