الاقتصاد اليوم ـ تغطية شاملة للأخبار الاقتصادية على مدار اليوم

 

خسائر كبيرة وضياع مخيف يطال ملف التعليم.. الدكتور إيهاب أبو الشامات يدعو لإحداث المدرسة الرقمية الرسمية في سورية

الاقتصاد اليوم:

كتب رجل الأعمال الدكتور إيهاب أبو الشامات لموقع الاقتصاد اليوم:

يتَّفق معظم الباحثون ،على أهمية قطاع التعليم في مرحلة ما بعد الأزمة، سواء لجهة معالجة وتجاوز ما أفرزته من آثار اقتصادية واجتماعية ونفسية عميقة، أو لجهة إعادة بناء مستقبل البلاد، كما فعلت العديد من دول الاخرى مرت في أزمات مشابهة، واستطاعت، بفضل اهتمامها بالتعليم، التحولَ من دول مدمَّرة اقتصاديا واجتماعيا ، إلى دول "مضيئة" في قاراتها.

لكن يبدو أن هذه المهمة  لن تكون سهلة في سوريا نتيجة عدة أسباب، من أبرزها طبيعة الخسائر التي تعرّض لها هذا القطاع وحجمها.

خسائر كبيرة

يمكن تصنيف الخسائر المباشرة التي تعرَّض لها القطاع التعليمي  ضمن ثلاثة مستويات:

- المستوى الأول، وهو الأكثر وضوحاِ، ويشمل الخسائر التي لحقت بالبنى التحتية والمرافق الخدمية لقطاع التعليم بفعل مجريات الحرب، وتزداد خطورة هذه النتائج مع ارتفاع  عدد  المدارس المدمّرة،  ومع أن سوريا تمكّنت، خلال الفترة التي أعقبت استقرار الأوضاع الأمنية في مناطق شتى، من إعادة تأهيل مدارس كثيرة وإصلاحها، إلاّ أن صعوبة عودة نازحين إلى مناطقهم، ورغبة آخرين في البقاء في المناطق الني نزحوا إليها نتيجة أسباب اقتصادية، تسبّبان ضغطاً مستمراً على البنى المدرسية في مناطق حافظت على استقرارها طوال سنوات الأزمة.

-المستوى الثاني، وقليلاً ما يجري تناوله أو التطرق إليه، يمثّل الخسارة الاقتصادية الناجمة عن ضياع سنوات من الدراسة، نتيجة عدم تمكُّن ملايين الأطفال والشبان من استكمال تعليمهم نتيجة أسباب، قد تكون اقتصادية أو اجتماعية، أو بفعل اضطرار أُسرهم إلى النزوح المتكرر داخلياً وخارجياً. وتُظهر البيانات الرسمية، بوضوح، حجم تلك الظاهرة واستمرارها، و يكفي للمراقب أن يلقي نظرة بسيطة ليكتشف فرق التسجيل في السنوات الأولى من التعليم الابتدائي مقارنة مع المسجلين بعد 2017 مثلا ليدرك مدى تأثر التعليم باكبرمؤامرة دولية شهدها التاريخ على سوريا  وتبين الدراسات أن غالبية الاطفال والشبان ، قد تخلَّفوا عن الدراسة بصورة جزئية أو كاملة، بسبب تداعيات هذه المؤامرة. وبحسب تفاصيل احدى الدراسات، التي نُشرت مع مرور عشر سنوات على الكارثة السورية، فإن نسبة كبيرة من الشبان، الذين شملهم البحث، أكدوا أنهم لم يلتحقوا بالمدرسة على الإطلاق، في حين اكدت نسبة أخرى  إن سنوات الدراسة التي فاتتهم تتراوح عددها بين 6 و10 سنوات. والنسبة كانت نفسها لمن كانت سنوات دراستهم الفائتة تتراوح بين 3 و5 سنوات. وعلى الرغم من أهمية بعض البرامج التي أطلقتها سوريا خلال السنوات الأخيرة، بالتعاون مع منظمة "اليونيسف"، لتشجيع الأُسر على إعادة أبنائها المتسربين إلى مقاعد الدراسة بغية تعويض ما فاتهم، فإن الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر فيها البلاد لا تزال تَحُول دون تحقيق استجابة كاملة.

-المستوى الثالث ، ولعل هذا من أبرز خفايا المؤامرة الدولية على سوريا وتتضمّن الخسائر الناجمة عن ظاهرة تعدد المناهج الدراسية المطبَّقة فعلياً، والفكر الذي يراد ترسيخه من خلال هذه المناهج.

فإلى جانب المناهج الرسمية السورية المعتمَدة عالمياً، تفرض "الإدارة الذاتية" الكردية منهاجاً خاصاً يُدَرَّس في المناطق التي تسيطر عليها في شماليّ البلاد وشرقيّها، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الفصائل المسلّحة الموجودة في إدلب، وإلى تركيا التي تحتل أراضيَ سورية، وتقوم بتنفيذ عملية تتريك واسعة وتغيير فكري عميق. وايضا هذه الظاهرة حاضرة بقوة في مخيمات اللجوء في الدول المجاورة، والتي لا تجد فيها الأُسر خياراً في مشروعها لتعليم أبنائها، سوى قبول تعليمهم المنهج المطبَّق في كل دولة، سواء تم قبولهم في المدارس الرسمية، أو كان التعليم عبر أنشطة تقام داخل المخيمات.

ضياع مخيف!

مخاطر هذه الظاهرة مستقبلاً تتبدّى في نقطتين: الأولى تتمثّل بمواجهة البلاد مستقبلاً تركةً صعبة، قوامها جيل كامل من غير المتعلمين، أو ممن حصلوا على تعليم تتضارب أهدافه وغاياته مع استراتيجية التعليم الوطني. وايضا، فإن الأمر لا يتعلق فقط بخسارة عقود من الجهود التنموية التي بُذلت سابقاً وحققت نتائج ممتازة ((ولعل اوضح مثال لهذه الجهود الاخبار التي تتداول بشكل يومي عن تميزوابداع العديد من الطلاب السوريين الذين كانوا يدرسون وفق المناهج السورية في بلدان الاغتراب الآن ))، وإنما أيضاً بتحمّل تبعات تلك الخسارة في مرحلة تتطلّب أفضل استثمار لرأس المال البشري من أجل إنجاح عملية إعادة البناء. والأخطر هو ما خلَّفته سنوات الحرب الطويلة من تدهور كبير، اقتصادياً ومعيشياً. هذا في وقت ازدهرت الأنشطة الاقتصادية غير المشروعة، وأفقدت شريحة ليست قليلة من الأطفال ومن الشبان الحافز على التعليم، وشجعتهم على الانخراط باكراً في سوق العمل.

النقطة الثانية تتعلق بقيمة الخسارة الاقتصادية التي لحقت، وستلحق بالبلاد جرّاءَ ظاهرة التسرُّب التعليمي. منذ السنوات الأولى للأزمة، كانت هناك محاولات للتنبيه من خطورة الظاهرة، من خلال رصد انعكاساتها الاقتصادية السلبية، فكان أن قام فريق بحثي متخصّص بالدراسات السكانية، بمحاولة تتبُّع أثر ظاهرة التسرُّب المدرسي، بشأن الخسارة الناجمة عن تراجع الدخل الدائم (دخل مدى الحياة)، فكان أن أنجز دراسة حملت عنوان "الخسارة الاقتصادية الناجمة عن التسرُّب من المدارس نتيجة الأزمة السورية"، بالتعاون بين منظمة "اليونيسف" ووزارة التربية. وخلص الباحثون فيها، استناداً إلى بيانات عامي 2011 و2012، إلى أن "حجم الخسارة الاقتصادية الناتجة من التسرب من التعليم الأساسي والتعليم الثانوي يقدَّر بالمليارات من  الليرة سورية.

ملف معقَّد

أمام حجم الخسائر التي تعرّض لها قطاع التعليم ما دون الجامعي، فإن مهمة إعادة تأهيل القطاع ومعالجة تداعيات مرحلة الحرب عليه، تبدو معقَّدة وطويلة الأمد، كونها تحتاج إلى إمكانات بشرية ومالية غير قليلة، وإلى تعاون يتمّ، إقليمياً ودولياً. وتحتاج قبل ذلك إلى التوصل إلى حل سريع يخفف من أثارها على المجتمع السوري ولعل الحل يكون في :

إدارة مصادرالتعلم وتكنولوجيا التعليم
 
المدرسة الرقمية السورية

منذ نهاية القرن العشرين و مع تطور التكنولوجيا كأحد أهم روافد التنمية و معايير قياس الأداء ، لما تقدمه من شفافية في  الأرقام الفعلية و المتابعة الصارمة لكل المدخلات و المخرجات التي تهم أي قطاع حكومي يهدف لتحقيق أولوياته و أهدافه الاستراتيجية .

و يأتي التعليم في مقدمة أدوات التنمية بما يمثله من فاعلية تنموية و بما يقدمه مخرجات علمية و فنية و قوة بشرية فاعلة في مجال التنمية و التحديث ، بما يجعله في مقدمة الاهتمامات التنموية و التطويرية .

إلا أن مراقبة العملية التعليمية و صياغتها حسب الأهداف الاستراتيجية تتطلب دقة في المعطيات المدخلة و  ثقة في المخرجات لا تتأتى إلا من خلال التقنية التي تسهل العملية و توفر لها المصداقية التي تطمح لها كل الدول التي تسعى للوصول "للحكومة الالكترونية " و بما توفره هذه الميزة من شفافية و رقابة تقنية متفردة و منح للمميزات الاختصاصات  بما لا يسمح بتجاوز القانون و الصلاحيات المخولة للموظف .لذلك تسعى معظم الدول الان لاحداث المدرسة الرقمية الرسمية التي لايكون دورها فقط ان تتضمن مناهج الرسمية رقميا وان تديرعملية التعليم عن بعد  بل تتجاوز ذلك بإدارة المنظومة التعليمية الكاملة  بصورة ممنهجة ووفق الرؤية الوطنية التعليمية وبحيث تقوم بحصر كل جوانبه واركانه والتي تتمثل في :

•    إدارة التلاميذ : من خلال رقمنة كافة الطلاب في كافة المستويات و التخصصات من خلال التدقيق الميداني ، و ذلك بمنح كل طالب مسجل على مقاعد الدراسة رقما وطنيا تعليميا يمكن من خلاله متابعة الطالب حضوره و  نتائجه و تدرجه في المستويات التعليمية و كافة سجله  العملي و الأدائي و حتى الأخلاقي من خلال ملاحظات إدارته ، اضافة لإدارة الطلاب الموجودين خارج سوريا و ربطهم بالمناهج المحلية الوطنية وحصول على الشهادة السورية الرسمية  .

•    إدارة البنى التحتية المدرسية : توفر هذه المدرسة الرقمية الخواريزميات الذكية لمتابعة الدقيقة للبنية التحتية للمدارس في جمهورية العربية السورية و واقعها العددي و حالتها البنيوية و تمنح للإدارة هذه المدارس تسجيل الاحتياجات من البنية التحتية سواء تعلق الامر بالاحتياجات الانشائية أو الإصلاحية في المؤسسات التعليمية ، بما يوفر صورة واضحة للإدارات العليا للاطلاع على النقص بناء على المعطيات المسجلة ، إضافة لتسجيل الموقع الجغرافي للمدارس وتسهيل ربطها اتوماتيكيا بمواقع الطلاب جغرافيا و هي ميزات تسهم في تقليل الوقت المهدور للوصول للمدارس من خلال خطة نقل للطلاب لأقرب المواقع لديهم و يخفف العبء على ميزانية نقل التلاميذ من خلال تثبيتهم في المدارس الأقرب لهم ، و هي ميزة كذلك لقياس المستويات الاقتصادية و الاجتماعية و تسهم في تحسين برامج الدعم و الانفاق على الشرائح الأكثر فقرا و احتياجا .  

•    إدارة الموظفين و الطواقم التدريسية : ولايتوقف اختصاص المدرسة الرقمية الرسمية على المتابعة التقنية على البنية التحتية و الطلاب بل تتجاوزهم لطواقم التدريس و متابعة أدائهم و تقييمهم الذي تمنحه إدارة التفتيش لهم ، اضافة لعمليات الانتقال و التحويل  و سجلات الحضور و الغياب و الحالة الصحية ، و غير ذلك من اهتمامات المصادر البشرية و إدارتها،  .  

•    إدارة المناهج التربوية و الجداول الزمنية : وتوفر ايضا هذه المدرسة الخوارزميات الضرورية لمراقبة المناهج و تقديمها في مختلف المؤسسات التعليمية و جداولها الزمنية ، من خلال رفع الدروس و المناهج التعليمية و الكتب على السيرفرات الخاصة بالوزارة وهي ميزة تسهم في معرفة مدى تقديم الدروس في مختلف المناطق و الجهات والمدارس ، مما يمكن إدارة الامتحانات من تقديم امتحانات مختلفة حسب ما تم تقديمه من الدروس ، بما يسهم في تحقيق عدالة الامتحان ، كما توفر هذه الميزة مراقبة التقديم كذلك و امكانية مساءلة المدارس و المدرسين الذين لم يتبعوا تعليمات تقديم الدروس و اولوياتها .

•     المتابعة  العليا :  توفر هذه المدرسة الرقمية العديد من  التقنيات الذكية  التي تتيح المراقبة الإدارية من خلال نفاذ الإدارة العليا لمتابعة التطورات في المؤسسات التعليمية والاطلاع مباشرة على سير العملية التعليمية بكل تفاصيلها .
 
وأخيرا هذه التجربة بما تحويها من تقنيات ومميزات اطلعت عليها بشكل شخصي في احد الدول وتناقشت مع المسؤول عنها مطولا الذي قام بدوره بشرح كافة جوانب هذه التجربة والذي اكد انها ساهمت بكل قوة في تحسين التفكيرالاستراتيجي الإصلاحي في دولته وحدت من التسيب الإداري و ضبطت العملية التعليمية بصورة كاملة .

الاقتصاد اليوم

تعليقات الزوار
  1. تعليقك
  2. أخبرنا قليلاً عن نفسك