الاقتصاد اليوم ـ تغطية شاملة للأخبار الاقتصادية على مدار اليوم

 

تقرير: فوضى التعيينات الإدارية.. و(المأسسة) في خبر كان

الاقتصاد اليوم:

على ضفتي القطاعين العام والخاص، تبدو "المأسسة" حالة نادرة لاسيما في القطاع العام، الذي بالرغم من توفيره للخدمات في غالب الحياة الاقتصادية في البلاد، إلا أنه ما زال أشبه بـ"جمعيات خيرية" في الكثير من جوانبه، طالما أن التخصص والاستفادة من التخصصات ما زال حالة غير بارزة.

أما في القطاع الخاص، والذي "يهمه مصلحته" في معظم الأوقات، فإن الاختصاصات، هي أمور تنفع في زيادة معدلات الأرباح، لذلك فإن الخبرات غير المختصة أكاديميا تفي بهذا الغرض مع زيادة أكبر في المعدلات الربحية، لكن المأسسة تبدو حالة أكثر تنظيما هناك نوعا ما.

تؤكد مصادر وثيقة في وزارة الثقافة، أن من بين مئات المتقدمين للمسابقة الأخيرة للحصول على وظائف في الوزارة، هنالك حوالي 400 متقدم من حملة الإجازة الجامعية بتخصص الإعلام من كلية الآداب.

وبحسب المصادر التي احتكت بالمتقدمين بما فيهم خريجي الإعلام، فإن هؤلاء الأخيرين جاؤوا ليضربوا "هالطينة بهالعجينة" وإلا فإن سوق العمل أيا كان نوع العمل وصولا حتى، إلى "العمل بالفاعل"، لأن البطالة هدرت ماء وجه الشبان، طبعا؛ ذلك إلى جانب عدم ثقة الغالبية بأن تلك "الطينة" ستلزق أو تعلّم على أقل تقدير، لأن الأمر يتطلب "دفشات" الواسطة.

لكن المثير في هذا الأمر، هو ما الذي جعل خريجي الإعلام أؤلئك يتقدمون للعمل في جهة لا تشترك مع اختصاصهم إلا في التسمية، كحاجة الإعلام إلى ثقافة بطبيعة الحال، على الرغم مما يقال عن أن "سوق الإعلام ماشي".

أوراق مخلوطة

وعلى المقلب الآخر، التقت شبكة عاجل الإخبارية بعدد من العاملين في القطاع الإعلامي، من حملة الإجازات الجامعية غير المختصة بهذا القطاع، فكان اللافت من خلال أحد الزملاء أنه يحمل إجازة في علم الاجتماع، حيث يوضح أن عمله هنا يأتي لأن علم الاجتماع، الذي يعتبر واحدا من أهم العلوم في الدول المتقدمة، لا مستقبل له على الإطلاق، ونهايته ستودي بخريجه إلى مكتبة في إحدى المؤسسات الثقافية، أو إلى مكتب روتيني مهمته ترتيب الأوراق والملفات على الصفوف الخشبية في مؤسسة رسمية، أما في القطاع الخاص فليس له أي مجال.

المشكلة الأقصى، يتفرغ منهاج السنة الأولى في علم الاجتماع بشكل شبه كلي، للبحث في تداخل هذا العلم مع مختلف العلوم، حتى في عالم الصحفة، يظهر هذا العلم مهما في دراسة الرأي العام وقياس رجع الصدى وسبر كيفية التأثير في الجمهور بشكل موسع عما هو معتمد في منهاج الإعلام، ما يعني أن عودة الخريج إلى اختصاصه، رغم "اغترابه" في قطاع آخر، ممكنة، ولكن، المأسسة لو أنها كانت قائمة بحسب ما ينبغي أن تكون، لتحقق ذلك فعلا مع ما يرجع ذلك على المؤسسة من عائدات ربحية في كسب الجمهور، مثلا.

حقوقي بالاسم فقط

ببساطة، يجلس أبو شمعون أمام أي سؤال صحفي للإجابة، وربما يجيبك بسؤال خلال الدردشة وجها لوجها: ما الذي تريدني أن أقوله بعد؟!.

وأبو شمعون هو خريج كلية الحقوق، وموظف بعقد سنوي في وزارة الإدارة المحلية، لكن هيئته لا توحي على الإطلاق بتخصصه، فهموم الدنيا أنسته "الحليب الذي رضعه" في أروقة الكلية القانونية ذات التاريخ والباع الطويل.

ويروي أبو شمعون الذي يقطن حي التضامن بدمشق، أن عمله في الوزارة لا علاقة له من قريب أو بعيد بالجانب الحقوقي، ولم يسبق وأن سنحت له فرصة لإثبات نفسه من خلال اختصاصه الأكاديمي، ويقوم بأداء الأعمال الروتينية، أما عن عمله كمحامي فذلك يحتاج إلى ماديات جيدة لبدء العمل باختصاصه، وهو ما ليس بمتناول يده ولا حتى على المدى المنظور، ليترك شهادته الجامعية تكسد بين أوراق الذكريات.

وظيفة في اليد ولا عشر طموحات ع الشجرة

في جميع الحالات السابقة، يكون الجواب واحدا، في أن الوظيفة الرسمية هي أمان فعلي، وإن كانت خارج نطاق الاختصاص الأكاديمي الشخصي، طالما أن المرتب المادي مؤكد لدى نهاية كل شهر أيا كانت القيمة.

ولم تظهر لدى الأشخاص في تلك العينات، أي آلام واضحة لضياع الطموحات التي كانت قائمة لديهم في فترة الدراسة الثانوية والاستعداد لدخول المرحلة الجامعية، لأن الهموم المعاشية طمرت بالفعل تلك الطموحات وحولتها إلى أحلام يقظة سابقة، وتدبير الحال أصبح أولى بالتفكير بأي طريقة.

وبالتوازي مع ذلك، تدفن أيضا الاستفادة من الطاقات المؤهلة أكاديميا في جهود بعيدة عنها، تكتفي فقط بمحاولات تأمين العيش، لتصبح هذه الطاقات مجرد أرشيف، يمكن الإفادة منه في النقاشات الحياتية أو لدى تداول الدردشات على هامش الحياة، ما يؤدي في الخلاصة، إلى الضرب في خلايا أي تطوير محتمل، على أنه أيضا، هذا الاحتمال ضعيف تحت أنقاض الروتين المؤسساتي.

لا.. ليست الأزمة

الأزمة المؤسساتية، ليست "بنت" الأزمة التي تمر بها البلاد، بل هي مولودة سابقا وتثبت حضورها بقوة في جميع المجالات، وتنال من طاقات فئة الشباب التي تمثل المكون الأساسي للمجتمع، لذلك فإن أي تعليق على شماعة الأزمة السورية كما درج الحال في الكثير من التبريرات الرسمية، بات صيدا في الماء العكر لا أكثر.

فقبل 2011 كان الروتين والبيروقراطية يُلعّب المأسسة على أصابيعه العشرة، وكانت فوضى التعيينات الإدارية صاحبة كلمة معتبرة في تشكيل المؤسسات، فيما تبتعد عن الغوص في طبيعة الاختصاصات الأكاديمية أو تلك التي تتبع للخبرات، وأي فرصة عمل بالنسبة للعامل تعتبر طاقة رزق يجب أن يقتنصها الفرد حتى ولو لم تكن في مجال قدراته أو خبرته أو دراسته، وإلا فإن قطار الرزق سيفوته.

مع العلم، أن البعض حصّل دراسته الأكاديمية بمحض الصدفة، كعلم الاجتماع مثلا لسبب سهولة الانتساب إليه في المفاضلة الجامعية بالنسبة لأفرع أخرى، بالرغم من أهميته كعلم وتعقيداته العلمية الكبيرة، فيما لعبت الصدفة أدوار رئيسية في توظيف من انهمكوا في اكتساب خبرات في مجالات مغايرة لما يقومون به في الوقت الحالي.

والمصيبة، أن تكون الأسباب في تشكيل المؤسسات تقوم على تجميع الطاقات أيا كانت ماهيتها، والبدء بالانتاج على طريقة "فتت لعبت".

المصدر: موقع "عاجل"

تعليقات الزوار
  1. تعليقك
  2. أخبرنا قليلاً عن نفسك