الجفاف ينهش الأرض السورية: الأمن الغذائي في مهبّ التغير المناخي
الاقتصاد اليوم:
تشهد سوريا أسوأ موجة جفاف منذ عقود، ما يضاعف معاناة البلاد التي تحاول النهوض بعد حرب استمرت 14 عاماً، وأدى تراجع الأمطار وجفاف الأنهار والبحيرات إلى ذبول المحاصيل وانقطاع مياه الشرب لأيام متواصلة في المدن الكبرى، وفق تقرير لوكالة "أسوشيتد برس" في الرابع من أيلول الجاري.
يقول المزارع منصور محمود الخطيب من ضاحية السيدة زينب بدمشق إن الحرب حرمتهم سابقاً من الوصول إلى حقولهم بسبب الحواجز والاشتباكات، لكن انسحاب ميليشيا "حزب الله" بعد سقوط نظام الأسد في كانون الأول/ديسمبر 2024 أزال تلك العقبات.
ومع ذلك، يضيف الخطيب أن الجفاف دمّر محاصيله وجفف الآبار التي كان يعتمد عليها، وأوضح: "الأرض تفتقد للمياه، هذا الموسم ضعيف جداً. ما أنتجناه لا يتجاوز ربع ما كنا نحصل عليه في السنوات الجيدة". وأشار إلى أنه اضطر إلى الاستغناء عن نصف العمال في موسم الحصاد مقارنة بالعام الماضي بسبب تدني الإنتاج.
تراجع خطير في إنتاج القمح
بحسب سعيد إبراهيم، مدير التخطيط والاقتصاد الزراعي في وزارة الزراعة السورية، كانت سوريا قبل عام 2011 تنتج ما بين 3.5 و4.5 ملايين طن من القمح سنوياً، ما يكفي لتلبية الاحتياجات المحلية. أما اليوم، فقد انخفض الإنتاج إلى ما يقارب مليون طن فقط هذا الموسم، ما سيجبر البلاد على استيراد الجزء الأكبر من حاجتها الغذائية.
ويحذر إبراهيم من أن "الاعتماد الكلي على الاستيراد والمساعدات يهدد الأمن الغذائي للبلاد ويجعل الوضع غير مستدام على المدى الطويل".
تحديات إضافية في ظل ضعف الموارد
من جهته، أوضح جلال الحمود، مسؤول الأمن الغذائي في منظمة الأغذية والزراعة (FAO) في سوريا، أن المزارعين الذين أنهكتهم سنوات الحرب لا يملكون القدرة على مواجهة تداعيات الجفاف، وهو ما أدى إلى خروج مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية من الخدمة، وأكد أن تراجع تدفق نهري الفرات ودجلة، إلى جانب الاستنزاف المفرط للمياه الجوفية، جعل الوضع أكثر خطورة.
أما مضر ديوب، المتحدث باسم وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، فقال إن محصول القمح الحالي "لن يكفي لأكثر من شهرين أو ثلاثة"، وإن الحكومة تعتمد حالياً على توقيع عقود استيراد جديدة وعلى مساعدات من دول مجاورة مثل العراق.
انهيار الأنهار والموارد المائية
في محافظة إدلب، وصف المزارع دريد حاج صلاح المشهد قائلاً: "هذه هي المرة الأولى التي يجف فيها نهر العاصي تماماً"، مؤكداً أن المزارعين لم يتمكنوا من إنقاذ محاصيل الخضروات أو أشجار الفاكهة القديمة التي دمرها الجفاف.
من جانبه، أشار مصطفى سماق، مدير الموارد المائية في إدلب، إلى أن منسوب المياه الجوفية انخفض أكثر من عشرة أمتار في ثلاثة أشهر فقط نتيجة للإفراط في الضخ وغياب الأمطار، وهو ما يهدد بتدمير الزراعة التقليدية في المنطقة.
نظرة علمية للمستقبل
يرى ماتي كومو، أستاذ قضايا الغذاء والمياه في جامعة آلتو بفنلندا، أن سوريا والشرق الأوسط بشكل عام يتجهان نحو صدمات مناخية أكثر حدة، وقال: "على مدى الأربعين عاماً الماضية، أظهرت سوريا انخفاضاً مستمراً في معدلات هطول الأمطار مع استهلاك غير مستدام للمياه. في مرحلة ما قد تنفد المياه الجوفية إذا استمر هذا النهج".
واقترح كومو أن تتجه البلاد نحو محاصيل أكثر تحملاً للجفاف، وتطوير أنظمة ري أكثر كفاءة، وزيادة الاعتماد على حصاد مياه الأمطار، لكنه شدد على أن هذه حلول جزئية ما لم يتم التعامل مع آثار التغير المناخي بشكل شامل.
|
تعليقات الزوار
|
|















