الاقتصاد اليوم ـ تغطية شاملة للأخبار الاقتصادية على مدار اليوم

 

اللحوم خارج استهلاك الفقراء… ثروتنا الغنمية تنهب بفعل ثالوث الإرهاب والتهريب وجمود برامج التحسين

الاقتصاد اليوم:

أسعار اللحوم الحمراء في أسواقنا تسجل ارقاماً قياسية جديدة حيث بلغ سعر كيلو هبرة الخروف غير المقشورة نحو 5500 ليرة ، في حين سجل كيلو الهبرة المقشورة ما بين 7000 إلى 7500 ليرة، ما يعطي مؤشرا أن هذه الأسعار لم تبلغ هذا الحد إلا كمنعكس للصعوبات التي تواجه قطاع الثروة الحيوانية في سورية…

مصادر، تؤكد، أن ذبح إناث الأغنام لا يزال يسير على قدم وساق، ما يشكل تهديدا حقيقيا للثروة الغنمية في سورية، والتي عانت من تبعات الحرب الظالمة على مدار سنينها الفائتة، كما لا يمكن إغفال عامل تهريب هذه الثروة، حيث أكد الآمر العام للضابطة الجمركية العميد سعيد صبيح مؤخرا، أن حالات تهريب الأغنام باتجاه لبنان مضبوطة، كاشفاً أن معظم عمليات التهريب تتم عبر الحدود العراقية، وخصوصاً أن بعض التجار المهربين يستغلون الظروف الأمنية.

خارجة عن قانون السوق

 المصادر أكدت أنه رغم انخفاض الطلب على اللحوم الحمراء من قبل المستهلكين، إلا أن أسعارها لا تزال ترتفع دون سبب مقنع، فمن المعلوم أن عند زيادة الطلب على سلعة ما يرتفع سعرها، والعكس صحيح، إلا أن اللحوم الحمراء بعيدة كل البعد عن هذه القاعدة الاقتصادية، بل هي بعيدة عن قانون السوق القائم على “العرض والطلب”، فهناك من يتحكم بالأسعار، التي تتفاوت بشكل كبير بين المحافظات، فأرخص محافظة في اللحوم الحمراء هي محافظة القنيطرة التي يصل سعر كيلو هبرة الخروف فيها إلى نحو 3000 ليرة فقط، أي بفارق نحو 4500 ليرة عن سعرها في دمشق وريفها…إذاً يمكن القول بأن أسعار اللحوم باتت أحجية، لم تحل إلى الآن، إلا أن الواقع الذي بات معلوما للجميع، ان اللحوم الحمراء على اختلاف أشكالها باتت لطبقة معينة في المجتمع السوري، وتم تنسيقها بشكل شبه تام من قبل الاسر التي تنتمي لطبقة الدخل المحدود….

تدهور ملحوظ

في نظرة سريعة إلى قطاع الثروة الحيوانية في سورية، خلال سنوات الحرب فقد تدهورت بصورة دراماتيكية خلال السنوات الماضية ، بسبب عوامل معقدة يأتي في مقدمتها الحرب الطاحنة التي تدور في البلاد والتي أدت الى انخفاض اعدادها نتيجة التهريب المستمر والجائر إلى خارج البلاد. وتراجع انتاجها وإنتاجيتها بفعل جمود برامج التربية والتحسين، وانعدام الإدارة الحديثة، وضعف الخدمات الطبية البيطرية، إلى جانب انخفاض المتاح لها من الموارد العلفية وغياب شبه تام لقدرتها على ارتياد المراعي الطبيعية، وتراجع برامج نشر نتائج ابحاث تحسين القيمة الغذائية للمخلفات الزراعية  في تغذية الحيوان ، فضلاً عن غياب المعلومات الإحصائية الدقيقة حول مكونات الثروة الحيوانية التي تسمح للحكومة بوضع وببناء خطط تنمية حقيقية لها.

تقرير صادر عن وزارة الزراعة ذكر مؤخرا، أن ثمّة عوامل موضوعية أدّت إلى تراجع أعداد الثروة الحيوانية منها ارتفاع تكاليف تربية المواشي، وعدم قدرة المربّين على الانتقال بقطعان مواشيهم إلى مناطق الرعي المناسبة، وخروج أكثر من 73 مركزاً للأعلاف من الخدمة من أصل 123 مركزاً، إضافة إلى خروج مراكز تجفيف مادة الذرة الصفراء جميعها من الخدمة التي كانت تؤمّن رصيداً جيداً من مادة الذرة الصفراء لإدخالها بالخلطات العلفية.

وتشير تقارير وزارة الزراعة إلى خسارة أعداد كبيرة من الماشية نتيجة عدم توفر الأعلاف وانتشار الأمراض بين القطعان كالحمى القلاعية والجدري في ظل غياب اللقاحات وضعف التحصينات الوقائية وعدم القدرة على إيصالها إلى معظم مناطق تربية المواشي، إلى جانب نقص المحاصيل الزراعية التي تدخل في وصفة علف المواشي كالشعير والبقوليات، وفقدان الأسمدة والأدوية ونوعية البذار السيئة، وأشار تقرير إلى أنه ورغم سعي الحكومة الدائم إلى إيجاد أعلاف بديلة للمواشي إلا أن تلك الكميات لا تؤمّن إلا ربع الكمية التي يحتاج إليها المربون مع تقلّص مساحات الرعي.

استيراد لتوازن العرض

مؤخرا، أعلن معاون وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك جمال شعيب أن سبب الارتفاعات السعرية لمادة لحوم الأغنام في الأسواق انخفاض العرض والمتوافر أمام حالة الطلب، وأن الوزارة تدرس استيراد اللحوم الحمراء لتلبية احتياجات السوق المحلية وتحقيق التوازن السعري وأن الوزارة قادرة على تأمين أنواع مستوردة موثوقة بالتعاون مع وزارة الزراعة وتحديد الدول الممكن الاستيراد منها حيث يمكن توفير العديد من أنواع اللحوم الحمراء مثل لحوم الجاموس ولحوم أغنام البيلا التي وفق تجارب سابقة لاستيرادها وصل سعر مبيعها في السوق المحلية إلى نصف سعر لحم الخاروف المحلي، وهو ما يوسع مساحة المعروض من اللحوم وتنوعه.

الثروة الغنمية..ميزة نسبية

 وفي الحديث عن الثروة الغنمية من حيث عددها فهي تعتبر من اكبر مكونات الثروة الحيوانية السورية، وبحسب خبراء في الشؤون الزراعية، تشكل أعدادها 89% من إجمالي أعداد الثروة الحيوانية المنتجة للحوم الحمراء، بينما تمثل أعداد الماعز 6% تقريبا والأبقار حوالي 5%  إذ وصلت اعدادها عام 2007 إلى حوالي 22.865 مليون رأس بينما تدهورت إلى 15.511 مليون رأس عام2011 لترتفع تدريجيا إلى17.858  مليون رأس عام2013 .

 

كما أن المؤشرات تؤكد أن هناك غياباً مستمراً حتى الآن لنظرة استراتيجية لتنمية هذه الثروة التي تشكل ميزة نسبية للزراعة السورية . حيث أن مفهوم الميزة النسبية يعتمد بشكل اساسي على قدرة البلد على انتاج السلعة القادرة على المنافسة بالاعتماد على مواردها المحلية (عمالة ، أرضي ، رأسمال) لعرضها في السوق المحلية وتصديرها ان امكن أو ان تستورد السلعة وتخصص الموارد المحلية لإنتاج سلعة ثانية تتمتع بميزة نسبية.

 في الحديث عن الدور الاقتصادي لهذه الثروة، فإن الأغنام تلعب دوراً مهما في بنية الاقتصاد السوري وديناميكيته  حيث توفر البروتين الحيواني ( لحم وحليب ) للاستهلاك المحلي وتؤمن فرص العمل ، وتساهم في زيادة الدخل ، وتعتمد نسبياً على موارد محلية مهدورة في تغذيتها( المخلفات الزراعية ) . وتشكل مصدراً للقطع الأجنبي كونها سلعة تصديرية لها اسواق تقليدية مستمرة . هذا اضافة الى دورها في توفير السماد البلدي للمحاصيل الزراعية وفي تحسين البنية الفيزيائية والكيميائية لأراضي المراعي ، وتأمين الجلود والصوف للصناعات المحلية فضلاً عن تدوير حركة الإقتصاد بفعل مدخلات ومخرجات الإنتاج .

وبطبيعة الحال تعكس تلك التبدلات بأعداد الأغنام تبدلاً في نصيب الفرد من لحومها ومنتجاتها الأخرى من جلود وصوف كما تعكس اضطراباً في صادراتها مما يجعلها سوقاً غير مستقرة ولا يمكن الاعتماد عليها من قبل المستوردين ويجعل من سوريا مصدراً محتملاً غير مستقر للأغنام العواس .

كما أن سورية تشتهر بغناها بعرق أغنام العواس ، حيث تشكل لحومها المصدر الأول للحوم الحمراء للمواطن السوري ( 74 % عام 2005 –  66% عام 2013 من اجمالي ما يتناوله الفرد من اللحوم الحمراء ) ، كما تشكل نافذة تصديرية واسعة ومفتوحة حيث بلغت نسبة صادرات الأغنام من اجمالي قيمة الصادرات الزراعية حوالي 16% عام 2005 .

تصدير الأغنام حافز لزيادة اعداها وإنتاجها

على عكس ما يشاع بأن تصدير الأغنام قد يؤثر على الأعداد، بل على العكس، فإن التصدير من شأنه أن يشجع المربي على الاستمرار في تربية الأغنام وعدم التحول لمهنة أخرى، حيث رأى خبراء أن سورية تحتل المرتبة 15 بين الدول المنتجة للأغنام في العالم ، وتعتبر في طليعة الدول الخمسة الأولى في تصدير الأغنام في العالم ، وتقليديا ووفق المؤشرات الفنية المعتمدة من قبل وزارة الزراعة تشكل ولادات الأغنام حوالي 80% من عدد الإناث المنتجة ، وتقع بحدود 15.6 مليون ولادة نصفها من الذكور وبعدد يصل الى 7.8 مليون راس وتبلغ نسبة نفوق المواليد حوالي 10%  وبما يساوي 780 الف راس من الذكور وبذلك يتبقى 7 مليون راس من الذكور معدة لتسمين والذبح وهناك نسبة من الاناث غير اقتصادية للتربية يتم تنسيقها وتسمينها وذبحها وتبلغ نسبتها 20% من إجمالي القطيع وتساوي حوالي 3.9 مليون راس سنويا وبذلك يكون عدد الرؤوس المعدة للتسمين والذبح حوالي 11 مليون سنويا يذبح منها محليا حوالي 8 مليون راس في المسالخ وبعض المنشات اضافة الى 500 الف راس تذبح بمواسم الاعياد وغيرها من المناسبات وهذا يسمح بوجود 2 مليون راس جاهزة للتصدير سنويا دون ان يؤثر ذلك على السوق المحلية.

ومن الثابت أن أكثر من 80% من مربي الأغنام من البدو الرحل الذين يجوبون البادية طلبا للمراعي لأغنامهم ويحصلون على دخلهم من خلال إنتاجها من الألبان والأجبان والسمن والصوف والخراف ، وهذه الخراف هي ذكور الغنام التي يقومون بتربيتها لغاية شهر ايار من كل عام ومن ثم يتم بيعها في اسواق الغنام خلال شهري ايار وحزيران من كل عام . حيث تنخفض اسعار الخراف خلال هذه الفترة بسبب كثافة العرض إلا أن عمليات التصدير تدعم تلك السعار بشكل ضئيل مما يساعد المربي على تحقيق سعر مقبول يغطي تكاليف التسمين المرتفعة . وفي حال توقف التصدير فإن اسعار مبيع الخراف تنخفض ويتعرض المربون للخسارة وعندما تكون الخسائر كبيرة فإن المربي يضطر لبيع اغنامه كاملة ويتجه الى مهنة ثانية مما يساهم في خفض اعداد الثروة الغنمية  كما ان منعكسات وقف التصدير الخطيرة تكمن في تحول المستوردين الى اما اسواق ثانية او الى البحث عن عروق اغنام توفر استقرارا في الواردات وبالتالي خسارة سوريا لأسواق تصدير تعتبر استراتيجية للاقتصاد الوطني .

إن المطلوب من الحكومة اعتبار الثروة الغنمية من الثروات الوطنية الهامة ووضع الخطط العملية للحفاظ على قطعان الأغنام وتوفير مستلزمات تنميتها وتطويرها حيث تعتبر ثروة لا تنضب.

المصدر: سينسيريا

تعليقات الزوار
  1. تعليقك
  2. أخبرنا قليلاً عن نفسك