الاقتصاد اليوم ـ تغطية شاملة للأخبار الاقتصادية على مدار اليوم

 

الحكومة تضع سلم أولويات: (الغذاء والدواء) قبل زيادة الرواتب…ولكن كيف يمكن للمواطن أن يحصل عليهما؟

الاقتصاد اليوم:

لا يخفى على أحد أن معظم الأسر السورية تواجه تحديات اقتصادية ضخمة في ظل تقهقر قدرتها الشرائية وضعف مردودها الشهري، ويتزامن ذلك مع ارتفاع أسعار مستمر شمل معظم السلع والخدمات العامة والخاصة مايعني مزيدا من التعقيد المعيشي يواجهه…ويأتي ذلك مع تصريحات أطلقها وزير المالية الدكتور مأمون حمدان أكد من خلالها عدم وجود زيادة مرتقبة على الرواتب والأجور، مشيراً إلى أن هذا الموضوع بحاجة لدراسة معمقة، وأن للحكومة سلم أولويات يبدأ من عوامل ومتطلبات تأمين صمود الجيش إلى الغذاء فالدواء ، كما نوّه حمدان إلى أن الحكومة مطلعة على كافة المقترحات ومستعدة لدراستها بشكل اقتصادي .

بالمقلب الأخر، نجد أن دراسات المكتب المركزي للإحصاء  قدرت  تكاليف المعيشة للأسرة السورية، ـــــ203آلاف في شهر آب 2016 مقارنةً بسنة الأساس 2010، وزادها أول العام الحالي بسبب ارتفاع نسبة الأسعار مع ثبات الأجور، ما يعني أنه يجب مضاعفة وسطي الأجور البالغ 26 ألفاً عام 2016حوالي 9 أضعاف لتستطيع الأسرة أن تغطي احتياجاتها ووفق الأرقام الحكومية،  وهو ما يعني أن المبلغ المطلوب لأسرة مؤلفة من 5 أشخاص يبلغ حوالي (300) ألف ليرة سورية وهذا المبلغ يختلف من أسرة لأخرى حسب مكان السكن وتكاليف الانتقال و حسب الحالة الصحية و غيرها…لنصل إلى نتيجة مفادها أن المواطن السوري يعيش على اقتصاد لا يعلمه إلا الله..فالحكومة لديها سلم أولويات وهما الغذاء والدواء وهذا السلم للاسف أصبح لا يصعد عليه إلا الأثرياء…كون أسعار الغذاء باتت في العنان والدواء ترتفع بشكل يومي وبشكل جنوني…

معادلة السوق لم تعد تفهم.. فأسعار السلع والمواد الغذائية تحلق وتعاكس عوامل الانخفاض..ولا يخلو يوم إلا وهناك سلعة يرتفع سعرها، بدءا من الخضروات والفواكه وصولا إلى الزيوت واللحوم والبيض..فالمستهلك في حال أراد أن يشتري حاجياته الأساسية من المواد الغذائية، فبات يخشى أن يدخل إلى أي محل لأنه فاتورته ستتخطى 5 آلاف ليرة كحد أدنى، وأصبح الدخل لا يكفي الأسبوع الأول من الشهر، ما دفع الكثير من المستهلكين لوضع خطط اقتصادية تقشفية قابلة للتعديل لمواجهة غلاء الأسعار وضعف الدخول، وهذه الخطط دفعت بالكثير من المواد الاستهلاكية للخروج من قائمة الاستهلاك على رأسها اللحوم الحمراء وبعض الفواكه والخضار، وأنواع كثيرة من المواد الغذائية الأخرى كالمنتجات المغلفة من أرز وسمون وزيوت والاعتماد على ما يباع منها “دوغما” كونها أرخص سعرا ويمكن التحكم بالكمية المراد شرائها.

لا يخفى على أحد أن أكثر من 85% من المواطنين يعيشون وفق تصنيف الحد الأعلى للفقر و35% منهم يعيشون في فقر متقع، وفق العديد من التقارير، ولا يخفى على احد أيضا أن حاجة الأسرة السورية وفق معظم التقديرات تصل إلى 200 ليرة شهريا، لتلبية جميع متطلبات معيشتها، من سكن ولباس ودواء وتعليم وتدفئة وغذاء وطبابة وغيرها من جوانب الحياة. وأمام هذه الفجوة الكبيرة بين المطلوب والمتوفر، أصبحت المعادلة الاقتصادية صعبة التنفيذ، فماذا على المواطن أن يفعل..وكيف يمكن من تلقاء نفسه أن يجعل دخله أكثر جدوى من الناحية الاستهلاكية…وكيف يمكن أن يستثمر ما تبقى من مدخراته لتحسين وضعه المعيشي قدر الإمكان؟..

مشكلة مزدوجة تواجه المواطن

الباحث الاقتصادي الدكتور نضال طالب بين في تصريح خاص، أن إشكالية الرواتب و الأجور في سورية تعود لما قبل الأزمة فهي كانت و لا زالت إنعكاس و جدل دائم لمعادلة صعبة الحل و هي ضرورة تطابق الحد الأدنى للأجور مع الحد الأدنى اللازم لمستوى المعيشة المصان بالدستور… و من ثم جاءت الأزمة لتجعل هذه الإشكالية مزدوجة و إلى جانب عدم كفاية الدخل للمعيشة ظهر عامل آخر أشد وطأة و هو ضعف القوة الشرائية للعملة المحلية .

واضاف: “إذاً نحن جميعاً و الحكومة أمام مطلبين بهذا الخصوص هما العمل على زيادة الرواتب و الأجور التي يجب أن تعكس مستوى معيشة ملائم من جهة و تصحيح للرواتب و الأجور برفع قيمتها الحقيقية نتيجة تأثرها بشكل واضح بارتفاع مستويات الأسعار و بالتالي ارتفاع احتياجات المواطن من جهة ثانية. حيث أن زيادة الأجر إن لم يرافقها ضبط لمستويات أسعار عادلة و معالجة لحالات الاحتكار فسوف تكون زيادة وهمية تنعكس تضخماً في الأسواق”.

وقال أيضا: “لعل الحكومة محقة في زمن الحرب عندما تعتمد أولويات أخرى و تعتبر زيادة الرواتب و الأجور بحاجة لدراسة و لكن السؤال الأهم لما لا يتم دراسة هذا الموضوع و لما لا يكون بند الرواتب إحدى أولويات الحكومة طالما أن ذلك سيؤدي بالنتيجة إلى تحقيق الهدف الأسمى لوجود الحكومة وهو تحسين المستوى المعيشي و تحريك عجلة الاقتصاد الوطني من خلال خلق زيادة في الطلب على السلع في السوق و بالتالي زيادة الإنتاج و الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي..و بالمقابل هل السياسات المالية و النقدية الحكومية الحالية أسهمت و تسهم في تصحيح الرواتب و الأجور بالطبع الجواب لا لأن المواطن ما زال يعاني من ضعف مضطرد في القوة الشرائية و ارتفاع في الأسعار غير مضبوط و دور خجول للدولة في ضبط الأسعار و التدخل بها.. نعم زيادة الرواتب و الأجور تحتاج إلى خلق إيرادات جديدة للخزينة و لكن زيادة أجور الكثير من الخدمات و السلع كالأدوية و الوقود و الاتصالات و رفع الدعم عن المشتقات النفطية، و الموارد المتحققة من معالجة ملفات الفساد و القروض المتعثرة، و عوائد دوران عجلة الإنتاج في منشآت عديدة تم تحريرها، و  ..كل ذلك لم ينعكس ايجاباً بالنتيجة و لو بالحدود الدنيا على المواطن السوري بل خلق عبء إضافي ضمن موازنته الشهرية و إعادة ترتيب جديد لأولوياته المعيشية المفروضة عليه قصراً”.

التصدير.. محرك اقتصادي هام جداً

ولفت إلى أنه لا شك بأن الموضوع يحتاج لجهود كبيرة و بالتأكيد الحديث النظري يختلف عن الواقع العملي و لكن حياة و معيشة المواطن هي المقياس و المؤشر فهو لم يشهد على أرض الواقع تحسن في مستوى معيشته مما يؤكد عدم صوابية السياسات المتبعة من قبل الحكومة و الحاجة لإعادة النظر في هذه السياسات سيما و أن المرحلة تتطلب إجراءات استثنائية في ظل الظروف التي تعيشها البلاد و سياسات مالية حقيقية تبحث عن إيرادات و مطارح ضريبية خفيفة التأثير على ذوي الدخل المحدود، و كذلك سياسات اقتصادية محفزة تسهم في تقديم الاستثناءات و المزايا لقيام استثمارات وفق قانون استثمار جديد استثنائي يشجع و يدعم عمليات الإنتاج الزرعي و الصناعي لتحريك عجلة الاقتصاد الوطني و من المهم التركيز على محرك اقتصادي هام يمتلكه الاقتصاد الوطني في ظل انخفاض قيمة العملة المحلية و هو محرك التصدير.

وختم قوله: إذاً بالنتيجة يجب النظر إلى موضوع الرواتب و الأجور من زاويتين و ليس من زاوية واحدة لأنهما تكملان بعضهما البعض و هما زيادة و تصحيح الرواتب و الأجور و يجب العمل على كلاهما معاً.

بالمقابل يجد أحد الباحثين أنه للعمل على تقليص الفجوة الفاصلة بين الحد الأدنى للرواتب والحد الأدنى اللازم للمعيشة، من الضروري اعتماد مساريـن متوازييـن وفق برنامج زمني يمكن أن يمتد عدة سنوات، فمن جهة يجري العمل على رفع القدرة الشرائية وتخفيض معدلات التضخم إلى أدنى حد ممكن لتتقلص الفجوة التي ذكرناها إلى ما يعادل تقريباً (30) ألف ليرة، ومن جهة أخرى يجب رفع الحد الأدنى للرواتب إلى ما يقارب الفجوة الجديدة بعد خفض معدلات التضخم، وعملية رفع الرواتب يمكن أن تتحقق من خلال تأمين موارد إضافية للخزينة العامة للدولة تمول زيادة الرواتب عن طريق تحصيل موارد الفساد التي تصل حسب أرقام ما قبل الأزمة إلى (12%) من الناتج المحلي الإجمالي سنوياً، وكذلك عن طريق زيادة معدلات النمو الاقتصادي من خلال زيـادة إنتاجية القطاعات الاقتصادية التي هي وحدها القادرة على تحقيق استقرار معيشي ومالي، وعلى وجه الخصوص ضرورة دعم القطاع الزراعي الذي يلائم الوضع السوري.

وبذلك يكون المأمول تحقيق هدفين أساسيين الأول نقدي يستوجب اتباع سياسة نقدية رشيدة وقادرة على خفض معدلات التضخم، والثاني مكافحة الفساد وتحريك عجلة الإنتاج برفع إنتاجية قطاعات الصناعة والزراعة وغيرها.

سينسيريا

تعليقات الزوار
  1. تعليقك
  2. أخبرنا قليلاً عن نفسك