الاقتصاد اليوم ـ تغطية شاملة للأخبار الاقتصادية على مدار اليوم

 

المنظور الكلي للأمن الغذائي في سورية

الاقتصاد اليوم ـ خاص:

قدم مركز دمشق للأبحادث والدراسات “مداد” بحثا متكاملات عن الأمن الغذائي في سورية،  وجاء في الملخص التنفيذي لهذا البحث الذي سننشره على عدة مراحل، أن سورية تصنف من المناطق الجافة وشبه الجافة مائياً؛ إلا أن التنوع الطبيعي والبيئي شكل ميزة من الميزات التي أهلت الجمهورية العربية السورية، لأن تكون دولةً تمتلك المقومات الأساسية للأمن الغذائيّ.ولئن شكلت معدلاتُ النمو السكانيّ عبئاً وضغطاً على الموارد الطبيعية والاقتصادية، إلا أن سورية استطاعت أن توفر مستوىً مقبولاً من الأمن الغذائي لمواطنيها،خاصةً في العقد الأخير من الألفية الثانية والسنوات القليلة من بداية الألفية الجديدة.

ولقد تغير الوضع بصورةٍ جوهريةمنذ بداية أزمة الجفاف التي تعمقت ملامحها وتأثيراتها في عام 2008،وأصبح توفير مستلزمات الأمن الغذائي إشكالية من إشكاليات التنمية الرئيسة في سورية،خاصةً مع ترافق هذه الأزمة بأزمة عالمية، أشد تأثيراً، أدت إلى ارتفاعات غير مسبوقة في أسعار الغذاء.

وفر القطاع الزراعي طوال السنوات الخمس التي سبقت الأزمة السورية مستوىً جيداً من مقومات الأمن الغذائي، رغم انخفاض الاهتمامالاستثماريفي هذا القطاع الذي ظهر بسبب تراجع الإنفاق فيه من (2.5%) من إجمالي الإنفاق العام عام 2005 إلى(2%) عام2010. وانخفاض إسهامالقطاع في تشكيل الناتج الوطني من (23%) عام 2005 إلى (16%) عام2010، وانخفاض في نسبة إسهام القطاع بالتشغيل من (18.9%) إلى (13.2%) طوال المدة نفسها.

عاد القطاع الزراعي في سنوات الأزمة، ليشكل نوعاً من الحصانة للمجتمع السوري، وليوفر مقوماً من مقومات صمود الدولة السورية، فبعد أن تراجع إسهامه في الناتج المحلي الإجمالي،عاد هذا الإسهام إلى الارتفاع ليتجاوز عام 2014 حدود 24% وليوفر القطاع جزءاً جيداً من مقومات الأمن الغذائي. ورغم أنَّ الإنفاق العام لم يعكس أولوية القطاع الزراعيّ، فقد انخفضت نسبة الإنفاق العام على الزراعة من إجمالي الإنفاق من (2%) عام 2010 إلى نحو (1%) عام 2015.

لم تكن السياسات الزراعية على مستوى التحديات التي أفرزتها الأزمة، إذ إن القطاع الزراعي بقي يمارس أدواره السياساتية والتنفيذية كالمعتاد. وتعد الخارطة الزراعية السياسة الأهمفي القطاع الزراعي،لأنه يُفترض أن توجه النشاط الزراعي نحو المنتجات الأكثر أولوية وحاجة،بوساطة سعيها لإيجاد بدائل جغرافية لتغطية القصور الحاصل في خروج مناطق واسعة من الإنتاج الغذائي الزراعي.  وتشير بيانات الخارطة الزراعية-في هذا الشأن- إلى عدم وجود تغير في نسب الأراضي المزروعة، وفق كل نوع من أنواع المنتجات،  وبالتالي لم تلحظهذه الخارطة الاحتياجات الوطنية المتعلقة بترتيب الأولويات الكلية، بل شهدت نسبة الأراضي المزروعة ببعض المنتجات الهامة في سلة الاستهلاك السوري تناقصاً، بمعدلات أكبر من تناقص معدلات الأراضي بشكل عام،ومن هنا يمكن تأكيد أنَّأولوية الأمن الغذائي -كهدف من أهداف مرحلية الاستجابة لاحتياجات المجتمع السوري في مدة الأزمة- لم تستجب لها الأدوات (السياسات والمشاريع)، وما يؤكد هذه الحقيقة انخفاض المساحات المزروعة بالمنتجات الغذائية الأساسية. فعلى سبيل المثال: تراجعت نسبة إجمالي الأراضي المزروعة بشكل عام بمقدار 17.2%، بينما تراجعت المساحات المزروعة بمادة القمح (وهي المنتج الأهمذ في سلة الاستهلاك السورية) بنسبة 19.5% طوال سنوات الأزمة، وهذا يدل على ضعف في تخطيط الموارد للاستجابة للاحتياجات.

ويُلاحظ رغم اشتداد الحاجة إلى المنتجات الصناعية الغذائية، أنَّ سياسات التصنيع الغذائي للقطاع العام، كانت بعيدة كل البعد عن استحقاقات الأزمة، فالإنفاق العام على الصناعات الغذائية كان شبه معدوم، كما أنه لم يجر تحفيز القطاع الخاص للتوجه نحو التصنيع الغذائي، إذ إنَّه طوال مدة الأزمة لم تُشْهَد مشاريع جديدة في مجال الإنتاج الغذائي.

تحولت السوق السورية الواحدة التي كانت سائدة قبل الأزمة، إلى أسواق محلية ومناطقية، لكل منها محدداته ومؤشراته الخاصة، من حيث توافرُ المواد والمنتجات الغذائية والأسعار. مما جعل من إشكالية خلل جغرافية الاقتصاد السوري تطفو على السطح، وتثير سيلاً من التساؤلات عن نهج التوازن التنموي الجغرافي الذي كان سائداً قبل الأزمة. لقد أدت الأزمة السورية وما رافقها من صعوبات في نقل المواد الغذائية المتأثر بارتفاع التكاليف واحتمالية المخاطر إلى فائض من المنتجات الغذائية في بعض المحافظات وعجز في أخرى، ورغم التدخلات الحكومية التي تمثلت في دعم بعض أوجه نشاط الأمن الغذائي، إلا أن هذه الجهود ما تزال تصنف في طور السياسات الآنية محدودة التأثير على المدى الزمني البعيد.

تبنت الحكومة السورية وضمن بياناتها الوزارية الأمن الغذائي كهدف يحظى بترتيب متقدم ضمن الأولويات الوطنية، إلا أن الخلل الأساس تمثل في ضعف ترجمة هذه الهدف إلى تدخلات مناسبة بوساطة برامج مشاريع ملائمة وكافية (سياسات القطاع الزراعي ما تزال كما أنه لا توجد أزمة، والإنفاق الزراعي العام في تناقص، كما أن الاستثمار الصناعي الغذائي غير محفز، والإنفاق العام على الصناعات الغذائية في أدنى سلم الأولويات).

تتسم الجهود الوطنية في مجال الأمن الغذائي بالتشتت، فعلى سبيل المثال: لا توجد جهة وطنية معنية بتنسيق مكونات الأمن الغذائي من منظور كلي تكاملي. ويتبدى هذا الأمر جلياً عند معرفة أن حجم الطلب على المنتجات الغذائية غير معروف، وبالتالي سينعكس ذلك على إمكانية التخطيط لجوانب العرض من الإنتاج الغذائي(الزراعي والصناعي)، وردم الفجوة أو تصريف الفائض (التصدير والاستيراد)، واستقرار الإمداد بين المحافظات (النقل والتجارة الداخلية).

انعكس الخلل الذي أصاب مقومات الأمن الغذائي على شكل ارتفاع في أعداد الأسر المعرضة لانعدام الأمن الغذائي، والتي دخل قسم منها في دائرة الفقر المدقع، ورغم تكثيف جهود الحكومة ومنظمات المجتمع الأهلي والمنظمات الدولية في إطار الاستجابة للاحتياجات الإنسانية، إلا أن هذه الجهود–وإن كان دورها إيجابيّاً في تخفيف تأثيرات الأزمة-تُعَدُّ مُستهلكةً، وغير قابلة للاستدامة لازدياد الحاجة المقترن بمحدودية الموارد.

تعليقات الزوار
  1. تعليقك
  2. أخبرنا قليلاً عن نفسك