الاقتصاد اليوم ـ تغطية شاملة للأخبار الاقتصادية على مدار اليوم

 

دورار الشنكليش

الاقتصاد اليوم:

في إطار السعي لرفع القدرة الشرائية لليرة السورية، بمواجهة العملات الأجنبية، وكبح جماح ارتفاع أسعار صرفها أملاً في التخفيف من حدة التضخم الذي يُفتت مداخيل الناس ويمتصها بلا شفقة ولا رحمة، بدا هذا السعي هشاً بمختلف المحاولات التي شهدتها الساحة النقدية سواء كان عبر ملاحقة المضاربين، أم بالتمسك بإطار المنصة التي اعتمدها المصرف المركزي، أم بالتخلي عن هذا الإطار كما يحصل بمحاولات اليوم، عند اعتماد نشرة الحوالات والصرافة، أم بمختلف الإجراءات النقدية الأخرى، فكلها بدت قاصرة ولم تنجح بإحداث أي تأثير، ولا حتى اللحاق بسعر الصرف الذي ينطلق بسرعة صاروخية مبتعداً عن الليرة إلى حدود الفزع، وكأن العقول قد عجزت عن ردم هذا الشرخ الذي بات مرعباً رغم أن تمويل ردمه ممكن جداً، أقلها كما تُمول الموازنة بالعجز..!

فسعر الصرف ارتفع / 152 / ضعفاً عما كان عليه في عام 2011، في حين تكاد الرواتب والأجور أن تغرق في سُباتٍ عميق، إذ لم ترتفع خلال هذه الفترة كلها سوى ستة أضعاف فقط – وقد أشرنا إلى ذلك سابقاً – ما أحدث فجوة عميقة بين الرواتب والأجور من جهة .. ومستوى المعيشة من جهة أخرى، وتكاد شرايين المعيشة تتقطّع بينها وبين تلك الرواتب الزهيدة، والمصيبة أن كل السلع والمواد صارت أسعارها تُقوّم على سعر الدولار، حتى ( الشنكليش ) الأكلة الفرط شعبية.

فمنذ أيام مررنا بأعالي الجرد، حيث يصنّعون هذه المادة بأفضل الطرق ومن حليب الماعز الذي يعطيها نكهة طيبة ومميزة، كنا نشتري الكيلو غرام من هناك بما لا يزيد على / 300 / ليرة في عام 2011، واليوم فوجئنا أن الكيلو ارتفع إلى خمسة وأربعين ألف ليرة، وعندما سألنا عن سبب هذا الارتفاع الجنوني قال لنا البائع بثقة واعتداد: ( والله يا حبيب حسَب الدورار ) ثم فهمنا أنه يعني بذلك الدولار، فهربنا من هذا السعر المجنون ولم نشترِ شيئاً.

ولكن في محاولة لحساب هذا المتغيّر كانت المفاجأة، إذ تبيّن لنا أن السعر شبه ثابت بتقويمه على الدولار، لأن ثمن الكيلو سابقاً 300 ليرة × 152 عدد مضاعفات سعر صرف الدولار الحاصلة = 45600 ليرة، أي إن هذا المبلغ الضخم لا يعادل أكثر من 300 ليرة سابقاً مع الأسف، وحتى يكون سعر الشنكليش متناسباً مع الرواتب الحالية بالعملة السورية كان من المفترض ألا يزيد سعره على / 1800 / ليرة، أي ستة أضعاف ما كان عليه، وبما يوازي ستة أضعاف الزيادة الطارئة على الرواتب، مع أن تحسين مستوى المعيشة يقتضي ثبات الأسعار عند زيادة الرواتب والأجور، وإلاّ فهي لن تعرف التحسن.

على كل حال ما لنا وما لهذه الأكلة الشعبية؟ فبالناقص منها – كما صار بالناقص من مواد غذائية وحياتية كثيرة – ولكن أوردناها كمثال لقياس بؤس الحالة المفجعة التي وصلنا إليها، ومع هذا ماتزال الحكومة تتعاطى مع هذه الحالة ببرودة واستخفاف من دون أن تبدي أي محاولةٍ جادّة وملحوظة لجَسرِ تلك الفجوة إلاّ بالوعود والكلام من دون أي أثر على الأرض، ولكن الحالة باتت رهيبة وشديدة المخاطر على حياة الناس وصحتهم وغذائهم ومختلف شؤون حياتهم، ولاسيما في هذه الأيام العصيبة، إذ لا يعرف الكثير من الآباء والأمهات كيف سيحجبون وجوههم خجلاً من أبنائهم الذين يرتقبون ليلة العيد ليفرحوا ويبتهجوا .. ولكن من أين ..؟! إنهم على موعد مع الخيبة الصادمة، الناجمة عن عجز الأهالي وضعف الحال، فلا الكلام يفيد ولا الوعود، وليتهم يكونون قادرين على الهروب مثلما هربنا من ذلك ( الدورار ).

علي محمود جديد

الثورة

تعليقات الزوار
  1. تعليقك
  2. أخبرنا قليلاً عن نفسك