ثلاثة أيام في طهران..!
الاقتصاد اليوم:
لا تبدو طهران عشية أداء الرئيس حسن روحاني اليمين الدستورية لولاية رئاسية ثانية قلقة.
كل شيء يوحي بالاطمئنان لدى القادة الإيرانيين، وإن كان ممزوجاً بالحذر، سواء لجهة الاستعدادات المتخذة لتأمين مشاركة وفود تمثل ما يزيد على 105 دول وجهات إقليمية ودولية في مراسم "تنصيب" الرئيس روحاني، أو لجهة التطورات الإقليمية والدولية، وعودة مؤشرات الصدام مع بعض الدول المناهضة "تاريخياً" لإيران.
*كل المؤشرات مريحة
طوال الأيام الثلاثة، وهي مدة الزيارة الرسمية لرئيس الحكومة المهندس عماد خميس، والذي مثّل فيها الرئيس بشار الأسد في حضور المراسم، كانت الإجراءات الأمنية طاغية في كل التفاصيل المتعلقة بزيارة الوفود وبرنامج تحركاتها، إلّا أن تلك الإجراءات لم تكن مسكونة بالخوف من شيء ما، بدليل السيارات والدراجات النارية التي كانت أحياناً تقترب بعفوية من مواكب الضيوف، فضلاً عن الحياة الطبيعية التي تعيشها شوارع طهران المزدحمة بالمارة والسيارات، مع طغيان واضح للدراجات النارية على ذلك المشهد.
وحسب الدكتور عدنان محمود، السفير السوري في طهران، فإن تلك الإجراءات تبدو طبيعية بعد الهجوم الإرهابي الذي تعرض له مجلس الشورى، والذي كان سيستضيف في الخامس من آب مراسم أداء اليمين الدستورية، مشيراً إلى أن عدد الدول المشاركة في تنصيب روحاني خلال الولاية الرئاسية الثانية لم يكن يتجاوز 47 دولة وجهة.
في اللقاءات الثلاثة التي عقدها المهندس خميس مع المسؤولين الإيرانيين، ليس ثمة ما يوحي بقلق إيراني من التطورات التي تتوالى على الساحتين الإقليمية والدولية، لا بل يمكن القول إن هناك ارتياحاً كبيراً ترتسم ملامحه بوضوح على وجوه المسؤولين الإيرانيين وكلماتهم، وهو ارتياح عززه أكثر حديث المهندس خميس من أن العلاقة مع طهران كانت وستبقى بالنسبة لسورية أولوية استراتيجية، وهي إحدى الثوابت الرئيسية في السياسة السورية الخارجية، مشيراً إلى أن ما لم تتخلى عنه القيادة السورية في ذروة الحرب، لن تتخلى عنه اليوم، وهي تحقق مكاسب كبيرة سياسياً وعسكرياً.
بالانتقال إلى الملف السوري، تتعدد مؤشرات التفاؤل ومبررات الارتياح، وإن كان دخول الولايات المتحدة على خط مناطق تخفيف التوتر يثير مخاوف طهران من مشروع أمريكي خبيث يحضر للمنطقة، إلّا أنهم يرون أن تكثيف الحوار والعمل بين طهران ودمشق وموسكو سيكون كفيلاً بالحفاظ على مكاسب الميدان وإفشال ما تخطط له واشنطن، ويستدل الأدميرال علي شمخاني رئيس مجلس الأمن القومي على إمكانية التراجع الأمريكي بالمعلومات المتداولة على إخلاء القوات الأمريكية للقاعدة التي أنشأتها في منطقة التنف، معتبراً أنه "من المؤسف أن الدول الغربية وأمريكا وبعض الدول الرجعية، وبدلاً من محاربة الإرهابيين، تقوم بممارسات مشبوهة في مسار تثبيت الإرهاب وزعزعة الأمن في المنطقة".
أما رئيس مجلس الشورى علي لاريجاني، فإنه في الوقت الذي يرى فيه أن المكاسب التي يحققها الجيش السوري في مواجهة الإرهاب تبعث على الأمل، يتمنى أن تخلص مباحثات أستانا المقبلة إلى نتائج من شأنها استعادة سورية لأمنها واستقرارها على وجه السرعة.
وهذا أيضاً ما أكد عليه نائب رئيس الجمهورية إسحق جهانغيري من أن الحوار السوري- السوري هو السبيل الوحيد لحل الأزمة، مطالباً الدول والحكومات بالوقوف إلى جانب الحكومة السورية في مواجهتها للإرهاب.
باختصار.. يستشف الزائر من كلام المسؤولين الإيرانيين أن بلادهم ستستمر في الذهاب إلى ما لانهاية في دعم المسارين السياسي والعسكري في سورية، سياسياً عبر جبهتي أستانا وجنيف أو أي منبر آخر يجمع السوريين، وعسكرياً في مواجهة المجموعات والتنظيمات الإرهابية والمتطرفة.
في الملفات الأخرى التي تعني القيادة الإيرانية، من موقف الرئيس الأمريكي حيال الاتفاق النووي إلى الحملة التي تشنها واشنطن والرياض وبعض الدول على طهران متهمة إياها بالتدخل في شؤون دول المنطقة، لا يوحي كلام المسؤولين الإيرانيين بأدنى تغيير على السياسة الخارجية لبلادهم، معتبرين أن حضور ممثلين عن 105 دول ومنظمات وجهات إقليمية ودولية ليس إلّا تأكيداً على أن محاولة بعض الدول عزل إيران عبارة عن عمل فاشل، فالموقف لايزال كما هو من الاتفاق النووي، العلاقة مع محيطها الخليجي وواشنطن، القضية الفلسطينية، المشكلة اليمنية.. إلخ
.
*انفتاح اقتصادي أكثر!
هذا الارتياح الإيراني انعكس إيجاباً على المقترحات التي حملها معه المهندس خميس، والهادفة إلى توسيع مجالات التعاون الاقتصادي بين البلدين وتسريع وتيرته، فالدعم الذي أبداه لاريجاني وشمخاني لتنمية العلاقة الاقتصادية بين دمشق وطهران ترجمه جهانغيري بتأييد مقترحات المهندس خميس، من إعادة تفعيل العمل باللجنة العليا المشتركة بين البلدين، إلى تحفيز الشركات الإيرانية الكبرى للاستثمار في سورية، فالعمل على تحضير اتفاقيات تعاون جديدة ليصار إلى التوقيع عليها ووضعها موضع التنفيذ كالاتفاقيات الأربع، التي جرى التوقيع عليها بدية العام الحالي، وهي اليوم قيد التنفيذ.
فضلاً عن توسيع المشاركة في معرض دمشق الدولي، وهنا طلب الجانب الإيراني حجز مزيد من المساحات إلى جانب ما تم حجزه سابقاً، والذي تصل مساحته إلى نحو ألف م2، وهذا طلب أعلن المهندس خميس تلبيته فوراً، ولتوكل مهمة متابعة ما تم التوافق عليه إلى سفيري البلدين، اللذين وصفا بالنشيطين والمتابعين.
في كل اللقاءات، حرص المسؤولون الإيرانيون الثلاثة على إظهار حفاوة خاصة بالضيف السوري، كتعبير على استمرار دفء العلاقة بين البلدين، فاستقبال المهندس خميس ووداعه كانا يتمان غالباً على مقربة من الباب الخارجي لكل مبنى، رغم كثافة المواعيد والزوار.
بين فندق آزادي طهران، حيث كانت إقامة العديد من الوفود المشاركة، ومطار مهر آباد، يسرق جمال الحدائق المترامية على جانبي الطريق أنظار الجميع.
منظر يكاد لا يشغل الزائر عن الاستمتاع به، سوى سؤال تبدو إجابته ليست بقريبة المنال: هل يمكن لبعض دول المنطقة أن تنشغل فعلاً بتجميل حدائقها بدلاً من إشعال النار في حدائق الآخرين؟..
زياد غصن
صحيفة الأيام السورية
تعليقات الزوار
|
|