الاقتصاد اليوم ـ تغطية شاملة للأخبار الاقتصادية على مدار اليوم

 

تقرير: 60 بالمئة من الشبكة الخلوية خارج الخدمة...والإيرادات تنمو!

الاقتصاد اليوم ـ صحف:

مرّ مشروع تحويل عقد الشركتين المشغلتين لمشروع الخلوي، في سوريا، من نظام الـ»B.O.T» إلى نظام «الرخصة» بنحو هادئ وسريع. لكن، على خلاف الدراسات السابقة التي وعدت المستهلك بخفوضات ومزايا عديدة إن تغيّر نظام الاستثمار، فإن الأولوية اليوم، كما تراها الحكومة، هي لاستمرار الخدمة، وتدفّق الإيرادات في آن واحد.

مع بداية العام الحالي تخلّت الحكومة السورية، وشركتا الخلوي، عن الاتفاق السابق، القاضي باستثمار خدمة الاتصالات الخلوية وفق نظام الـ»B.O.T»، ليحلّ مكانه نظام «الرخصة»، حيث حصلت الشركتان على عقد يخوّلهما تقديم الخدمة لمدة عشرين عاماً.

ما كان يفرض سابقاً على الحكومة تريثاً و»دستة» مبررات اقتصادية عند طرحه للنقاش، جاءت الأزمة لتفك كل عقده المستعصية، وتلغي «حساسيته المرهفة».

فمشروع تحويل استثمار خدمة الاتصالات الخلوية من نظام الـ»B.O.T» إلى نظام «الرخصة» أصبح، وفق تقويم الحكومة، ضرورة تفرضها الحرب، لاستمرار تقديم الخدمة، والمحافظة على ما تحصل عليه الخزينة العامة من إيرادات تمثّل، اليوم، مورداً حيوياً، بعد خروج حقول النفط عن السيطرة، وتوقف معظم المنشآت الاقتصادية عن العمل.

ينصّ الاتفاق الجديد على منح شركتي «سيرياتل وأم تي أن» رخصة لتقديم خدمة الاتصالات الخلوية لمدة عشرين عاماً، تبدأ في الأوّل من كانون الثاني 2015، وتنتهي في 31 كانون الأول 2034، مقابل تسديد كل شركة للحكومة مبلغاً قدره 25 مليار ليرة، بدل الترخيص الابتدائي، وتحويل نسبة من الإيرادات السنوية لكلتا الشركتين إلى الخزينة العامة طوال مدة الترخيص، وذلك وفق الآتي: 50% من الإيرادات خلال العام الأول 2015، 30% من الإيرادات عن عامي 2016 و2017، و20% من الإيرادات عن الأعوام الممتدة من 2018 ولغاية 2034.

الاتفاق، وإن كان قد أثار انتقادات ومواقف متباينة، بين مؤيد ومعارض له، ولا سيما في ظلّ الأجواء الضبابية التي أقرّ فيها، إلا أن مرور ثمانية أشهر على دخوله حيز التنفيذ، وما شهدته البلاد من تطورات ميدانية عاصفة، جعلا المسؤولين الحكوميين «مطمئنين إلى صوابية هذه الخطوة»، ودعم الشركتين. وتبلور هذا التوجه بالموافقة على رفع تعرفة المكالمات الخلوية، رغم قصر الفترة الزمنية التي مضت على منح الشركتين رخصة العمل. وبحسب مصدر خاص في وزارة الاتصالات والتقانة، فإنّ «سيطرة المجموعات المسلحة على أجزاء واسعة من محافظة إدلب، ومدينة تدمر، أدّى إلى ارتفاع نسبة أجزاء الشبكة التي أصبحت خارج الخدمة، لتصل إلى 60%»، متسائلاً عن «الشركة التي ستتوجه للاستثمار في قطاع يتعرّض يومياً للتخريب والتدمير والسرقة». ويضيف المصدر أنّ «الواقع الحالي فرض نفسه حتى على الخيارات المتاحة لإدخال المشغّل الثالث، فالاتجاه السائد حالياً يتمثل في إحداث شراكة بين مؤسسة الاتصالات السورية، وشركة اتصالات خلوية من إحدى الدول الصديقة».

من جهتها، تصنّف شركتا الخلوي خسائرهما في ملفّين: الأوّل يتعلّق بأعمال التخريب والتدمير والنهب التي تعرّضت لها منشآت الشركتين، ومحطات وأبراج الشبكة، وتقديراتهما تشير إلى خروج 60% من منظومة الشبكة خارج الخدمة. فمثلاً من بين مئات المحطات التي كانت قائمة في محافظة حلب، لم يبق اليوم سوى 10% في الخدمة، الأمر الذي يجعل من البيانات التي نشرتها الحكومة سابقاً، وقدّرت فيها أضرار شبكة الخلوي بأكثر من 200 مليار ليرة، تجد قبولاً ورواجاً بين بعض المهتمين.

الملف الثاني يتمثل في النفقات التشغيلية والاستثمارية للشركتين، والتي زادت بنسب متفاوتة بينهما. فمثلاً تؤكد شركة «mtn» أن انخفاض سعر صرف الليرة السورية ضاعف المصاريف التشغيلية بنحو 400%، كذلك كان للتضخم الناتج من الأزمة انعكاس سلبي على إيجارات العقارات، التي كانت في عام 2010 لا تتجاوز بدلاتها في الشركة المذكورة نحو 763 مليون ليرة، فيما يتوقع أن تصل إلى 2 مليار ليرة مع نهاية العام الحالي، إضافة إلى نفقات أخرى.

وهذا ما يوضحه وزير الصناعة السابق، الدكتور محمد غسان طيارة، بقوله: «إنّ تحديد القيمة الشرائية للإيرادات يجري مقارنة مع سعر الدولار، يضاف إلى ذلك أنّ الشركات، بشكل عام، تعمد عند تحديد الكلفة الجديدة للخدمة، إلى إضافة نسبة مخاطرة، قد تحدث بسبب بعض التقلبات في طريقة تقويم القيمة الشرائية للأرباح، مثل الدولار، أو زيادة على أسعار احتياجات الشركتين من بعض المنتجات، كأسعار المحروقات أو الكهرباء، وما يتبع ذلك من زيادة في أسعار الشحن، ورفع أجور العاملين لديها، وغيره».

إيرادات أكثر

على خلاف ما كان متوقعاً، تظهر البيانات المالية الأخيرة، للشركتين، زيادة واضحة في إيرادات الشركتين، مقارنة بفترة ما قبل الأزمة. وهذا عائد إلى سببين أساسيين: الأوّل، زيادة تعرفة الخدمات المقدّمة من قبل الشركتين. فقد زيدت مثلاً تعرفة المكالمات الخلوية مرّتين؛ والسبب الثاني، هو في الاتجاه المتزايد للاعتماد على خدمة الاتصالات الخلوية خلال فترة الأزمة، نتيجة فقدان خدمة الاتصالات الثابتة في بعض المناطق، ونزوح ما يقارب 7 ملايين مواطن، وتمركزهم في مناطق سيطرة الدولة. إذ وفق البيانات المالية، للربع الأوّل من العام الحالي، فإنّ صافي إيرادات شركة «سيرياتل» بلغ نحو 18.636 مليار ليرة، حصلت منها الحكومة على 8.992 مليارات ليرة، وبصافي ربح استثنائي، وصل إلى 8.554 مليارات ليرة، كان من بينها 5.476 مليارات ليرة استرداد مخصّصات سابقة. أمّا بيانات شركة «أم تي ان»، للفترة نفسها، فتشير إلى تحقيق إيرادات بلغت قيمتها نحو 12.514 مليار ليرة، كانت حصة الحكومة منها نحو 5.981 مليارات ليرة. غير أنّ المفاجأة هي في أنّ نتائج أعمال الشركة تؤكّد تحقيقها خسارة صافية قدرها 808.995 ملايين ليرة.

وتأكيداً للخلاصة السابقة، يمكن العودة إلى البيانات المالية لفترة ما قبل الأزمة. فخلال الربع الأول من عام 2010 كانت إيرادات شركة «سيريتل» تبلغ نحو 12.243 مليار ليرة، وربحها الصافي يصل إلى 1.673 مليار ليرة، أما إيرادات شركة «أم تي ان»، خلال الفترة نفسها، فبلغت نحو 9.932 مليارات ليرة، فيما لم يتجاوز ربحها الصافي أكثر من 942.537 مليون ليرة.
في مواجهة إصرار الحكومة على المحافظة على إيراداتها المتحققة من مشروع الخلوي، ورغبة الشركتين في تعويض الارتفاع الحاصل في نفقاتهما التشغيلية، وخسائرهما جرّاء الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية للشبكة، يشكو المواطن السوريّ اليوم ثقل فاتورة هاتفه الخلوي، قياساً إلى دخله الثابت كموظف في الدولة، أو دخله المتغيّر سلباً كعامل في القطاع الخاص. وهي شكوى بدأت تحاول رسم ملامح تعبير عن وجودها، عبر دعوات إلى مقاطعة استخدام الهاتف الخلوي في بعض الأوقات، وخفض أسعار الخدمات المقدمة.

لا يفصل وزير الصناعة السابق زيادة تعرفة خدمات الاتصالات الخلوية عن السياق العام، الذي تجري في إطاره زيادة أسعار مختلف السلع والخدمات، «فمؤشر كل سلسلة من زيادة سعر أي مادة، أو خدمة، يختلف بحسب ضرورة هذه المادة أو الخدمة. ولعلّ رفع أسعار المشتقات النفطية له التأثير الأكبر على ارتفاع أسعار جميع المواد والخدمات». وفي حديثه لـ»الأخبار» يحلل طيارة موقف طرفي العلاقة في زيادة الأسعار، «فمفهوم صاحب الدخل المحدود لزيادة الأسعار يختلف مع مفهوم الشركات، والحكومة أيضاً. فعندما يُرفَع سعر مادة أو خدمة ما، يضطر صاحب الدخل المحدود إلى خفض استهلاكه للمادة التي ارتفع سعرها، أو تخفيف الاستفادة من عدد من الخدمات الضرورية لحياته. أمّا أصحاب الشركات، والحكومة أحياناً، فينحصر تفكيرهم في المحافظة على القيمة الشرائية لمداخيلهم. فإصلاح أي ضرر في البنية التحتية، أو زيادة تكاليف التشغيل والرواتب والأجور، يعني تقليص حجم الأرباح، وبالتالي القيمة الشرائية لهذه الأرباح، ولتعويض، ليس مبلغ الأرباح فقط، بل الإبقاء على القيمة الشرائية لأرباحهم، يعمدون إلى رفع قيمة الخدمة التي يقدمونها، والمقصود هنا شركتا تشغيل الخلوي».

زياد غصن

المصدر: صحيفة "الأخبار" اللبنانية

تعليقات الزوار
  1. تعليقك
  2. أخبرنا قليلاً عن نفسك