الاقتصاد اليوم ـ تغطية شاملة للأخبار الاقتصادية على مدار اليوم

 

فكرة مطروحة للنقاش...هل الدوام النصفي يمكن أن يحل مشكلة البطالة والبطالة المقنعة؟

الاقتصاد اليوم:

لا يبدو أننا نقف فعلياً على أبواب حل لمشكلة فائض العمالة في مؤسساتنا الحكومية، أي البطالة المقنعة التي تعصف بنا، وهي مشكلة بقيت رغم التسرّب الحاصل خلال سنوات الحرب، والأحاديث عن مشكلة نقص الكوادر، لكن هذا النقص ظهر في المؤسسات ذات الاختصاصات النوعية، كما أنه ليس نقصاً كمياً بل نوعياً.

أي مشكلة الفائض الكمّي ما زالت موجودة، بل على الأرجح ثمة صعود في تعقيدات هذه المشكلة، على خلفية إمعان الحكومات في نهج التعيين الاجتماعي، كبرنامج تشغيل الشباب الخريجين الذي أطلقته حكومة الحلقي، دون أن يكون ثمة حاجة فعلية لهؤلاء.

بالفعل ينظر الكثير من المتابعين إلى البطالة والبطالة المقنّعة على اعتبارها مشكلة مستعصية عن الحلّ، إلا أن بعض الاقتصاديين وجدوا في فرضية الدوام النصفي حلاً لتلك المعضلة التي تهدر القوة البشرية للطاقات الشبابية بشكل أساسي، فالفكرة تقوم على موظف يعمل بما لا يتجاوز أربع ساعات يومياً، على أن يتم توظيف آخرين بالمكان ذاته، أي أن يتم استيعاب نحو مليون موظف إضافي في مؤسسات الدولة على سبيل المثال، ولكن هناك جملة من الأسئلة يطرحها مراقبون: هل تعتبر هذه الآلية واقعية؟! وهل يمكن تطبيقها في الظروف الحالية؟! وما هي البيئة التي يجب توفيرها لمثل هذا القرار قبل اتخاذه؟! وهل الأسلوب الاختياري للدوام النصفي كقانون التقاعد المبكر الطريقة الأسلم والأنسب للبدء في هكذا إجراء؟!

رغم موضوعية الطرح – على غرابته التي تبدو للوهلة الأولى – يرى أكاديميون خاضوا في تفاصيل المشكلة وحلولها، أن ما يطالب به البعض من التوظيف بدوام نصفي وفق ساعات محددة، لاستيعاب العدد الكبير من طالبي العمل، هو أسلوب جيد وجديد لإدارة أزمة البطالة، ومطبق في العديد من الدول، رغم أنه أتى بنتائج إيجابية في دول قليلة، وخاصة بالنسبة للمرأة العاملة، ولكن من الصعب تطبيقه خاصة في ظلّ هذه الظروف التي تمرّ بها البلاد، فهو يحتاج إلى استقرار، وإصلاح اقتصادي واجتماعي ومؤسساتي بالدرجة الأولى، فالمشكلة ليست بتحديد عدد ساعات الدوام النصفي أو الكامل، خاصة أن شكل العمل الوظيفي التقليدي ذي الطبيعة الدائمة تغيّر في العديد من دول العالم، ليتحوّل إلى شكل عقد مؤقت فيما بين المؤسسة والعامل لإنجاز عمل ما خلال فترة محدودة لقاء أجور متفق عليها، نتيجة لذلك يتغيّر العقد الاجتماعي الذي يهتم بالأجور العالية، وبالاستثمار، والاستقرار الوظيفي، والترقية المهنية المتسلسلة، ليحل محله العمل من خلال الاتفاق بين الأطراف بحيث ينفذ العمل في المنزل أو المكتب الخاص أو في بعض المراكز التخصصية سواء كان ذلك للقطاع الخاص أم العام، الأمر الذي تطلب تغييراً جوهرياً في هيكل الوظائف والمهارات المطلوبة للعمل من خلال إعادة تأهيل مستمرة للعناصر البشرية، لتصبح قادرة على استدعاء المعلومات والبيانات المطلوبة والتي تساعدها في صياغة القرارات الإدارية والفنية الصحيحة لمعالجة كافة المشكلات والمعوقات التي تعترضها..

والواضح أننا أصبحنا اليوم نهتم بالبعد الوظيفي الزماني للوظيفة بمعزل عن البعد المكاني حيث أصبح الموظف الذي يعمل بالقطاع العام والخاص ينجز عمله من أي مكان يريد.

قد يرفض البعض فكرة الدوام النصفي على اعتبار أن الرواتب والأجور الحالية للموظفين لا تكفي، فكيف إذا ما جرى توزيعها على موظفيّن اثنين بدلاً من واحد، ولذلك، فهل تصحيح العلاقة وترميم الفجوة بين كتلتي الرواتب والأجور قياساً بالأسعار نقطة الانطلاق الضرورية والمبدئية لمثل هذا الإجراء؟!

وعند هذه النقطة يوضح أحد خبراء التنمية الإدارية أنه وبهذه الطريقة سيتم استيعاب الكثير من طالبي العمل، ولكن على حساب الرواتب والأجور والتعويضات، وهنا سنكون أمام مشكلة التوافق بين الرواتب والأجور وأعباء العمل المكلّف بها العامل، وهذا يتطلب بناء نظام رواتب وأجور ومكافآت وحوافز مشجعة على أرضية التطوير الذاتي لمهارات العاملين في الجهات العامة وكفاءتهم المهنية، والذي يضمن المستوى المعيشي العالي الذي يرضي جميع المستويات، وقد يشمل هذا النظام آليات تقييم عادلة وعملية للأداء وللمهارات الشخصية، وتقديم المكافآت والحوافز المناسبة للنتائج..

* المشروعات الصغيرة حلٌّ

متوالية الحلول التي تظهر على سطح طاولات البحث تتزايد كلما طال البحث والتمحيص أكثر فأكثر، فثمة من يرى أن هناك حلولاً أخرى غير حل الدوام النصفي، ويتجه نحو خيارات أكثر خدمةً للتنمية، وغير ” جراحية” أي لا تثير جدلاً في الأوساط الحكومية والعامة، بين مؤيدٍ ومعارض للفكرة.

إذ يرى بعضهم أن الدوام النصفي ليس وحده من يشكّل الآلية والإجراء الحكومي المقبول لحل أزمة البطالة المزمنة التي تعاني منها البلاد، بل إن الحل الأساسي لمشكلة البطالة من وجهة نظر خبراء اقتصاديين ليست بتحديد ساعات العمل، أو تقليص دوام الموظفين، أو تحديد أيام العطل أو الدوام المسائي.. وغير ذلك، بل يكمن في الاعتماد على المشروعات الصغيرة والمتوسطة وتشجيعها من جهة، وإدارة مؤسسات القطاع العام بفكر القطاع الخاص من جهة ثانية، من حيث التركيز على الربحية كما التركيز على الجانب الاجتماعي، فذلك يمثل نقطة البداية لتطور أي دولة، وبما يساهم في حل مشكلة البطالة، وخاصة البطالة المقنعة، فلا بد من تشجيع الشباب على العمل الخاص بهم، وتقديم الحوافز والمغريات لذلك، وأن يتم ذلك بطريقة علمية مُمنهجة قائمة على دراسات وليس على اقتراحات وتقديرات أشخاص، وستكون النتيجة مبهرة، والأمثلة على ذلك كثيرة في دول العالم، لكن رغم النتائج التي يعد بها هكذا حل، وهي نتائج معلومة للجميع، بقيت الإرادة الحكومية باتجاه تطبيقاته، فاترة إلى حدود من شأنها إثارة الريبة في أسباب نزوه السلطة التنفيذية للغرق في قضايا غير استراتيجية وترك هذا الموضوع الاستراتيجي دونما عناية وحل جذري!!؟؟

الخبير السوري

تعليقات الزوار
  1. تعليقك
  2. أخبرنا قليلاً عن نفسك