المستهلك يشد الحزام… ويغير عاداته الاستهلاكية في رمضان
الاقتصاد اليوم ـ صحف:
المستهلك بدأ يشد الحزام وخاصة مع دخول رمضان، حيث اعتادت أسواقنا للأسف على ارتفاع يطول أسعار معظم السلع والخدمات فيها، والحجة لدى معظم البائعين جاهزة ومفصلة، فتارة سعر الصرف، وتارة أخرى أجور النقل، وأخيراً زيادة الطلب على المواد، أو نقص المعروض في أسواق الجملة.. هذه الأسباب التي حفظها المستهلك الصغير والكبير، باتت غير منطقية مقارنة مع الارتفاعات الكبيرة في أسعار السلع، فالزيادات التي حصلت على معظم العوامل السابقة لا تنعكس بشكل دقيق على الأسعار، وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أن هناك العديد من العوامل التي أدت إلى زيادة التضخم وفق المكتب المركزي للإحصاء، والذي أشار مؤخراً في تقرير عن الرقم القياسي لأسعار المستهلك لشهري كانون الثاني وشباط من العام الحالي 2015، بأن التضخم الشهري في شباط بلغ 5% عن شهر كانون الأول لعام 2014، ومعدل تضخم سنوي وقدره 23.6% عن شهر كانون الثاني 2014، مشيراً إلى أن السبب الرئيسي في ذلك هو المحروقات، حيث ارتفعت أسعارها وأثرت في العديد من السلع والمنتجات، إضافة إلى ارتفاع أسعار التبغ والبقول والخضر والألبان والأجبان والسكر والمنتجات التي تدخل في تصنيعها، على حين كانت الفواكه منخفضة قليلاً.
وهنا لا بدّ أيضاً من الإشارة إلى أن هناك نسبة لا يستهان بها من العاطلين عن العمل، حيث أشار تقرير شبه رسمي، أن التقديرات الأولية تقول بوصول نسبة المتعطلين الشباب إلى نحو 42% من قوة العمل، وبين الشباب أنفسهم إلى نحو 66%، ويرجح التقرير أن أكثر من نصف السكان يعيشون في حالة فقر، منهم 7 ملايين نسمة دخلوا في دائرة الفقر الأدنى، فمعظم الأسر السورية أنفقت مدخراتها، واستنفذت استراتيجيات التأقلم المتاحة أمامها.
هذه النسب تعتبر مؤشراً ينذر بضرورة اتخاذ إجراءات سريعة وإسعافية من قبل الحكومة لخفض أرقامها قدر الإمكان وبشتى الوسائل المتاحة، ولا بدّ من أن تكون البداية في خفض أسعار السلع الأساسية في الأسواق، وضبط سعر الصرف قدر الإمكان، ومنع الاحتكار، وتوفير فرص عمل، وتشجيع الصناعات الناشئة، ودعم الصناعات القائمة، وإيجاد أسواق خارجية جديدة للسلع المحلية، وضبط التهريب والتهرب الضريبي.
المستهلك مغبون وحذر في التعامل مع السلع
بالعودة إلى رمضان فإنه يحظى بطبيعة خاصة في الإنفاق والاستهلاك لدى معظم الأسر السورية، وأيضاً يجب أن يكون ذو إجراءات خاصة بالنسبة للجهات الرقابية على الأسواق، فإيقاع الأسواق يختلف في هذا الشهر، والعرض والطلب يختلفان، حتى أن المخالفات تكثر وخاصة بما يتعلق بسلامة المواد الغذائية.
وكما ذكرنا فالمستهلك بات متخوفاً وحذراً في التعامل مع السلع في أسواقنا، حيث أنه يشعر بغبن دائم، فعندما يشتري سلعة ما بسعر ما فإنه يتفاجأ بفروقات الأسعار، حيث أن سعر نفس السلعة قد يكون أرخص لدى بائع آخر، وهذا ما يحيّر المستهلك، ويجعله يبحث ويستقصي بين المحلات والبائعين عن السلع الأكثر رخصاً حتى ولو وفّر “عشر ليرات” لجيبه.
لا شك أن أسواقنا تشهد حالياً ارتفاعات كبيرة في الأسعار، وخاصة الفواكه بشتّى أنواعها والتي أصبحت حكراً على الأغنياء، في حين اكتفى ذوي الدخل المحدود بالنظر إليها و”مغازلتها” عن بعد، وفي حال تجرأ واشترى فإنه سيشتري “خلطة” فواكه مكونة من بعض حبات الفواكه فقط.
أيضاً من يتابع حال أسواقنا يجد أن أسعار معظم السلع الغذائية شهدت ارتفاعات متتالية ومتدرجة، فبلغ سعر كيلو الأرز المغلف نحو 340 ليرة، وبلغ سعر ليتر الزيت المستورد نحو 380 ليرة، مع الإشارة إلى أن هذه الأسعار تختلف من بائع إلى آخر ومن سوق لآخر، وبلغ سعر كيلو السكر نحو 170 ليرة، وبلغ سعر كيلو اللبنة نحو 600 ليرة وكيلو الجبنة البلدية نحو 700 ليرة، وبالطبع هذه المواد تختلف من حيث الأسعار وفقاً للمواد المصنوعة منها، فهناك كيلو لبنة كما ذكرنا سابقاً ب300 ليرة فقط.
ولن نذكر أسعار معظم السلع والمواد الغذائية سواء الخام أو الجاهزة أو غيرها، ولكن سنذكر كيف واجه المستهلك ذلك خلال رمضان.
عادات الاستهلاك في رمضان تتغير على وقع الأسعار
وقد نشرت دراسة خلال العام الماضي، عن تكلفة مائدة الإفطار لأسرة مكونة من خمس أفراد جمعيهم مستهلكون مع وجود منتج واحد “موظف” أو ما شابه، حيث أشارت إلى أن التكلفة بشكل وسطي يصل إلى نحو ألفي ليرة يومياً، مع الإشارة إلى أن الدراسة لم تتناول إلا المواد الأساسية فقط، كما أشارت الدراسة إلى أن تكلفة السحور لنفس عدد أفراد الأسرة تبلغ نحو 900 ليرة يومياً، اي أن الأسرة تكلفها الوجبات الغذائية في رمضان فقط نحو 3 آلاف ليرة يومياً أي بمعدل شهري يصل إلى 90 ألف ليرة شهرياً فقط، وهذا الرقم يمثل ضعفي الدخل لدى معظم الأسر من ذوي الدخل المحدود والذي يشكلون الأغلبية حالياً، فهل تضاعفت الأرقام أم استقرت خلال رمضان الحالي؟!…
بالطبع هذه الأسعار المرتفعة فرضت على الأسر تغييراً في أسلوب استهلاكها وعاداتها خلال رمضان مقارنة مع الأعوام السابقة، فالحلويات مع ارتفاع أسعارها أصبحت لا تشكل مادة أساسية لديهم، وفي حال أرادت الأسرة تناول الحلويات فهي تقتصر على حلويات الفقراء كما يقال وهي “العوامة والمشبك”، أو بصناعة الحلويات في المنزل، كما أن معظم الأسر من ذوي الدخل المحدود اقتصرت في تناول وجبة واحدة ونوع واحد من الأطعمة خلال الإفطار وذلك كنوع من الترشيد، في حين كانت تذخر السفر السورية بشتى أنواع الأطعمة والوجبات، قبل الأزمة السورية.
كما اعتمد معظم الموائد الرمضانية لدى أسر ذوي الدخل المحدود على المواد المشبعة السريعة، بالإضافة إلى التكلفة القليلة، مثلاً الفول والحمص والمسبحة والفتة وغيرها من هذه الأطعمة الشعبية، التي أصبحت حالياً توضع كوجبات رئيسة بل ووحيدة على موائد الإفطار، في حين كانت مكملة في موائد إفطار ما قبل الأزمة السورية، بالطبع الفول والحمص وهذه الوجبات أيضاً أصبحت ثقيلة مادياً على المستهلك، لذا اكتفى الكثير من المستهلكين على تناولها كوجبة أساسية وليست ثانوية، كما انخفض استهلاك اللحوم حالياً مقارنة مع الأعوام السابقة كون أسعار اللحوم بلغت العنان، وأصبح سعر كيلو لحم العواس نحو 2800 ليرة، كما انخفضت كميات الوجبات التي يتم طهيها يومياً في رمضان، كون الكهرباء لا تساعد على حفظ زوائد وجبات الإفطار، وهذا كلّف الأسرة أكثر، حيث كانت الأسرة تتجه إلى طهي وجبة واحدة تكفي ليومين وربما لثلاثة أيام، ولكن مع انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة أصبح من الصعب على الأسرة أن تحفظ المأكولات ليوم آخر، وبالتالي اضطرت إلى معاودة الطهي مرة أخرى ووضع تكاليف أخرى.
تحدٍّ يومي تواجهه الأسر.. فماذا عن الجهات الرقابية على الأسواق؟
هو تحدٍّ يومي تواجهه الأسرة واستطاعت تجاوزه بشق الأنفس، ولكن ماذا عن التحدي التي تواجهه الجهات الرقابية على أسواقنا؟..
وزارة التجارة الداخلية أعلنت عن خططها في مواجهة الأسعار خلال رمضان، وطالبت معظم الفعاليات التجارية بأن تخفض أسعارها خلاله، ولكن هل هذا يكفي؟..
المهرجانات الرمضانية ومهرجانات التسوق في صالات مؤسسات التدخل الإيجابي لابدّ من أن تكون ملجأ لذوي الدخل المحدود، ولا بد لمؤسسات التدخل أن تلعب دورها الاجتماعي في هذا الشهر، حتى ولو تخلت عن أرباحها وباعت السلع برأسمالها، فمهرجانات التسوق يجب أن تركز على الأسر ذات الدخل المحدود أولاً، وأن تطرح سلعاً منافسة بشكل حقيقي من حيث الأسعار، وأن لا تسمح بالمتاجرة بها أو بيعها للتجار.
كما نؤكد على أهمية أن تقوم غرف التجارة والصناعة بتوعية البائعين على أهمية خفض هامش الأرباح خلال هذا الشهر وفي غيره؛ وأن تلعب دوراً اجتماعياً بارزاً خلال هذا الشهر، وأن يراعوا أوضاع ذوي الدخل المحدود والمتعطلين عن العمل، كما نؤكد على أهمية أن تقوم الجهات الرقابية بتكثيف حملاتها على أسواق الأغذية، ومكافحة الغش الذي انتشر في أسواقنا، ومنع ابتزاز المستهلك، ووضع حدّ لأي شطط في الأسعار.
المصدر: صحيفة الحياة السورية
تعليقات الزوار
|
|