الاقتصاد اليوم ـ تغطية شاملة للأخبار الاقتصادية على مدار اليوم

 

العملة السورية الجديدة أمام اختبار السوق: هل ينجح المركزي في ضبط الصرف وإنهاء حبس السيولة

الاقتصاد اليوم:

يتصدر ملف استبدال العملة في سوريا واجهة النقاش الاقتصادي اليومي في سوريا، وسط تساؤلات عن ما إذا كانت هذه الخطوة ستشكل مدخلاً أساسياً لضبط سوق الصرف لليرة السورية، وإنهاء سياسة حبس السيولة، في حال أديرت بآليات واضحة وشفافة من قبل المصرف المركزي.

ومن المقرر أن يعقد حاكم مصرف سورية المركزي، عبد القادر الحصرية، اليوم الأربعاء، مؤتمراً صحفياً، للحديث عن تفاصيل خطة المصرف لإطلاق العملة السورية الجديدة.

وسبق أن كشفت مصادر خاصة أن المصرف المركزي أنهى التحضيرات الأساسية لإطلاق العملة السورية الجديدة، في خطوة ينتظر أن تشكل محطة مفصلية في إدارة الملف النقدي، من دون الكشف المسبق عن موعد الضخ الفعلي في السوق.

ووفق المصادر، فإن العملة الجديدة ستكون ورقية بالكامل ومصنوعة من القطن، مع تصميم مقاوم للتلف وعناصر أمان عالية، إضافة إلى خصائص خاصة تتيح لفاقدي البصر التعرف إلى الفئات بسهولة.

وتشمل خطة الطرح ست فئات وسطى كمرحلة أولى، هي: 10، 25، 50، 100، 200، و500 ليرة، على أن تُطرح لاحقاً فئات 1، و5، و1000 ليرة، مع الإشارة إلى أن فئة الألف ليرة ستتمتع بمعايير أمان فائقة، في حين ستتوفر فئتا الليرة والـ5 دون تداول فعلي في السوق.

تحدٍ حقيقي لضبط الأسواق
وتعليقاً على ذلك، اعتبر نائب رئيس مجلس غرفة تجارة دمشق السابق، محمد الحلاق، أن استبدال العملة في سوريا يمثل تحدياً صعباً للاقتصاد السوري، معرباً عن أمله بأن تسهم هذه الخطوة في توضيح حجم الكتلة النقدية الموجودة في السوق، بما يمنح مصرف سورية المركزي القدرة على التحكم بسعر الصرف عبر آليات واضحة ومحددة.

وفي تصريحات لصحيفة "الوطن" المحلية، قال الحلاق، وهو رجل أعمال وخبير اقتصادي، إن سعر صرف الليرة ما يزال خاضعاً لمعادلة العرض والطلب، مع طموح بأن ينتقل التحكم الكامل إلى المصرف المركزي، لافتاً إلى أن المصرف تمكن خلال الفترة الماضية، رغم الإرث الثقيل الذي خلفه النظام المخلوع، من إدارة سعر الصرف "بشكل جيد جداً".

وأشار الحلاق إلى أن جميع الفعاليات الاقتصادية تطمح إلى انخفاض سعر الصرف عن مستوياته الحالية، إلا أن ضبطه بشكل حاد غير ممكن في الوقت الراهن، محذراً من أن أي انخفاض أو ارتفاع كبير ومفاجئ سيكون مؤذياً للاقتصاد الوطني.

الشفافية والثقة المصرفية مفتاح المرحلة المقبلة
وربط الاقتصادي السوري مستقبل سعر الصرف بآليات استبدال العملة ومدى شفافيتها، إضافة إلى قدرة المصرف المركزي على إعادة الثقة بالقطاع المصرفي، مشيراً إلى أن عودة المصارف لأداء دورها الطبيعي في الادخار والإقراض والتدخل عند الحاجة، كفيلة بوضع العملة السورية الجديدة على المسار الصحيح وضبط سوق الصرف.

وفيما يتعلق بسياسة حبس السيولة التي اتبعها المصرف المركزي خلال الفترة الماضية، قال الحلاق إنها جاءت نتيجة ظروف محددة، مضيفاً أن طرح العملة الجديدة يفترض أن يترافق مع إلغاء هذه السياسة وفتح سقوف السحب، ولا سيما بعد تمكن المصرف من التمييز بين الحسابات الوهمية والحقيقية لمختلف الفعاليات التجارية والصناعية والزراعية.

وأكد أن فتح سقف السحب سيؤثر حتماً في سعر الصرف، ما لم يترافق مع إجراءات مساندة، مثل تحديد سعر صرف واضح للدولار يمتلك المصرف القدرة على الدفاع عنه.

وأشار الاقتصادي السوري إلى أن المصرف المركزي يمتلك حالياً كتلة كبيرة من القطع الأجنبي، دخل جزء مهم منها إلى الخزينة من الرسوم الجمركية المدفوعة بالدولار، ما يمنحه هامشاً للتدخل وضبط السوق عند الحاجة.

حذف الأصفار من دون توسيع الكتلة النقدية
ووفق مصادر موقع "تلفزيون سوريا"، فإن فترة التعايش بين العملتين القديمة والجديدة ستمتد إلى ثلاثة أشهر، قبل أن يصبح مصرف سورية المركزي الجهة الوحيدة المخولة بعملية الاستبدال، والتي ستستمر لمدة خمس سنوات، بهدف ضمان انتقال سلس ومنظم دون إرباك الأسواق أو النشاط الاقتصادي.

وفي السياق ذاته، شددت المصادر على أن المصرف المركزي تعمد عدم الإعلان عن موعد محدد لإطلاق العملة، تفادياً لأي تلاعب محتمل من قبل الصرافين في أسعار الصرف، موضحة أن تأخر الإصدار جاء بانتظار تحقيق حالة من الاستقرار النسبي في سعر الصرف.

ومن المنتظر أن يصدر مرسوم رئاسي يفوض مصرف سورية المركزي رسمياً بعملية استبدال العملة ويحدد آلياتها التنفيذية، على أن يُعلن بعد ذلك الموعد النهائي لبدء ضخ العملة الجديدة في السوق، بما يفتح مرحلة جديدة في إدارة السياسة النقدية والمالية في البلاد.

ولا يعتزم المصرف المركزي توسيع الكتلة النقدية، وسيحافظ على حجم المعروض الحالي المقدر بنحو 3.9 مليارات دولار، مع وجود تغطية ذهبية بقيمة 3.3 مليارات دولار، والتزام واضح بعدم طباعة عملة من دون غطاء أو تمويل عجز حكومي، خلافاً لممارسات النظام المخلوع.

إجراء شكلي واختبار للثقة
تلجأ دول عديدة حول العالم إلى استبدال العملة أو حذف الأصفار كإجراء نقدي استثنائي، غالباً بهدف تبسيط التعاملات المالية، وضبط الكتلة النقدية، واستعادة الثقة بالعملة المحلية بعد فترات من التضخم أو الاضطراب الاقتصادي.

وتُستخدم هذه الخطوة كذلك كإشارة إلى الدخول في مرحلة اقتصادية جديدة، لكنها لا تُعد حلاً قائماً بذاته لتحسين القوة الشرائية أو خفض التضخم ما لم ترافقها إصلاحات أوسع بالتزامن مع انضباط مالي واستقرار سياسي.

وتُظهر التجارب حول العالم أن نجاح استبدال العملة يرتبط ارتباطاً مباشراً بالسياسات الاقتصادية المرافقة له. ففي دول مثل تركيا وألمانيا وبولندا، جاءت هذه الخطوة بعد ضبط التضخم وتنفيذ إصلاحات مالية ونقدية عميقة، ما أسهم في تحقيق استقرار نقدي وتحسن الثقة بالعملة المحلية.

في المقابل، فشلت تجارب أخرى، مثل زيمبابوي وفنزويلا، حيث جرى حذف الأصفار أكثر من مرة دون إصلاحات حقيقية، ما أدى إلى استمرار التضخم وانهيار قيمة العملة.

وفي المنطقة العربية، طُرحت مشاريع مشابهة من دون تنفيذ فعلي، كما في العراق بعد عام 2003، بسبب مخاوف سياسية وأمنية، في حين اختارت مصر مسارات مختلفة عبر تعديل شكل العملة أو إدارة سعر الصرف من دون حذف الأصفار.

وتشير هذه المقارنات إلى أن استبدال العملة يُعد أداة مساعدة ضمن حزمة إصلاحية شاملة، وأن أي تطبيق غير مدروس قد يؤدي إلى نتائج عكسية، مثل زيادة المضاربة أو الضغط على سعر الصرف، بدلا من تحقيق الاستقرار المنشود.

وتضع عملية طرح العملة الجديدة في سوريا المصرف المركزي أمام اختبار حقيقي يتجاوز الشكل إلى المضمون، إذ يبقى نجاح الخطوة مرهوناً بمدى الشفافية، والقدرة على ضبط سعر الصرف، وإعادة الثقة بالقطاع المصرفي.

تلفزيون سوريا

تعليقات الزوار
  1. تعليقك
  2. أخبرنا قليلاً عن نفسك