حسين الشرع... الصوت الذي أرعب مثقفي الكنب وفضح أوهام الاحـ.ـتلال والتقسيم
الاقتصاد اليوم:
بقلم المحامي الدكتور إيهاب أحمد أبو الشامات
في زمنٍ ازدحمت فيه منصات التواصل بـمثقفي الكنب وتضخمت فيه الأصوات الزائفة على حساب المواقف الصادقة، يبرز صوت الأستاذ حسين الشرع كواحدٍ من آخر الأقلام الجريئة، التي لا تساوم في الحق ولا تتورط في ضجيج اللا موقف. فالرجل لا يكتب بمداد اللغة وحدها، بل بخبرة عقود من النضال، والتفكير، والمواجهة المباشرة مع مآزق السياسة والاقتصاد والاجتماع في سوريا والمنطقة.
من الجولان إلى العواصم... ومنفى الفكر لا يُقيّد صاحبه
ولد الأستاذ حسين الشرع في بلدة "فيق" بالجولان السوري، حيث شبّ على وعيٍ قومي مبكر، وتفاعل مع التيار الناصري كمعظم شبان تلك الحقبة. انخرط منذ صباه في احتجاجات سياسية، كان أبرزها رفضه لانفصال سوريا عن مصر في مطلع الستينيات، مما دفعه إلى المعتقل ثم إلى المنافي. مرّ عبر الأردن والعراق، وهناك أتمّ دراسته الجامعية، ونال لاحقًا الدكتوراه في الاقتصاد.
لم تكن المنفى انقطاعًا، بل امتدادًا. إذ تحوّل الأستاذ حسين الشرع من ناشط سياسي إلى مفكر اقتصادي وباحث أكاديمي، حاضر في مؤسسات علمية في العراق والسعودية، قبل أن يعود إلى سوريا ويشارك في العمل العام بهدوء، ولكن بعمق.
فكرٌ لا يهادن... وكتابة لا تلتف
تتسم مقالاته ومنشوراته بحدة فكرية نادرة، تطال السطح وتكشف الجذر. ففي أحد أبرز منشوراته الأخيرة، يتناول فيه ما أسماه تجليًا مفضوحًا للخطاب الإسرائيلي، حين قررت سلطات الاحتلال إعادة احتلال غزة، متسائلًا بمرارة:
((وكأن الاحتلال لم يكن جارحًا متوحشًا منذ 21 شهرًا، وكأن القتل، والتجويع، والتدمير، لم يكن احتلالًا. هل كانت نزهة إسرائيلية في غزّة؟))
هذا الصوت القوي في نقد النفاق الدولي، لا يفصله عن نقد الداخل. ففي منشور سابق، يوجه نقدًا لاذعًا لما يسميه (فقهاء الكنبة)، أولئك الذين يوزّعون الاتهامات من عواصم الاغتراب، دون أن يقتربوا من نار المعاناة اليومية أو يتحمّلوا مسؤولية الكلمة الصادقة.
((هم حزمة بصل منفلِتة لا تجتمع، ولكنها ترفع عقيرتها لتقول: نحن هنا... يكتبون ولا يكتبون شيئًا مفيدًا، كأنهم في سباق مع الزمن من أجل لايك أو تعليق.))
تجربة تتحدث عن ذاتها
لا تنبع قوة الأستاذ حسين الشرع من أسلوبه الحاد فحسب، بل من وزنه الفكري. فقد تقلد مهامًا رسمية في وزارتي التخطيط والنفط في سوريا، وكان عضوًا في مجلس محافظة القنيطرة. نشر عددًا من الكتب والدراسات الاقتصادية، ولا يزال حتى اليوم مرجعًا لفهم التحولات العميقة في البنية الاقتصادية والاجتماعية للدولة السورية، ما قبل التحرير وما بعده.
من الحاضر إلى المصير
خطورة المرحلة لم تغيّب عنده البوصلة الكبرى. فالدولة عنده مشروع جامع، لا طائفي ولا مناطقي. ورفضه للتقسيم أو الاستقواء بالخارج لا ينبع من عناد، بل من قراءة عميقة لتاريخ سوريا والمنطقة.
((سوريا لا تبنيها الأحقاد ولا العنعنات الانفصالية المقيتة، بل يبنيها الشعب الذي أنتم منه ولستم منه.))
في زمنٍ تراجعت فيه الموضوعية أمام الانفعال، وتراجعت فيه القيم أمام الغرائز السياسية، تظل كتابات الأستاذ حسين الشرع تذكّرنا بأن المعرفة ليست ترفًا، والموقف ليس نزوة. إنها خلاصة عقلٍ خَبِرَ المنفى والسجن والعمل والميدان، ولا يزال يؤمن بأن الوطن لا يُكتب عنه من بعيد، بل يُحملُ في الوجدان، ويُدافع عنه بالكلمة التي تجرح لأنها صادقة.
|
تعليقات الزوار
|
|















