الاقتصاد اليوم ـ تغطية شاملة للأخبار الاقتصادية على مدار اليوم

 

الخطأ القاتل يتكرر كل عام ..وفلاحنا بدأ بقطع أغلى ما يملكه!

الاقتصاد اليوم:

 ذكر رئيس لجنة الزراعة والري في مجلس الشعب جمال رابعة، مؤخراً، أن هناك صعوبات في تسويق المحاصيل الزراعية تؤثر سلباً على الفلاح ضارباً مثلاً أن المزارعين في الساحل السوري بدؤوا يقلعون أشجار الحمضيات وهذا يعد خطراً على الاقتصاد الوطني، مضيفاً: سألت رئيس الحكومة عن مشروع معمل للعصائر وأن هناك دراسات له إلا أنه لم ير النور بعد، مطالباً الحكومة بأن تحضر لتسويق المحاصيل قبل الموسم وليس أن يكون أثناء الموسم وبالتالي تكون هناك صعوبات كبيرة في التسويق وخصوصاً فيما يتعلق بالحمضيات، مشدداً ضرورة أن يكون هناك تحضيرات حقيقية من الوزارات المعنية في مسألة التسويق.

طبعا القضية التي طرحها رئيس لجنة الزراعة في مجلس الشعب لا تعتبر قضية وليدة اللحظة، بل إنها مشكلة مزمنة يعاني منها القطاع الزراعي في سورية بشكل عام، وبعض المحاصيل بشكل خاص مثل الحمضيات ـ القمح ـ البندورة. ولكن يمكن القول بأننا لا نملك ثقافة الاستهلاك والتسويق، فلو أننا نملكها لما كان المزارع في سورية يشكو من أي صعوبات في تصريف منتجه، وما بدأ بقطع الأشجار التي يزرعها واعتنى بها سنين طويلة..فهل سأل مسؤولوا الزراعة ماذا يعني أن يقوم الفلاح بقطع الأشجار التي قام بزراعتها والاعتناء بها؟..يعني ذلك امراً خطيراً جدا، وهو أن الفلاح وصل إلى الرمق الأخير، ولم يعد يستطيع تحمل المزيد من الأعباء والخسائر، وخاصة أن صوته لا يصل للمسؤولين عن تصريف منتجاته…فلجأ بكل أسف إلى قطع الشجرة التي زرعها واعتنى بها وخاف عليها سنين طويلة..فهو شعور صعب وعلى المسؤولين في القطاع الزراعي والتجاري والاقتصادي، أن يفهموا هذا الأمر…الفلاح بدأ بالاستغناء عن أهم شيء في حياته، وهذا مؤشر خطير، فمؤخراً ذكر رئيس اتحاد غرف التجارة السورية غسان القلاع في المؤتمر الاقتصادي أنه يتوجب أن يتم توجيه الإنتاج إلى الداخل والبداية يجب أن تكون في القطاع الزراعي، فعندما نشبع نستطيع أن نتحرك…هذا ما وصفه القلاع وكان وصفه دقيقاً، فالزراعة هي أساس الصناعة وأساس التجارة، وعندما يشبع فلاحنا سيشبع المستهلك وتشبع الأسواق، وعندما يجوع فلاحنا سيجوع المستهلك وخاصة ذوي الدخل المحدود لأننا سنلجأ إلى الاستيراد وبالتالي دخول منتجات زراعية كنا نزرعها محليا إلى قائمة المستوردات، وهذا ليس ببعيد إن لم تتحرك الجهات الاقتصادية المعنية لإنقاذ المزارع الذي يتكبد خسائر يوما بعد يوم.

وكنا قد ذكرنا في البداية أننا لا نملك ثقافة الاستهلاك والتسويق، نعم، فهل اطلع مسؤولو الزراعة، ماذا يشرب الوزراء في اجتماعاتهم؟.. وماذا يوزع مشروبات في المؤتمرات والندوات التي تقام من قبل الحكومة والقطاع الخاص؟.. إن اطلعتم، فستجدون أن معظم هذه المشروبات هي إما مستوردة أو لا تواجه كساداً على عكس الثقافة الاستهلاكية المتواجدة في الدول الأوروبية فمعظم المشروبات هي صناعة محلية، سواء في الاجتماعات أو في الندوات…بمعنى أخر نحن لا نأكل مما نزرع، ولا نلبس مما نصنع، وهذا خطأ كبير، وينطبق على كل القطاعات، فنجد الوزراء يركبون سيارات فارهة تعود لشركات أوروبية وغيرها، في حين أن السيارات المصنوعة محلياً، لا يستخدمها أحد منهم..لماذا؟.. ونجد أنهم يلبسون أفخر الأطقم والملابس التي ربما تكون ماركاتها مستوردة في حين لا يلبسون الصناعة الوطنية إلا ما ندر…لماذا؟.. ألا يجب أن تكون الحكومة وأعضائها ومؤسساتها هي القدوة والسباقة في اقتناء المنتج الوطني على اختلاف درجاته؟ سواء الصناعي أو الزراعي؟.. أين هذا الاقتناء؟ بصراحة لم نلمسه، مشروع معمل العصائر لم يلد إلى الآن رغم الدراسات المتكررة له والمماطلة في تنفيذه والذي قد ينقذ زراعة الحمضيات في سورية ويحقق لها فوائد جمة في التصدير للأسواق الخارجية. إضافة إلى غياب الإجراءات الحكومية وإجراءات القطاع الخاص في امتصاص محصول البندورة الذي كبد الفلاح خسائر كبيرة، وكانت أجور نقله من مناطق إنتاجه إلى مناطق استهلاكه اكثر من سعره، في حين نجد الأموال تهدر على أمور ثانوية كتعبيد طريق أو كسوة بناء أو إقامة مهرجان بعشرات الملايين.

الخطأ الذي نقع به دائماً ، هو اعتبار التسويق الحلقة الأخيرة، في كل عملية إنتاج، في حين أن العكس صحيح، حيث أن الإنتاج يجب بناءه وفق الدارسات التي توضع من قبل التسويق، فالتسويق أولاً، ومن ثم الإنتاج، وليس الإنتاج ومن ثم البحث عن حلقات التسويق لتصريف الإنتاج، فبناء على متطلبات السوق يتم الإنتاج بمواصفات معينة يتم تحديدها قبل الإنتاج، ويتم تحديد الأسواق المستهدفة من التسويق قبل الإنتاج..في حين نجد أننا ننتج وننتج ومن ثم لا نسوق ويقع الفلاح في دوامة التصريحات والوعود في كل عام ويبقى إنتاجه يراوح مكانه أو يتم بيعه بأبخس الأثمان… هناك خطأ تواجه العملية التسويقية يتحمل نتيجته الفلاح وأرضه، ومن ثم سيتحمل نتيجته المستهلك والاقتصاد الوطني…فمتى سننقذ إنتاجنا الزراعي من هذا الخطأ القاتل؟!.

سينسيريا

تعليقات الزوار
  1. تعليقك
  2. أخبرنا قليلاً عن نفسك