الاقتصاد اليوم ـ تغطية شاملة للأخبار الاقتصادية على مدار اليوم

 

سوريون في الخارج لا يجدون مثوى لأجسادهم: العنصرية اللبنانية لا تميّز بين الأحياء والأموات

الاقتصاد اليوم:

يحاول سعيد أن يلملم بعضا من بقايا جثمان والده ليضعها في علبة ينقلها معه إلى سورية، لكن الأمر لم يكن سهلا.

دفن سعيد ( 4 عاما) والده قبل سنتين في إحدى قرى وادي خالد بعد أن استحال عليه إيجاد قبرٍ يضم جثمانه في بيروت، ما اضطره لنقل الجثمان إلى منطقة بعيدة. يقول سعيد إنه يكاد من المستحيل أن يجد السوريون قبورا لهم في منطقة بيروت، فقد تتجاوز تكاليف الدفن (سعر القبر وغسيل الميت وتكفينه) ثلاثة آلاف دولار، وفي أغلب الأحيان لا يسمح للسوريين بدفن موتاهم حتى ولو توفر المبلغ، لذلك يضطر السوريون لدفن موتاهم في أماكن بعيدة، كمقبرة المهاجرين الموجودة في منطقة الهيشة بوادي خالد «حيث ندفع مبلغاً قليلاً كثمن للقبر وتكاليف حفره، وأجور نقل الجثمان، وقد دفعت مبلغ (400 دولار أمريكي) أجور نقل من بيروت إلى وادي خالد».

يتابع سعيد: اليوم أريد العودة إلى سورية ولا أرغب ببقاء جثمان والدي هنا.

عنصرية… حتى في الموت!

لا تنسى سماح (28 سنة) الليلة التي توفي فيها ابنها الكبير نتيجة حادث سير. بقيت الجثة في المنزل يوما كاملا من دون دفن، بسبب رفض أهالي إحدى القرى اللبنانية التي كانت تقيم فيها سناء، دفن جثمان ابنها في مدافن القرية رغم عرضهم شراء القبر.

تقول سناء: «لم أكن احتمل فكرة وفاة ابني ذي 10 سنوات ودفنه بعيدا عني، فما كان منا إلا انتظار الليل لندفن ابني في الجرود القريبة، وأخبرنا الجميع أننا نقلناه إلى سورية.

وتتابع: أزور قبر ابني ليلا كي لا يعرف الجوار، لكني أخشى أن يتغير مكان عمل زوجي وننتقل فلا يعود بإمكاني زيارته.

 في لبنان… مرفوضون موتى وأحياء!

شهدت عدد من القرى والبلديات اللبنانية حملات منع فيها السوريون من دفن موتاهم ضمن تلك القرى والبلدات.

يقول (محمد) أحد السوريين العاملين في جمعيات تعنى بالسوريين في لبنان: حاولنا قبل أربع سنوات التواصل مع شخصيات لبنانية لشراء أراضٍ لدفن السوريين، لكن محاولتنا باءت بالفشل، مضيفاً: على الرغم من أن عدداً من المغتربين السوريين عرضوا أموالا كبيرة لشراء أرض، إلا أن الطرف اللبناني كان يعارض ويمتنع عن البيع حالما يعلموا أن المشروع هو بناء مقابر للسوريين. يضيف محمد: هناك جثث بقيت لأكثر من شهرين في برادات مشافي بيروت وغيرها من المدن اللبنانية، لحين تمكّن ذويها من تأمين قبر مناسب في لبنان أو نقل الجثامين إلى سورية.

 ويتابع محمد: يوجد في بيروت مقبرة اسمها «مقبرة الغرباء»، خصّص قسم منها كما هو معروف هنا لـ»أهل السنة» في بيروت، والقسم الآخر لغير اللبنانيين، ولكن بعض أهالي بيروت استولوا على مساحات واسعة من المقبرة وبنوا عليها مشاريع وأبنية سكنية، مما أدى إلى تحمّل السوريين وغيرهم من أجانب ممن يقيمون ويعملون في بيروت أعباء دفن موتاهم.

في الأردن… تراب سورية حلم!

 بعد ثلاثة أيام من إقامة خيمة عزاء في العاصمة الأردنية عمّان ينصرف معزّو عبد العزيز الزعبي عنه. عددٌ من المعزّين كان يبارك لعبد العزيز دفنهم لأخيه في سورية.

 يقول عبد العزيز إن أخاه الشاب (40عاما) توفي نتيجة أزمة قلبية، وكانت وصيته قبل وفاته أن يُدفن في سورية وكنا جميعنا نستهجن حديثه وبعد أسبوع بالتمام توفي. يتابع عبد العزيز: هنا في الأردن لم يُسمح لنا بدفن موتانا إلا في مقابر معينة منها مقابر مدينة المفرق، وغالبا ما نتكفل في تكليف نقل جثامين موتانا، فيما يكون الدفن والقبور مجانية في تلك المدن لأنها تعود لوزارة الأوقاف الأردنية. ويتحدث عبد العزيز عن رفض والدته دفن ابنها في الأردن، قالت الأم المفجوعة «سنعود يوما ما إلى وطننا ولن أترك جثمانه وحيدا هنا»، لذلك قمنا بالاتصال مع الأصدقاء في سورية وتم تجهيز قبر في إحدى القرى القريبة من الحدود الأردنية لدفنه هناك. يضيف: رافقت الجثمان مع والدتي وأخوتي إلى أن خرج من الأراضي الأردنية وتكفّل أصدقاؤنا بدفنه في الجانب السوري، «وبهذا ستكون روحه راضية لأنها عادت إلى سورية ونحن سنلحق به أحياء أو أموات».

وتشير الإحصائيات الصادرة عن مخيم الزعتري للاجئين السوريين في الأردن أن معدل الوفيات بين صفوف اللاجئين تتراوح بين (20 – 30 متوفيا) شهريا من أصل 80 ألف لاجئ يقطنون المخيم. وتفيد مصادر من داخل «الزعتري» أنه يتم دفن جميع الموتى من اللاجئين السوريين في مخيم الزعتري في مقابر خارج المخيم، فيما لا يُسمح بدفنهم داخل المخيم نظرا لعدم وجود مقابر رسمية، وهو ما يحكمه مساحة المخيم إلى جانب أن اللاجئين يمكن أن يعودوا إلى ديارهم في أيّ وقت وليسوا مقيمين.

في تركيا… جمعيات خيرية لدفن السوريين

باكرا يضع أحمد نعوة والدته على صفحته الزرقاء ليبدأ بتلقي التعازي على المأتم الافتراضي. عددٌ قليل من المعزين يدخلون منزله بعد أن وارى والدته الثرى في مقابر تابعة لولاية أنطاليا التركية. بعد قرابة الأسبوع على وفاة والدته لم يتمكن أخوة أحمد من توديع والدتهم أو حضور مراسم الدفن، فاثنان من الأبناء الخمسة يقيمون في ألمانيا، فيما تقيم أختهم الكبيرة في الأردن، وبقيت الصغيرة مع زوجها في سورية.

يقول أحمد: لم أكن قبل مرض والدتي أحسب حسابا لوفاتها أو أين سندفنها. مضيفاً: تتراوح أسعار القبور هنا بين (500 و1500) دولار، حسب المنطقة وكذلك يتوجب دفع مائتي دولار كخدمة لمكتب دفن الموتى، فبعد دخول والدتي المستشفى بأسبوع توفيت، ولم أكن أملك المبلغ المطلوب لتكاليف الدفن فأرسلت المشفى رسائل إلى الجمعيات الخيرية التي يمكن أن تتكفل بتكاليف الدفن. وبالفعل تم ذلك لكن بعد أسبوع من بقاء والدتي في ثلاجة المستشفى.

ويعاني السوريون في تركيا من تأخر دفن موتاهم، لكن معاناتهم هذه لا تُقارَن بما يتكبده السوريون في لبنان، حيث تتكفل الجمعيات الخيرية بعمليات الدفن إضافة إلى عدم وجود ممارسات عنصرية في تركيا تشابه ما يلاقيه السوريون في لبنان.

مقابر المهاجرين تجمعنا

يتشارك السوريون في الدول الأوربية مقابرهم مع عدد من الجنسيات الأخرى في أوروبا، على رأسها الأفريقيون وبعض الجنسيات الآسيوية.

يقول مجد إسماعيل، وهو مهاجر سوري يقيم في إحدى المدن الألمانية: نجد في ألمانيا عددا من اللاجئين الذين سبقونا إلى أوروبا، وهؤلاء أقاموا تجمعاتهم الخاصة، لكن البعض منهم بقي منفتحا على الآخر، فنتقاسم معهم الصالات التي نقيم فيها مناسباتنا، ومؤخرا بتنا نتقاسم القبور، حيث لا يمانعون من دفن سوريين بينهم بغض النظر عن الديانة أو المعتقد.

 وبحسب مجد، تنتشر في معظم المدن الألمانية مقابر تعود للأتراك وهؤلاء لا يمانعون من دفن سوريين ضمن مقابرهم. وعن تكاليف الدفن، يقول مجد إن البلدات والولايات الألمانية تحدد تكاليف الدفن حسب كل منطقة، ودائماً نجد جمعيات تقف إلى جانب السوريين الذين لا يملكون تكاليف الدفن، لتقوم بالدفع نيابة عنهم.

 جثامين… بلا عنوان…!

لم يكن نصيب البحر الأبيض المتوسط من جثامين السوريين أقل من نصيب اليابسة، حيث ابتلع البحر عائلات بأكملها ومنهم من أعاده إلى الشواطئ ليعاد دفنهم في بلاد اللجوء فيما اختفى كثيرون في أعماقه.

لا توجد احصائيات حقيقية توثق أرقام السوريين الذين ابتلعهم البحر الأبيض المتوسط. لكن تقارير صادرة عن معهد الجامعة الأوروبية أشار إلى أن 33761 مهاجرا على الأقل جرى الإبلاغ عن وفاتهم أو فقدانهم في البحر المتوسط بين عامي 2000 و2017، وقال «فيليب فارغيس» من معهد الجامعة الأوروبية الذي أعد التقرير: «إن هناك الكثير من عمليات الهجرة غير الموثقة عبر البحر المتوسط، وإن الأرقام تقلل على الأرجح من الحجم الفعلي للمأساة الإنسانية».

المصدر: صحيفة الأيم السورية

تعليقات الزوار
  1. تعليقك
  2. أخبرنا قليلاً عن نفسك