الاقتصاد اليوم ـ تغطية شاملة للأخبار الاقتصادية على مدار اليوم

 

تقرير: ما بعد حريق العصرونية ..ترميم خاطئ وسرقات وكثير من العبث!

الاقتصاد اليوم:

آلاف من السوريين تتبعوا لأكثر من 9 ساعات تفاصيل الحريق الذي أتى على أجزاء من سوق العصرونية في ذلك اليوم الطويل، لكن قلة قليلة منهم لا زالت مهتمة بأحوال التجار المتضررين وأصحاب المحلات التي التهمتها النار، رغم كثرة التساؤلات التي أثيرت عن أسباب الحريق يومها، وهو ما تجاهلته مختلف الجهات لاحقاً.

زيارة السوق الذي بدأ عدد من التجار ترميم محلاتهم فيه، كلٌ على حدة ومن جيبه الخاص، تكشف الكثير، فهم لم يحصلوا حتى اليوم على ليرة واحدة من غرفة تجارة دمشق التي كانت أنشأت صندوقاً للتبرع لهم بعد الحادثة مباشرة، مع أنها التقت بهم مرات عديدة وكررت وعودها بالمساعدة، لكن يبدو أن شيئاً من الفوضوية وعدم الوضوح يرافق ما يجري على أرض الواقع بين التجار وغرفة تجارة دمشق من جهة، ومحافظة دمشق من جهة أخرى، فأصحاب المحلات يشتكون، والجهات الرسمية تؤكد قيامها بمسؤولياتها، وهكذا دواليك دون وجود صيغة معلنة ومفهومة يمكن الاستناد عليها

في السوق يتحدث إلينا أصحاب المحلات دون ذكر أسمائهم خوفاً من أن تتسبب “الفضفضة” بإشكاليات لاحقة، عدا أنهم اعتادوا زيارة الصحفيين خلال الفترة الماضية دون نتائج فعلية. ويشرح أحدهم: “لدي أسرة أطعمها لذلك لا يمكن لي الانتظار أكثر حتى أعود لعملي، فقررت البدء بالترميم قدر استطاعتي لكنني بحاجة للمساعدة في ظرف الحرب الحالية وغلاء الأسعار الذي يعرفه الجميع”.

 ويصارحنا آخر بأن البعض من أصحاب المحلات يعملون بطريقة خاطئة ربما تتسبب بانهيارات في المستقبل، وهي كارثة حقيقية فيما لو ثبت ذلك. ويقترح بعض التجار لتسهيل سير العمل تأمين مولدة كهربائية لإتمام أعمال البناء واختصار الزمن بسبب ساعات التقنين الطويلة والمساعدة في تعويض عدادات المياه والكهرباء عوضاً عن إعادة شراء عدادات جديدة، وهذا مرهون بدعم غرفة التجارة.

يقول صاحب محل أيضاً: “كنت موجوداً أثناء الحريق، وشكرت الله بأن جزء من الأعمدة والبضاعة ما زال موجوداً، لكنني فوجئت حين عدت في اليوم الثاني بأن كل ذلك اختفى وتم ترحيله من قبل آليات المحافظة، ولست وحدي من تعرض لهذه الصفعة، فما نجا من النار، تمت سرقته لاحقاً”.

ولا تنتهي القصة هنا، يحدثنا أحد المتضررين عن إشكالية أكبر: “مديرية الآثار تفترض أن السوق أثري، لذلك طلبوا منا إعادة الأعمدة الحجرية إلى ما كانت عليه قبل الحريق، وهو أمر مستحيل لأننا لسنا حكومة مستقلة، وكما هو معلوم الأحجار تم ترحيلها مع الأنقاض، حتى أن بعض الأعمدة كانت لا تزال واقفة، لكن المحافظة قامت بهدها وترحيلها أيضاً!”.

ما سبق ليس سراً، حتى أن أحد المتضررين والمتطوع لمتابعة الإشراف على ترميم جزء من السوق “بشير الدرويش” أكد لنا أن التنسيق مستمر مع غرفة تجارة دمشق التي لم تتراجع عن رغبتها بمساعدة التجار المتضررين في العصرونية، عبر صندوق مخصص لدعمهم، ولدى التجار قائمة توضح أسماء المتضررين والمبالغ التي دفعها كل منهم حتى اليوم للترميم.

وأضاف: “في اجتماع سابق مع محافظ دمشق تمنى علينا الإسراع بإعادة البناء مع ضرورة توفير شروط الأمان والسلامة، وأكد أيضاً على أهمية شكل السوق وواجهات المحلات علماً أن المحافظة زودتنا بمخطط تفصيلي للسوق ونعمل لإعادة نفس الشكل السابق أما بالنسبة للبنك العثماني الأثري في العصرونية، فقد توقفت عملية ترميمه بانتظار دراسة إنشائية له حيث انهار عدد من جدرانه أثناء العمل”.

في غرفة تجارة دمشق، رأي آخر، ففي تصريحات سابقة لها أشارت إلى أن آلية تعويض متضرري سوق العصرونية غير واضحة المعالم بسبب غياب جهة حيادية قادرة على تقديم قائمة تحدد من خلالها حجم الأضرار بشكل عام، وحجم الضرر الذي أصاب كل محل على حدة وقيمة التعويض المناسبة له، مع خلاف في وجهات النظر بين أصحاب السوق ذاتهم حول اعتماد نوعية مواد البناء.

حتى إنه في حديثه معنا، يستغرب رئيس "غرفة تجارة دمشق" "غسان القلاع" ادعاء البعض بأن الغرفة تأخرت بدعم التجار المتضررين، فهي لم تحدد أو تعلن عن تاريخ لذلك أصلاً، إضافة إلى أن التبرعات للصندوق الخاص بالعصرونية لا زالت مستمرة، وهي حتى اليوم حوالي 20 مليون ليرة سورية، مبيناً أن الدعم سيأتي عن طريق شراء مواد بناء من حديد واسمنت ورمل وبلوك وآجر وغيرها بموجب فواتير ووثائق، وتبعاً لكشوف تبين احتياجات التجار وأصحاب المحلات.

وفي مديرية دمشق القديمة/ "محافظة دمشق"، يتكرر الرفض لما تحدث عنه التجار أيضاً، حيث أكد المهندس طارق نحاس أن الحريق امتد إلى 105 محلات وتفاوت الضرر بين كلي أو جزئي، وقد قامت آليات المحافظة بفتح الطرقات في السوق، وساعدت التجار بناءً على طلبهم وبحضورهم بإزالة الأنقاض من المحلات، واستمر ذلك لمدة شهر كامل حتى يمكن لهم إعادة البناء من جديد، إضافة إلى ما يسمى رخصة “إصلاح طارئ” والتي كانت تُعطى للتاجر في يوم واحد لإعادة الوضع إلى ما كان عليه وإمكانية البدء بالترميم.

وحتى يتماهى شكل السوق مع النسيج العمراني لمدينة دمشق القديمة، قدمت للتجار مخططات لواجهات محلاتهم، ليتم التقيد بها حتى لو كان الترميم يتم بشكل خاص ومنفرد، بعيداً عن استخدام الحجر الصناعي كونه لا يتناسب مع البناء في دمشق القديمة، مع إشرافها المباشر على إعادة الترميم إضافة إلى تعهدها بكل ما يتعلق بالبنى التحتية من اتصالات وكهرباء وماء وصرف صحي، فكيف يتهمها أولئك بالسرقة أو العرقلة؟!.

يضيف نحاس:”كل ما تم ترحيله موجود في مقلب قريب من سوق الهال القديم، وقلنا للتجار أنه يمكن لمن يريد الحصول على حجر أو حديد أخذه من هناك، ولن نسمح بأية مخالفات في البناء، وهذا ما حصل في البنك الأثري، حيث تعرض لتدعيم خاطئ وعشوائي لذلك طلبنا إحضار دراسة تدعيمية إنشائية مصدقة من نقابة المهندسين لضمان الترميم الصحيح والحفاظ على حياة الأشخاص في السوق والمحلات الملاصقة”.

هكذا يستمر الترميم في سوق العصرونية وفق ما سبق من شكوى واتهامات ورفض، ولا يبدو أن حلاً قريباً سينهي تلك الإشكاليات، ولا سيما أن غيابه أو تغييبه فرصة لكثير من العبث.

المصدر: هاشتاغ سيريا

تعليقات الزوار
  1. تعليقك
  2. أخبرنا قليلاً عن نفسك