الاقتصاد اليوم ـ تغطية شاملة للأخبار الاقتصادية على مدار اليوم

 

خبراء يناقشون الخسائر الاقتصادية والإنسانية للزلزال في سورية.. ويقدمون حلول ومقترحات هامة

الاقتصاد اليوم:

ناقش عدد من الخبراء والأكاديميين المختصين في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق، خلال ندوة حوارية بعنوان: “التداعيات الاقتصادية والإنسانية على سوريا جراء الزلزال”، الخسائر الأولية الاقتصادية والإنسانية جرّاء الزلزال الذي ضرب سوريا مؤخراً، إذ بلغت نسبة تلك الخسائر سبعة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي (GDP)، وهذا يشير إلى أنّ البلاد لن تستطيع معالجة الخسائر وتجاوزها دون مساعدات خارجية، متوجّهين إلى الحكومة باقتراحات عدة لتتمكن من الاستجابة الفعّالة للمرحلة المقبلة.

وتضمنت الندوة أربعة محاور رئيسة تطرق فيها المختصون إلى مجالات إدارة الكوارث والأزمات وتقدير موقف واستنتاجات اقتصادية ورؤية لسياسات ما بعد الزلزال، ومقترح لإحداث مجّمع التأمين ضد الكوارث ودوره في سوريا مستقبلاً.

إدارة الأزمات والكوارث

أشار الأستاذ في كلية الاقتصاد د. تيسير زاهر إلى وجود فرق بين الأزمة والكارثة، مؤكداً على ضرورة وجود معلومات كاملة ودقيقة حول أي كارثة ليتمكن متخذ القرار من تحديد الأولويات والاحتياجات المطلوبة.

حجم الأضرار والخسائر يتعدى 44 مليار دولار

اعتبر نائب عميد كلية الاقتصاد د.علي كنعان، أنّ الكوارث الكبرى كالزلازل والبراكين والحروب المدمرة تعد من الأحداث التي تؤدي إلى تخريب التوازن الاقتصادي والاجتماعي القائم في كل مدينة أو إقليم، مبيناً أنّ الزلازل المدمرة تؤدي إلى ترك آثار عديدة، حيث تتأثر بها البشر والأبنية والمصانع والورش والحرف ما يؤدي إلى توقف الحياة الاقتصادية في مكان الزلزال.

وقدّم كنعان مقارنة سريعة حول الآثار التي خلّفها الزلزال في سوريا وتركيا، مشيراً إلى أنّ آثاره في تركيا كانت أكثر من 35 ألف قتيل، و105 آلاف مصاب، وتهدم فيه قرابة 50 ألف مسكن، وحوالي 10 مجمعات تجارية و5 آلاف محل تجاري وخدمات أخرى. بينما في سوريا، قال: “قتل 6 آلاف شخص، و20 ألف مصاب، وتهدم 25 ألف مسكن وحوالي 5 آلاف محال تجارية ومباني عامة وحوالي 60 مدرسة وغيرها، إضافة إلى تشرد نحو 3 مليون شخص بسبب تهدم أو تصدع منازلهم وباتت غير صالحة للسكن، وكذلك تعطل البنية التحتية من طرقات وجسور وشبكة كهرباء ومياه واتصالات وصرف صحي، وغيرها”.

وحول التقديرات الأولية للخسائر، اعتبر كنعان أنّه وفقاً للمعدلات الوسطية العالمية يمكن أن تصل الأضرار الحالية للزلزال إلى 44.535 مليار دولار، وهذا الرقم يشمل وفقاً لكنعان، الأضرار المالية، والتي يبلغ المعدل الوسطي تقديرياً لها نحو 19.750 مليار دولار، وهي مقسمة على 5 مليار دولار خسائر المنازل المنهدمة، و7.5 مليار دولار خسائر المنازل المتصدعة، و0.5 مليار دولار خسائر مؤسسات حكومية عامة، و6.75 مليار دولار خسائر البنية التحتية المنهدمة والمتصدعة. أمّا الجانب الثاني من الأضرار، هي الخسائر البشرية والتي يقدرها بنحو 20.785 مليار دولار، وتشمل، 3.285 مليار دولار إنفاق على المشردين تقديرياً يبلغ عددهم نحو 3 مليون نسمة لمدة عام فقط، و10 مليار دولار خسارة خبرات علمية توفوا، و7.5 مليار دولار للمصابين والمتشوهين بعاهات دائمة (خسارة أشخاص تشوهوا وأصيبوا بعاهات تتطلب إنفاق 300 مليون دولار سنوياً عليهم، وهذا مستمر لمدة 25 سنة).

أمّا بالنسبة لإجمال الخسائر إلى النتائج المحلي الإجمالي (GDP)، يؤكّد كنعان أنّ الناتج المحلي الإجمالي لسورية يبلغ 25 ترليون ليرة سورية (أي ما يعادل 5.5 مليار دولار)، وهذا يعني أنّ نسبة إجمالي الخسائر من الناتج تساوي 7.37%، بمعنى أنّ الخسائر التي حصلت نتيجة الزلزال أكبر من الناتج المحلي الإجمالي 7 أضعاف، ما يشير إلى أنّ البلاد لن تستطيع معالجة الخسائر وتجاوزها دون مساعدات خارجية. لافتاً إلى أنّ الأضرار الاجتماعية والنفسية، كالعاطفة والأخلاق والخبرة التي فقدها الأشخاص نتيجة عاهات أصيبوا بها، من الصعب قياسها ولكن غالباً ما تقدر مراكز البحوث الاجتماعية والنفسية تلك الأضرار بمعدل 10 بالمئة من حجم الأضرار المادية، وهذا يعني أنّه تقديرياً يمكن أن تصل هذه الخسائر إلى 4.05 مليار دولار، إضافة إلى ذلك تضطر الحكومات أيضاً إلى فتح مراكز جديدة للأطفال وكبار السن ومراكز الإيواء ربما لنحو 3 سنوات، لكن للأطفال حتى سن 18 سنة وكبار السن حتى الوفاة وهذا يحتاج إلى معادلات رياضية لحساب أعداد المتضررين وتكاليف إعالتهم.

تقدير موقف واستنتاجات أولية

بعد أسبوعين من الزلزال، قدّم أستاذ الاقتصاد في جامعة دمشق د. عدنان سليمان رؤية تضمنت استنتاجات أولية حول طبيعة الموقف العام للحكومة والمجتمع السوري خلال الأيام العشرة الأولى من الكارثة، مؤكّداً أنّه تم استيعاب الصدمة الأولى وكانت الاستجابة سريعة وفعالة تتناسب مع مفهوم الكارثة أو الصدمة. مبيناً أنّ المرحلة الثانية بعد الصدمة أي التخطيط والاستجابة المتوسطة لتأمين إيواء وإيجاد بدائل سريعة لاستدامة استيعاب كل المهجرين من بيوتهم، تحتاج إلى جهود مضاعفة.

وأشار الدكتور سليمان إلى أنّ تعدد الجهات الحكومية في إدارة الكارثة يؤدي إلى غياب التنسيق وحصر مسؤولية القرار والافتقاد إلى مرجعية مؤسسية واحدة للإدارة الفعالة. معتبراً أنّ الحكومة اليوم تقف أمام فرصة تاريخية للبناء على مواقف الدول العربية والصديقة بكفاءة وعقلانية والاستفادة من البيئة الإيجابية التي تشكلت بعد الزلزال على المستوى السياسي والإنساني، في أن تسهم الدول الخليجية والصين وإيران بإعادة البناء والتنمية والاستثمار الكبير في البنى التحتية وإعادة إعمر المدن المتضررة.

مقترح لإحداث مجمّع التأمين ضد الزلازل

في السياق نفسه، تطرّق عميد كلية الاقتصاد د. عمار ناصر آغا إلى أهمية موضوع التأمين في الكوارث الطبيعية، مبيناً أنّ التأمين هو أحد أهم وسائل مواجهة الخطر سواء للأشخاص أو للمؤسسات وغيرها، لافتاً إلى أنّ مسألة تأمين المنازل ضد الزلازل والأخطار الطبيعية في سوريا اختيارية ومهمشة وتقدم أحياناً كبوليصة تأمين كهدية للمؤمنين ولا تتجاوز نسبتها 0% من حجم نصاب التأمين وهو ضعيف جداً وشبه منعدم. مؤكداً أنه من الضروري حالياً إدخال شركات التأمين بجدية بمشاركة الحكومة السورية.

وقال آغا معلّقاً على كلام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإعادة بناء ما دمره الزلزال خلال عام، بأنه يمكنه فعل ذلك، موضحاً ذلك بالأرقام الإحصائية التي تم نشرها خلال تصريح الرئيس التركي، إذ بين آغا أنّ هناك 54.7% من إجمالي مباني تركيا مؤمن عليها ضد الكوارث الطبيعية حيث يوجد 20.32 مليون مبنى تم التأمين على 10.994 مليون مبنى منها، لافتاً إلى أنّ المناطق التي تضررت هي 10 مناطق تبلغ نسبة المنازل المؤمنة فيها 51 بالمئة، وأضاف آغا، أنّ الأموال التي تم جمعها في تركيا كانت توضع في مجمّع التأمين ضد الزلازل وهي أموال هائلة جداً تسهم بشكل كبير في إعادة بناء ما دمر في الزلزال.

واقترح آغا ضرورة إحداث مجمع للتأمين المنازل ضد الكوارث وخاصة الزلازل في سوريا، وقال آغا: “على شركات التأمين السورية أن تقوم بمثل هذا التأمين وعلى الحكومة إصدار قانون بإلزامية التأمين على المساكن الجديدة أو حتى القديمة، وكذلك إصدار قانون يتضمن إنشاء مجمع التأمين على المنازل”. مشترطاً ألا يكون مجمع حكومي وإنما يكون بالتشاركية مع القطاع الخاص، ليصار لاحقاً استثمار هذه الأموال، وإرسال جزء منها للدول الصديقة واستثمار هذه الأموال مع شركات التأمين في الدول الصديقة وتفعيل اتفاقيات معها.

المقترحات والحلول

قدّم المجتمعون اقتراحات وحلول عدّة يمكن أن تسهم في تحقيق الاستجابة الإيجابية للمرحلة المقبلة أو مرحلة ما بعد الزلزال والتي تمثلت بداية بضرورة إحداث هيئة وطنية لإدارة الكوارث وأن تكون مستقلة ولا تتبع لأي جهة حكومية وإنما تدار بالتشاركية بين القطاع العام والخاص، إضافة إلى ضرورة إصدار بيان حكومي جديد يتضمن خطة للإصلاح الاقتصادي بشكل عاجل يتضمن الاصلاحيات الصناعية والزراعية والمالية والنقدية، وتحرير سعر الصرف تدريجياً وإلغاء كل القيود التي فرضت على سعر الصرف والعقوبات بحيث يسمح للأفراد والتّجار والصناعيين حرية التعامل بالقطع الأجنبي دون قيود، وتحرير الاستيراد من كل القيود التي فرضت عليه خلال السنوات الماضية.

إضافة إلى زيادة الأجور تدريجياً لتصل إلى 60 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ حالياً 12 بالمائة فقط. تحرير الاستثمار من كافة القيود وتخفيض القيود الضريبية على المنشآت القائمة والجديدة، وإعادة النظر بالدعم الاجتماعي وتحويله إلى نقدي، وتشجيع إقامة شركات مساهمة عامة، وتشجيع الصادرات سيما أن السلع السورية باتت رخيصة بفضل انخفاض قيمة العملة، وكذلك إلغاء كافة الأنظمة والقوانين التي ظهرت خلال فترة الأزمة خاصة التي تعيق التجارة والصناعة أو التعامل بالقطع الأجنبي.

المصدر: اثر برس

تعليقات الزوار
  1. تعليقك
  2. أخبرنا قليلاً عن نفسك