الاقتصاد اليوم ـ تغطية شاملة للأخبار الاقتصادية على مدار اليوم

 

انخفاض كتلة الدعم الاجتماعي في موازنة 2016

الاقتصاد اليوم:

 ما تعتبره الحكومة نجاحاً في عملها، بإنجازها موازنة 2016 في وقتها المناسب، لا يتعدى ضمن أفضل التقييمات الحيادية أنه عمل مطلوب منها، ومهمة لا مناص من تنفيذها، وشيء روتيني يتكرر كل عام في التوقيت ذاته.

إلا أن ما تراه بعض الدوائر المقربة من الحكومة، مهلّلة لهذا العمل، والإشارة إلى ضرورته المرحلية، ومدى التفاني لإظهاره بصورة تفوق القضايا الطبيعية، يكشف حالة العجز عن إيجاد منجز مهم يمكن الحديث عنه، ويعكس حالة الخواء التي تعيشها بعض دوائر صنع القرار، ويرسم طريقاً لذهنيات التعاطي الحكومي مع الملفات المهمة. لايمكن اعتبار إنجاز الموازنة العامة للدولة عملاً شاقاً، أو جهداً خارقاً، أو نشاطاً يفوق العمل الاعتيادي. هو ببساطة، أقرب ما يكون لإعادة صياغة بعض العبارات المنمقة، من خطة العام الجاري، وإضافة بعض المواقف بناء على المستجدات الراهنة، وحساب الكلفة المالية لأوجه الإنفاق الحكومي. هي بالنهاية خريطة طريق اقتصادية، تضخمية الطابع، بتصنيف عدد من المتابعين، ويجب عدم تحميلها أكثر مما تستحق. فهذه الموازنة البالغة 1980 مليار ليرة هي بمؤشراتها العامة غير مبشرة، وهي مسبوقة لجهة اعتماداتها، لا كما يزعم البعض بأنها الأولى على مدى تاريخ سني الموازنات العامة للدولة. فهذه الاعتمادات، يجب أن تقاس إلى القطع الأجنبي أو الذهب، للتعرف على قيمتها الحقيقية، ومدى قدرتها على تلبية احتياجات الناس المختلفة. فأمام سعر دولار وصل إلى 390 ليرة، تكون قيمة الموازنة خمسة مليارات دولار، وفي حال افترضنا السعر الرسمي الذي حددته الحكومة للدولار في موازنة العام القادم والبالغ 250 ليرة، تكون قيمة موازنتنا أقل من 8 مليارات دولار، وهي موازنة منخفضة وفقاً لهذا المعيار المهم، الذي يعيش السوريون على وقعه، ويعانون من تداعياته، ويرضخون لشروطه في كل تفاصيل حيواتهم. هذه الأرقام تشكل القيمة الحقيقية للموازنة، والتي لامناص من الاستناد إليها، للتعرف على المأزق المالي الذي تعانيه الحكومة، وشح الموارد الذي يفرض على الموازنة شروطاً قاسية. إلا أن موقف عدد من المسؤولين الحكوميين تجاه موازنة ،2016 يثير التساؤل حول تغاضيهم عن هذه الحقائق؟ وعدم مكاشفة الناس بالحقيقة؟ ومضيهم في طريق رسم التفاؤل الوهمي؟

لايوجد جديد مبشر، أو يبعث على التفاؤل في موازنة العام القادم، هي كغيرها من الموازنات التقليدية، وقد تكون حالة الحرب الطاحنة التي تعيشها البلاد لا تحتاج إلى موازنة أكثر من ذلك، فلايمكن لتنمية أن تتحقق، أو معالجات جدية للقضايا الجوهرية أن تُحدث، وطبول الحرب مازالت تقرع، والرصاص يلعلع، والحكومة تُظهر تقصيراً في عملها. يبرز الإنفاق الجاري في موازنة ،2016 كاعتمادات مهمة لابد من مناقشتها إذ تبلغ 1470 مليار ليرة، مادام الإنفاق الاستثماري البالغ 510 مليارات مشروطاً بالوضع الراهن للبلاد. وبإسقاط كتلة الرواتب والأجور من الإنفاق الجاري، يبقى مبلغ الدعم الاجتماعي الذي يصل إلى 973,25 ملياراً، هو ما يمكن أن نطلق عليه الموازنة الحقيقية، والبحث في جدوى إنفاقه، واستهداف هذا الدعم للفئات المستحقة. تناقص الدعم الاجتماعي في موازنة 2016 بمبلغ 10,25 مليارات ليرة، إذ كان في موازنة العام الجاري 983,5 مليار ليرة، هذا المبلغ سيسدده المواطن من جيبه، وجاء نتيجة لجملة الإجراءات غير الشعبية التي انتهجتها الحكومة العام الجاري، والمتعلقة بزيادة أسعار المحروقات والسكر والرز والدقيق التمويني والخبز، فضلاً عن أسعار الطاقة الكهربائية ومياه الشرب، تحت مسمى إعادة هيكلة الشرائح. وبمقارنة بسيطة نرى أن دعم الطاقة الكهربائية انخفض في موازنة 2016 مقارنة بالعام الجاري بمقدار 87 مليار ليرة، وهو الرقم التقديري للإجراء الذي اتخذته وزارة الكهرباء في أيلول الماضي بدمج بعض الشرائح المتعلقة بفواتير الكهرباء. وحدد مبلغ دعم في موازنة 2016 للدقيق التمويني والسكر والرز ب 170 ملياراً مقابل 195 ملياراً في موازنة العام الجاري، بفارق 25 مليار ليرة، نتيجة رفع أسعار هذه المواد مؤخراً. فيما خصص مبلغ 10 مليارات ليرة لصندوق المعونة الاجتماعية، إلا أنه لم يصرف منذ عامين، وورد ذكره في موازنة ،2016 ما يعكس وجود أرقام وهمية وضعت في الموازنة، دون أن تكون لدى الحكومة الرغبة لإنفاقها، بهدف رفع وتضخيم الأرقام، وتعظيمها، فيما هي جوفاء.

ما يلفت الانتباه أن لجنة الموازنة في مجلس الشعب سجلت 350 ملاحظة وتوصية ومقترحاً، على مشروع الموازنة، وهو الرقم ذاته تقريباً في موازنة العام الجاري، بمعنى أن الحكومة ذاتها التي وضعت موازنتي العامين الجاري والقادم، لم تستفد من ملاحظات لجنة الموازنة في مجلس الشعب، ووضعت موازنة متطابقة للعام الجاري بدليل ورود الملاحظات ذاتها من اللجنة ذاتها. إنه المنطق الحكومي الذي لا نجد له مثيلاً، الذي يُفهم منه، أن الحكومة تعتبر نفسها على صواب دائم، وما تبقّى من قوى على خطأ دائم. صدرت موازنة ،2016 ويبدأ العمل بها مطلع العام القادم، لكنها موازنة تعبر عن واضعيها، وهذا بحد ذاته لا يدعو إلى التفاؤل، فتجربتنا الاقتصادية، مع هذه الحكومة، لا تبعث على الأمل.

المصدر: صحيفة "النور" المحلية

تعليقات الزوار
  1. تعليقك
  2. أخبرنا قليلاً عن نفسك