الاقتصاد اليوم ـ تغطية شاملة للأخبار الاقتصادية على مدار اليوم

 

ضبط محاصيل زراعية مخالفة على 372 دونماً تُروى بمياه الصرف الصحي

الاقتصاد اليوم:

أكدت الدكتورة أماني الحيجي، رئيسة دائرة زراعة دمشق، أن الريّ بمياه الصرف الصحي يعتبر من الملفات الحساسة، المرتبطة مباشرة بالأمن الغذائي وصحة وسلامة المنتج الزراعي.

مشددة على أن المديرية تولي اهتماماً بالغاً لهذا الموضوع نظراً لتأثيره المباشر على صحة الإنسان والبيئة، وأشارت إلى أن الفنيين الزراعيين واللجان المكانية يتابعون بشكل دوري تنفيذ الخطة الزراعية، وضبط أي مخالفة تتعلق باستخدام مياه غير معالجة في الري، موضحة أن المتابعة تتم عبر جولات ميدانية للدوائر الفرعية والوحدات الإرشادية، إذ يتم رصد المخالفات وتنظيم الضبوط من قبل لجنة رباعية تُحال لاحقاً إلى دائرة الشؤون الزراعية والدائرة القانونية لاتخاذ الإجراءات اللازمة، بما في ذلك الملاحقة القضائية وتغريم المخالفين مالياً.

وأشارت إلى أن الحكومة، وفي ظل شحّ الموارد المائية، تعمل على إعادة تأهيل محطات الصرف الصحي القائمة، واستخدام المياه المعالجة في الري الآمن، مضيفة: إن الموسم السابق سجل أدنى معدل هطول مطري خلال السنوات العشر الأخيرة، ما أثر بشكل كبير على الإنتاج الزراعي وتوزعه بين المناطق.

مخالفات تمتد إلى بلدات عدة
بحسب ما أكده مدير زراعة دمشق وريفها الدكتور زيد محمد أبو عساف لـ “الثورة السورية”، فقد توزعت المخالفات منذ بداية عام 2025 على بلدات عديدة شملت: عين ترما، خيارة نوفل، عقربا، ببيلا، صهيا، تلفيتا، حمورية، شبعا، الناصرية، بدا، حفير الفوقا، يلدا، صيدنايا، ووحدة منين في منطقة التل، إلى جانب مناطق أخرى محيطة بالعاصمة.

وخلال الفترة ذاتها – يضيف أبو عساف – تم تنظيم 81 ضبطاً على امتداد مساحة مخالفة بلغت 372.8 دونماً من الأراضي المزروعة بمحاصيل رُويت بمياه صرف صحي غير معالجة، وتنوعت المحاصيل المخالفة بين القمح، والشعير الرعوي، والفصة، والفاصولياء، والبندورة، والملوخية، والباذنجان، والكوسا، والخيار، والخس، والذرة الرعوية، وهي محاصيل تعدّ جزءاً أساسياً من السلة الغذائية اليومية.

وفي أحدث الضبوط، تمّت مصادرة وإتلاف محصول مزروع على مساحة 13 دونماً في عين ترما، شمل الملوخية والباذنجان، إذ جرى قلب التربة وإزالة المحصول كاملاً لمنع وصول أي منه إلى الأسواق، وفقاً لمدير الزراعة.

ظاهرة قديمة تعود بزخم أكبر
ويؤكد مزارعون أن ظاهرة الري بمياه الصرف ليست جديدة، إذ تعود إلى تسعينيات القرن الماضي في مناطق، مثل القطيفة وصحنايا وخربة الورد وغيرها، إذ كان بعض المزارعين يعتمدون على هذا الأسلوب عند غياب مصادر بديلة للري، ومع تراجع مصادر الري النظيفة خلال السنوات الأخيرة، استمرت هذه الممارسات رغم معرفتهم بخطورتها على الصحة العامة.

وتكشف هذه الظاهرة عن إشكالية لا تتعلق بضعف الوعي فقط، بل تتجاوزها إلى ضغوط اقتصادية، وغياب مصادر مياه آمنة، وفقدان بعض المزارعين لآبارهم التي رُدمت أو تضررت خلال السنوات الماضية، إضافة إلى ارتفاع تكاليف إعادة تأهيلها وتشغيلها في ظل ارتفاع أسعار المحروقات والطاقة، ما يدفع بعضهم إلى اللجوء لخيار أقل تكلفة رغم مخاطره.

ويشير مدير زراعة دمشق وريفها إلى أن مياه الصرف الصحي تحتوي على ملوثات عضوية وكيميائية شديدة السمية، مثل النترات والنتريت والأمونيا والفوسفات والكبريتات، فضلاً عن البكتيريا والطفيليات الممرِضة، مثل الكوليرا والسالمونيلا، وهو ما يجعل انتقال هذه الملوثات إلى السلسلة الغذائية تهديداً مباشراً لصحة المستهلك، واحتمالاً لانتشار أمراض معوية خطرة.

ويضيف: “نتعامل مع هذه المخالفات بأعلى درجات الحزم، بالتعاون مع البلديات والروابط الفلاحية والجهات الأمنية، عبر تكثيف الجولات الميدانية، وتوعية الفلاحين بمخاطر استخدام هذه المياه، وتنظيم الضبوط وفق المادة 10 من المرسوم 59 لعام 2005، إلى جانب إتلاف المحاصيل المخالفة في مكانها”.

ويرتبط هذا الخطر أيضاً بالانتشار الأخير لالتهاب الكبد A، الذي سجل بحسب وزارة الصحة 35,845 إصابة على مستوى سوريا، مع ارتباط واضح بين زيادة الحالات ومشكلات تلوث المياه والنظافة.

الحل يبدأ بمحطات المعالجة
وفي ظلّ شحّ الموارد المائية وتراجع التغذية الجوفية، تعمل الحكومة على إعادة تأهيل محطات الصرف الصحي القديمة، وإنشاء محطات جديدة في دمشق وريفها، لاستخدام المياه المعالجة في سقاية محاصيل محددة وفق ضوابط فنية، كما تُنفذ مشروعات بالتعاون مع منظمات دولية تهدف إلى حفر آبار جماعية، وتطوير منظومات معالجة قادرة على تأمين مياه آمنة للري وفق المعايير البيئية والصحية.

وتشير مديرية الزراعة إلى وجود مشروعات قائمة وأخرى مقترحة، تشمل إعادة تأهيل محطة الصرف الصحي في محافظة دمشق، إضافة إلى إنشاء محطات معالجة جديدة في ريف دمشق وربطها بشبكات توزيع منظمة، بما يحد تدريجياً من الاعتماد على مصادر ملوَّثة للتربة والمياه الجوفية.

ورغم الجهود اليومية في ضبط المخالفات وإتلاف المحاصيل، يبقى التحدي الأكبر في تغيير السلوك الزراعي، إذ لا يزال بعض المزارعين يلجؤون إلى المياه الملوثة كحل سريع في أوقات الأزمات، وهو ما يستدعي تعزيز الوعي، وتكثيف البرامج الإرشادية، والتدخل المبكر قبل أن تتحول المشكلة إلى أزمة غذاء ملوث أكبر من قدرة أي جهة على احتوائها.

فالري بالمياه الآسنة لم يعد مجرد مخالفة زراعية محدودة النطاق، بل خطر قائم يهدد صحة السكان، وجودة التربة، واستدامة الإنتاج الزراعي، ومصدر الغذاء الرئيسي للعاصمة وضواحيها، ما يجعل مواجهة هذه الظاهرة مسؤولية مشتركة بين المؤسسات الحكومية والهيئات المحلية والمزارعين والمجتمع ككل.

الثورة

تعليقات الزوار
  1. تعليقك
  2. أخبرنا قليلاً عن نفسك