الاقتصاد اليوم ـ تغطية شاملة للأخبار الاقتصادية على مدار اليوم

 

بين مجلسي الشعب والوزراء..ضياع حقوق المـواطن

الاقتصاد اليوم:

يضيّع مجلس الشعب، في مناقشة أداء الوزارات، الوقت،  ويهدر الزمن، في ترك القضايا الأساسية، التي تمس حيوات الناس المعيشية، ويناقش ماذا أنجزت هذه الوزارة، وماذا فعلت تلك؟ إذ تفتقد هذه المناقشات أهميتها القصوى، وضرورتها المرحلية، لغياب النتائج المرجوة منها، ولعدم قدرة أعضاء المجلس على ممارسة دور إقناعي بالدرجة الأولى على أعضاء الحكومة، وفشلهم في التدليل الحقيقي على التقصير الحكومي، وتراجع الأداء، وضعف تنفيذ الخطط.

كما يقاس بالمسطرة ذاتها، حالة اللامبالاة المعهودة للوزراء تجاه القضايا المطروحة في المجلس الأهم، ودفاعهم المستميت بلا جدوى، في كثير من الأحيان، عن القضية الخاسرة المتعلقة بالتقصير في العمل. وإذا كان من حق أعضاء المجلسين _ الشعب والوزراء _ الظهور في وسائل الإعلام، وتظهير العلاقة الشكلية المتينة بينهما، فمن باب أولى رسم حدود فاصلة، بين الوزير وعضو مجلس الشعب، ليمارس كل واحد منهما دوره، ويقوم بواجباته. هذا فضلاً عن وجود وزراء هم بالأساس أعضاء في مجلس الشعب، أو أعضاء في المجلس هم من القيادات السياسية في البلاد، التي تضع نفسها في موقف الدفاع عن الحكومة.

لا يوجد ما يحتاج إلى التقييم في أداء الحكومة، هذه هي النتيجة المُستخلصة من كل النقاشات التي يستمر مجلس الشعب فيها، فالخطابات الرنانة، والعبارات المنتقاة بعناية، تتكسر على صخرة صمود حكومي أسطوري المنشأ، رافض لكل الطروح، وينسف كل المواقف البرلمانية، المبنية أساساً على مشاهدات، وشكاوى، ومتابعات. لم يعترف، أو يقر وزير بالتقصير، ولم يقدم أحد منهم ما يقنع الناس، تجاه الفشل في تحسين تقديم الخدمات، وردم الفجوة المعيشية، وضبط صارم لأسعار الصرف.

كما لم يرَ وزير أكثر مما يريد هو الرؤية من نافذته الخاصة، ولم ينفتح بشفافية وصراحة على الانتقادات اللاذعة التي سمعها في المجلس. فكل الطروح المقدمة وجدت الحكومة ممراً لها في مجال أيديولوجيا التبرير، ومواقف التحالف المصلحي ـ النفعي الذي يربط كلا الجانبين. رب سؤال يراه الجميع ملحاً: هل ثمة قيمة مضافة من هذه النقاشات؟ بلا شك، هناك قيمة مضافة، وإن كانت بالحدود الدنيا، ومن المطلوب أن يبقى مجلس الشعب على موقفه، ويمارس دوره الرقابي، لكن ألا يعتقد أعضاء المجلسين، وقادة السلطتين، التشريعية والتنفيذية، جناحي الأداء العام، أن ما يقومان به، بلا طائل؟ ماذا تختلف هذه الجلسات عن سابقاتها؟ ألم يقم أعضاء المجلس بتوجيه الانتقادات، والإطراءات، تجاه أداء هذه الوزارة دون غيرها؟ يبدو أن العلاقة بين أعضاء المجلسين، متينة، وقوية، ولا يمكن فصل عراها، استناداً إلى حالة الاستحواذ السياسي والحزبي الموجودة، وهذا ما يعطي الانطباع العام، بأن سقف الانتقاد الموجود الآن تحت قبة مجلس الشعب، لا يتجاوز حالة الرضا الحكومي عن أداء أعضاء مجلس الشعب، الذين رغم وجود من لديه الرغبة في التقييم الحقيقي، إلا أن السياق العام لا يسمح بتجاوز حدود النقد ليكون نقداً فعالاً وذا تأثير.

يعيش أعضاء مجلس الشعب والحكومة، حالة من الترف والاسترخاء، لا تبدو الموضوعات ملحة، ولا يوجد ما يستدعي التعجيل في معالجة قضية مُعنِّدة، يئن المواطنون من آثارها. فهؤلاء ينتقدون، وأولئك يدافعون، وتنتهي القضايا عند حدود، هذا رأيك، وهذا موقفي. لا توجد معادلة ولا معايير للتقييم، ولا يطرح أعضاء مجلس الشعب ما يحرج الحكومة، التي بالفعل لا يمكن إحراجها، مادامت العلاقة بين الجهتين، محكومة بقطار المصالح.

هل دفاع وزير التجارة الداخلية يؤدي إلى إقناعنا، للقبول بالغلاء المستحكم؟ وكذا الدفاع عن فاسدي دوريات حماية المستهلك؟ وبالمسطرة ذاتها تقاس الأمور، فوزارة التربية أبدت تقصيراً بخصوص زيادة عدد الطلاب في الشعبة الصفية الواحدة، لكنها مازالت تخاطبنا بتفاخر لاستمرار قدرتها على انطلاق العام الدراسي وانتظام الدوام؟ وزارتا الكهرباء والنفط، اللتين أوقفتا التراشق الاعلامي غير المباشر، لن يضيرهما ما يطرحه أعضاء المجلس، ولن يجيب وزير الكهرباء عن أسباب الفشل الذريع في برامج التقنين؟ لا يهم المواطن ساعات التقنين الطويلة، بقدر اهتمامه بتحقيق العدالة في التقنين.

ولن يخرج وزير الكهرباء عن واقع وجود أزمة، والتلميح إلى وجود خلل، لكنه سيكون صارماً في رفض توجيه تهمة التقصير لكوادر الوزارة وأدائها. لم يعد إنجازاً أن تأتي الكهرباء مصادفة، لكنه إنجاز حقيقي عندما تتمكن الوزارة المذكورة من إدارة الملفات بدقة وشفافية وعدالة. ولا يختلف الأمر عن بقية الوزارات، لاسيما منها وزارات الاقتصاد والموارد المائية والأشغال العامة والاتصالات والنقل...الخ، كلها وزارات تهرب من مواجهة الواقع، وتقفز إلى الأمام، وتضع عناوين للمرحلة القادمة، وتبني خططاً مثيرة للتساؤل. المشكلة الأساس أن أغلب ردود الأفعال الشعبية على ما تقدمه الحكومة سلبي للغاية، فيما رمي الحكومة الكرة في ملعب الأزمة الراهنة، هو جزء ظاهر من جبل التقصير العائم. ليس مهماً تسجيل النقاط على الحكومة، بل أن تأخذ الحكومة بالحسبان، هذه النقاط، وتجدول مهماتها، وتضع إطاراً زمنياً لما تريد تنفيذه، كما على أعضاء مجلس الشعب أن يخبرونا، عن شعورهم المرير لحظة اعتلاء وزير ما، منبر الدفاع عن وزارته وأدائها، وينفي ما ورد في مداخلاتهم؟ إنها الحالة المثلى لهدر حقوق المواطن، بين مجلسين يفترض بهما الدفاع عن هذه الحقوق.

ثامر قرقوط

المصدر: صحيفة "النور" المحلية

تعليقات الزوار
  1. تعليقك
  2. أخبرنا قليلاً عن نفسك