الاقتصاد اليوم ـ تغطية شاملة للأخبار الاقتصادية على مدار اليوم

 

حافظ على أنفاسك الأخيرة وابتسم : هنا النفوس العامة بدمشق!

الاقتصاد اليوم:

حافظ على أنفاسك الأخيرة منذ اللحظة الأولى لدخولك مبنى النفوس العامة بدمشق الكائن في حي المرجة، حيث تبدأ المأساة التي تشعرك بأنّك ما زلت تعيش خارج حسابات القرن الواحد والعشرين، بل خارج حسابات القرن التاسع عشر إن كنّا منطقيين.

باب مبنى النفوس هو الجدار الفاصل بين حقبتين زمنيتين مختلفتين تماماً، إذ عليك ممارسة نوع من الرياضة تشبه السباحة اللا مائية للوصول إلى ما بعد جهاز التفتيش، الّذي وضع كما لو أنّه لم يوضع (كمالة ديكور)، لتتضح لك رؤية المشهد الّذي يشبه أحد المشاهد الهوليودية والمؤلفة من مئات الممثلين الكومبارس المنتظرين لفرج الله ورحمته.

مئات المواطنين ينتظرون زيارة خفيفة الظل للتيار الكهربائي في ظل ارتفاع لدرجة الحرارة ونسبة الرطوبة في المكان إلى حد أن تشعر أنّك في (ساونا)، لتبدأ هنا مرحلة الغرق بعرقك، الّذي لن يتوقف إلّا إن خرجت من هذا المبنى حيّاً قبل أن تلفظ أنفاسك الأخيرة طبعاً.

زيارة الكهرباء لن تحلّ سوى جزء بسيط من المعضلة، وهو أنّ الطابعات ستعمل للقليل من الوقت ما يعني أنّ مأساة عدد من المواطنين ستنتهي بالحصول على ما جاؤوا من أجل الحصول عليه، في حين لا المراوح تعمل ولا أجواء الـ (ساونا) تتغيّر ما يعني استمرار المأساة لمن سينتظر زيارة الكهرباء التالية والتي قد لا تستمر لأكثر من نصف ساعة.

مديرة النفوس ابتسام زيدان بررت الوضع في هذا المبنى الّذي تديره بأنّه ثمة مشكلة في المولّدة وما على المواطن إلّا انتظار “الفرج من ربه”، فماذا عساها قصدت بذلك الفرج؟؟؟!

أحد المواطنين المتشبثين بدورهم خوفاً من دخول المدعومين ومن في حكمهم إلى طابور الدور، بيّن أنّه جاء منذ الصباح الباكر وما زال ينتظر الكهرباء، مشيراً إلى أنّه حتى إن أتت الكهرباء فإن عدد الموظفين قليل جداً لا يلبي هذا الحشر العظيم من الناس، مقترحاً (إن كان من حق المواطن أن يقترح) أن يزيدوا من عدد موظفيهم والّذين قد يمضون أكثر من 5 دقائق على الهاتف كما حصل أمام أعيننا في زيارتنا يوم أمس للمكان متجاهلاً أنّ الكهرباء كانت تقوم بزيارتها القصيرة رقم 2 أو 3 ما يسمح له بتحقيق حلم عدد من المراجعين.

حافظ على أنفاسك الأخيرة
تعجيز أم تعميق للمأساة؟؟! حافظ على أنفاسك الأخيرة

بحجة الظروف الاستثنائية تقوم بعض مؤسسات الدولة بطلب أوراق يمكن وصفها بالزائدة من النفوس كأحد المواطنين المغتربين، الّذي جاء زيارة إلى وطنه لمدة شهر شاكياً مأساته، إذ لم توافق الهجرة والجوازات على تأشيرة خروج بناته معه إلّا في حين أحضر لهنّ إخراجات قيد فردية وهو ما يثبت أنّهن بناته، وكأنّ ما كتب في هذه البيانات مختلفاً عما كتب في جوازات السفر الصادرة عن الهجرة والجوازات.

يقول هذا المواطن: “بدأت أعدّ الأيام الأخيرة من إجازاتي إذ أتوق للخروج من وطني الّذي جئته مشتاقاً إليه”.

مواطن آخر بلغ من العمر أكثر من 27 عاماً يقول رغم أنّي مؤجل على دفتر خدمة العلم كوحيد حتى العام القادم، طلبوا منّي بيان عائلة يؤكّد وحدتي متحججين بأنّ حالات غش كثيرة جاءت مختومة من نفس الشعبة التي ختمت على تأجيلي الأخير، وبعد انتظار ليوم كامل هنا في النفوس أوضحوا لي أنّي بحاجة إلى دفتر العائلة كي يعطوني بياناً للتجنيد، معتبرين أنّ بيان العائلة الصادر عنهم ذو فرق عن دفتر العائلة وهو أمر لا يمكن فهمه مهما قاموا بشرحه.
ما بعد التوجيهات ! حافظ على أنفاسك الأخيرة

ابتسام زيدان مديرة النفوس الّتي استقبلتنا بابتسامة خجولة بيّنت أن وزير الداخلية على اطلاع بكل ما في هذه المأساة من تفاصيل، موضحة أنّه زار المبنى وأعطى توجيهات عديدة بما يخفف من المأساة هذه، فكيف تراه كان الحال ما قبل توجيهات سيادة الوزير؟؟!

وأوضحت أنّ مشكلة المولدة الكهربائية ليست بالجديدة كونها قديمة جداً حيث تقدمت بكتاب رسمي لمعاون وزير الداخلية مبينة وضعها، والّذي دعم المبنى بمولدة جديدة أقلعت نهاية زيارتنا يوم أمس، مؤكدة أنّ الأيام القادمة ستنهي معاناة الكهرباء.

من جهة أخرى اعتبرت زيدان أنّ النفوس بحاجة إلى مبنى آخر قابل للتنظيم بعيداً عن هذا المكان الّذي يشبه المتحف كما وصفته، قائلة: “هنا نفوس الجمهورية السورية كلها ونحن بحاجة إلى مبنى أكبر قابل للتنظيم”.

أمّا عن المراوح المنتشرة دون أن تدور وإن جاءت الكهرباء أكّدت أنّه تمت صيانتها جميعاً في الآونة الأخيرة، وأشارت إلى إمكانية أن يكون القاطع المسؤول عن تغذيتها منسياً (رافق ذلك ابتسامة أخرى لها).

حافظ على أنفاسك الأخيرة

وأيّدت زيدان مقترح المواطنين الخاص بزيادة عدد الموظفين، فالعدد قليل جداً لا يناسب عدد المراجعين، حيث تقدمت بكتاب إلى الوزارة بيّنت فيه حاجتها لما لا يقل عن 10 موظفين آخرين وهو قيد الدراسة.

عيب !!

كل ما ذكر في سطورنا هذه ليس سوى غيض من فيض إذ يقيدنا الـ (عيب) ويمنعنا عن الحديث عن كل ما رأيناه في زيارة استمرت لساعات أمضيناها بين المراجعين، أبطال الفيلم التراجيدي الهوليودي اليومي في مبنى النفوس العامة بدمشق، الأمر الّذي جعلنا نخفي جزءاً من المأساة في نفوسنا حاملين معها أنفاسنا الأخيرة إلى خارج المبنى الأسطوري على أمل بغدٍ يتنفس من هواء الاهتمام بهؤولاء المواطنين، فهل من أمل؟؟!

المصدر: هاشتاغ سيريا

تعليقات الزوار
  1. تعليقك
  2. أخبرنا قليلاً عن نفسك