الاقتصاد اليوم ـ تغطية شاملة للأخبار الاقتصادية على مدار اليوم

 

فوضى أسعار العقارات في سورية..الحلول ليس في دائرة اهتمام أحد

الاقتصاد اليوم:

آلاف الشقق السكنية المبنية على الهيكل في المناطق الآمنة تنتظر فرج الإكساء الذي لن يأتي، ما لم تتم صفقة بيع رابحة لمن بنى هذه الشقق، وتتعلق الصفقة بهامش ربح جعل منه ارتفاع الأسعار بشكل جنوني هدفاً صعباً وليس مستحيلاً على المتعهدين، ولكنه بات حلماً أمام ذوي الدخل المحدود أو كابوساً لمن تم تهجيره، وهو لا يملك قوت يومه، فأصبح يفترش الأرض ويتدثر بالسماء بانتظار فرج ربما هو قريب، ولكنه بعيد، فأزمة ارتفاع أسعار مواد البناء وتكاليفه بشكل كبير أرخت بظلها على السوق العقارية، وشكلت حالة من النوم القسري أمام المتعهدين الذين لم يجدوا سبيلاً لأرباحهم سوى مضاعفتها، لقلة البيع، عدة مرات في حالة تناسب طردي مع ارتفاع الأسعار، وركبت العقارات في قطار الغلاء الذي بدا مع الأغذية والمستلزمات اليومية، وسار في كل المحطات المعيشية في حياة المواطن السوري.

فوضى الغلاء

أحمد الجرف، متعهد بناء وإكساء وصاحب مكتب عقاري، لفت إلى أن التحليق الجنوني وغير المسبوق لأسعار العقارات هو نتيجة لدخول عدد من المتسلقين والمتعطشين لحصد المزيد من الأموال إلى سوق العقارات، علماً أن أكثر من 60بالمئة من هؤلاء غير منتسبين إلى نقابة المقاولين وبنتيجة دخولهم وصل سعر المتر المربع الواحد للعقار المشيّد على الهيكل إلى نحو 25 ألف ليرة سورية وسطياً في أغلب المحافظات السورية، ويزداد بحسب المواصفات الترفيهية مثل الموقع والمساحة والإكساء وغيره، وهذا الأمر أدى إلى إحجام عدد كبير من المواطنين عن الشراء لعدم توفر السيولة المالية، ولاسيما أن الراغبين في الشراء هم من ذوي الدخل المحدود، والذي زاد الطين بلة وخلق روح التردد بالشراء عند هؤلاء نضوب منابع التمويل الشرائي من المصارف وإنهاء عملية البيع بالتقسيط، ما أدى إلى إقفال سوق البيع والشراء العقاري لعدم تجرؤ المواطنين على الشراء والبيع، ولا يمكن نسيان ارتفاع أسعار مواد الإكساء التي وصلت إلى 200بالمئة على الأقل ، ويضاف إلى هذه الأسباب توقف البنوك الخاصة والعامة، وخصوصاً البنك العقاري عن دعم هذا القطاع نتيجة الأزمة، حيث كان الشراء سابقاً يتم عبر القروض العقارية لمدد قد تصل إلى 15 عاماً، والجميع يعرف أنه ليس في مقدور أحد أن يقوم بالدفع النقدي لشراء شقة، ما أدى إلى إدخال سوق العقارات في حالة موت سريري لا يعرف أحد من هو قادر على إنعاشها وبعثها من جديد.

هموم

الحرفي محمد الأحمد صاحب منشأة لصناعة البلوك والبواري الإسمنتية أكد أن تراكم الإنتاج وضعف التسويق أدى إلى جمود تجاوزت نسبته 75%من إجمالي الإنتاج، وبالتالي تسبب في تجميد كتل مالية ضخمة، وقلل الأرباح نسبة للفترة الزمنية التي يتم فيها البيع بسبب تصاعد أسعار المواد الأولية بشكل كبير حتى تجاوز منذ بداية الأزمة إلى يومنا الحالي حدود خمسة أضعاف، ما رفع بالتالي أجور اليد بالعاملة بنفس النسبة تقريباً ليتمكن العمال والحرفيون من مجاراة الغلاء الموجود، وأشار الأحمد إلى أن سعر طن الإسمنت في السوق اليوم تجاوز 2300ليرة سورية ضمن المدينة، وفي حال خروجه إلى الريف يزيد بمقدار10%وارتفع سعر البلوكة قياس 15إلى 70ليرة والـ12 إلى 60 ليرة وال10إلى 50 ليرة، كما ازداد سعر بلوكة الهوردي التي تستخدم في صب الأسقف قياس 15 لسعر 55 ليرة وقياس 18 لسعر 65 ليرة وقياس 25 لسعر 85 ليرة، وبالنسبة لنقلة الرمل والبحص فقد تجاوز سعر المتر المكعب 2000ليرة بينما رمل البودرة كما يسمونه والمستخدم في البناء فتجاوز عتبة ال2500ليرة للمتر، أما الرمل النبكي المستخدم في الإكساء فبلغ سعره ما يقارب الـ5000ليرة سورية.

الحرفي محمود جعمور، صاحب معمل بلاط، أكد على كلام الأحمد بتجاوز سعر المتر المربع من البلاط قياس 30سم مبلغ 1250ليرة سورية، ويزداد السعر بحسب مواصفات البحص والنقشة الموجودة واللون وبالتالي زاد سعر تركيبه إلى نفس القيمة وأصبح وسطي تكلفة متر البلاط العادي مع الأجور بحدود 3500ليرة سورية، وهو ما أثر على السوق، إضافة إلى ارتفاع أسعار المواد الأولية .

أما محمد رزوق، صاحب منشأة للحديد المبروم، فقد أشار إلى تجاوز سعر طن الحديد المبروم المستخدم في البناء لعتبة 200ألف ليرة سورية دون أجور النقل والتحميل، ما شكل عبئاً إضافياً على المنشآت في حالة الكساد و التي أفرزتها حالة الجنون العقارية غير المبررة التي تعيشها سورية والتناقض الغريب بين عدد المساكن الفارغة المشيدة، إن كان بشكل كامل أو على الهيكل، وبين عدد العائلات التي لا تجد مأوى يقيها برد الشتاء وحر الصيف وخصوصاً بعد تركزها في المناطق الآمنة .

وفي لقاء مع عدد من الحرفيين في قطاع البناء والإكساء بين “أبو أغيد” وهو بنّاء، أن ارتفاع الأسعار دفعهم إلى رفع أجورهم أيضاً ليتمكنوا من مواكبة ارتفاع الأسعار في كل مناحي الحياة، ولكن هذا الارتفاع لم يفدهم بل أثر عليهم سلباً نظراً لتوقفهم لفترات طويلة واقتصار عملهم على بعض الأعمال الترميمية والإنشائية البسيطة، وزاد بالتالي من بطالتهم، وانتقال عدد كبير من العاملين في هذا القطاع إلى أعمال أخرى يؤكد على هذا الكلام، “أبو دياب” وهو معلم تركيب بلاط، يشير إلى نفس المعاناة في استلام الورشات وتسليمها وارتفاع الأسعار وعدم الثبات في سوق العمل.

تعرية أم إكساء

وكان للعاملين في ميدان الإكساء همومهم الكبيرة أيضاً من حيث ارتفاع أسعار المواد وقلتها في السوق وانتشار أنواع رديئة المنشأ نظراً لضعف الرقابة وعدم متابعة المواصفات من قبل الجهات المعنية، والحجة هنا كلفة الإكساء والقدرة عليه من المريدين، ولا يختلف الأمر كثيراً عند معلمي الصحية وتركيبها فسعر المواد ارتفع بمعدل خمسة أضعاف وسعر البياض من حنفيات وخلاطات وأنابيب فاق ذلك بكثير وخصوصاً في ظل تركيب تدفئة مركزية أو شوفاج أو تكييف وتبريد بالطاقة الشمسية (كلو بيحرز تمنو) يختم معلم الصحية عاصف عثمان كلامه، بينما يبين “أبو عيسى” وهو منفذ إكساء كهرباء أن أسعار الكابلات بمختلف أحجامها وقياساتها تضاعفت بشكل جنوني، ما أدى إلى ارتفاع أسعار كل مواد إكساء الكهرباء، حيث أصبحت الشقة مساحة 100متر تكلف وسطياً 150ألف ليرة لكسوة الكهرباء من النوع المتوسط، وترتفع بارتفاع أسعار المواد المختلفة حتى تقترب إلى سعر 1مليون ليرة لشيء جيد وأصبح عامل الكهرباء يتقاضى على نقطة الوصل 250ليرة وسطياً، بعد أن كانت فيما مضى لا تتجاوز 60ليرة، يضاف إلى ذلك ارتفاع أجور العمال العاديين بنفس النسبة وينطبق على الدهان والديكورات ما ينطبق على الكهرباء، كما يؤكد المعلم محمد، بل يزيد بشكل كبير نسبة لنوع الدهان والمعجونة وعدد الطبقات المطلوبة ونوع الديكورات التي يتم تنفيذها، ويختم بالتأكيد على أن سوق البناء والإكساء شهد جنوناً في الأسعار في كل جزئياته التي تشكل حلقات في سلسلة البناء والتشييد ووجوب إيجاد حلول لهذه المسألة من قبل الحكومة عبر وزاراتها المختلفة لتكون عملية إكساء للبيوت لا تعرية للجيوب بلا فائدة.

رأي فني

المهندس "رضوان درويش"، مدير التنمية العمرانية في "وزارة الإسكان والتنمية العمرانية"، يرى أن هناك مجموعة معايير لمعالجة هذه القضية عبر تشخيص الحالة بشكل صحيح من خلال فهم الأدوات التي تساهم في صناعة قطاع البناء ومعرفة الأسباب والوصول إلى النتائج، لأن هناك العديد من العوامل التي لعبت دوراً جوهرياً في الغلاء الموجود أهمها العرض والطلب بعلاقة عكسية مع السعر، علماً أن وجود أبنية على الهيكل لا تضمنها السوق العقارية بشكل أساسي بل عدد الوحدات السكنية الجاهزة للخدمة ووجود الأزمات يؤدي إلى حالات جنونية في السوق، وفي النهاية المسألة ستؤدي إلى هبوط سريع مثلما كان له صعود سريع في الأسعاروالطلب والعرض، وبالنسبة لأجور البيوت فالمسألة مرتبطة بالغلاء بشكل عام، لأن قطاع البناء مرتبط بحالة الاستقرار في البلد، وقد بدأت القطاعات الحكومية بضبط عملية العقارات وأسواقها عبر عدد من الإجراءات، أهمها ضبط الوساطة العقارية والمعايير المطلوبة والضوابط اللازمة، وفي النهاية هناك معادلة مرتبطة بدخل المواطن والقيمة الشرائية للعقار والمستفيد كل القطاعات ماعدا قطاع الموظفين ويرتبط أيضاً بارتفاع سعر الدولار وانعكاساته على السوق بشكل عام.ويضيف درويش أن الخلل وعدم التوازن موجود ولكن يجب النظر إلى المسائل الأساسية في الحياة كالغذاء والأمان والموارد المتاحة والتي تتجه بمعادلة عكسية في حالات الأزمات، واقترح مدير التنمية أن تتدخل الدولة بشكل أكبر عبر إيجاد آلية تنفيذية لحالة البيوت على الهيكل من خلال القروض والدعم الحكومي وإيجاد التسهيلات اللازمة لإكساء هذه الوحدات واستثمارها في سوق البيع والشراء والإيجار وإيجاد صيغة لاستثمار البيوت خارج الخدمة من خلال وضع آليات إلزامية لأصحاب هذه العقارات لوضعها في الخدمة، إضافة إلى ضبط الإيجارات وكتابة الأرقام الحقيقية لبدلات الإيجار ووضع المعايير القانونية لهذه المسألة خلال فترة زمنية يجب ألا تكون طويلة .

آمال مستقبلية

المهندس الاستشاري "مازن الخطيب" يرى أن الحالة العقارية في سورية تقسم إلى جزأين رئيسيين، أولهما سوق البيع والشراء للوحدات السكنية إن كان على الهيكل أو بإكساء كامل أو نصف كسوة، وكل حالة تتطلب مقومات معينة لتغذية السوق، ولكنها تجمع العرض والطلب، وهنا لعبة الأسعار الجنونية التي يربطها الجميع بالدولار، رغم أن حالة السوق العقارية لا تتأثر بارتفاع الدولار كونها حالة محلية بمعظم موادها، ولكنها تتأثر بارتفاع الأسعار في الأمور الأخرى، ولكن بالعودة إلى حالة البيع والشراء نرى كساداً كبيراً، رغم ارتفاع الأسعار الجنوني، وضعفاً بالطلب نتيجة التأثر بالحرب على سورية، وواجب الجميع هنا التعاضد للوقوف في وجه هذه الحالة غير الصحية، ويجب أن تدعم الدولة السوق وتحركه عبر الاستثمارات في هذا القطاع وتأمين المواد الأولية وسهولة النقل بين المناطق الآمنة وفتح سوق موازية للقطاع الخاص بإشراف مؤسسات الدولة لتأمين احتياجات قطاع البناء، خصوصاً وأن سورية في طور النصر القريب، وقد بدأت في خطط إعادة الإعمار، لذلك يجب الاستعانة بالخبرات الوطنية والصديقة لوضع الخطط وتأمين المتطلبات الأساسية لإعادة إعمار ما خربته الحرب، وبالتالي فإن السوق العقارية ستشهد ازدهاراً للمواطن من خلال توافر العقارات ودعم الدولة، وستكون الحالة بتناسب عكسي في عملية البيع والشراء، ويتابع الخطيب في توصيفه للحالة عن الشق الثاني وهو سوق الإيجار التي حلقت عالياً نتيجة الطلب الكبير والعرض القليل، ما خلق حالة من عدم التوازن وأخذت الأسعار بالتحليق في المناطق الآمنة بشكل جنوني نتيجة قصدها من قبل المهجرين أو القاطنين في الأماكن الساخنة، ما خلق عبئاً كبيراً على المواطن والدولة معاً، وهنا يرى الخطيب أن على الدولة والمواطن التشارك لمواجهة هذه الحالة من خلال عدد من الإجراءات الأساسية، أهمها تنظيم موضوع عقود الإيجار بحسب الحالة الراهنة وتخفيف الضرائب والرسوم وأجور الدلالة بنسب معقولة، إضافة لوضع أسعار إيجار بحسب معايير تتم مناقشتها تتعلق بأوصاف المأجور الداخلية والخارجية كضابط لهذه الحالة والاتجاه نحو المناطق التي تم تحريرها وإعادة أهلها إليها مثلما حدث مؤخراً في ريف دمشق في منطقة الحسينية، ما سيؤدي إلى خلق حالة من العرض أكبر من الطلب، وسيؤدي ذلك لضبط السوق، ويختم الخطيب بنتيجة مفادها أن موضوع السوق العقارية موضوع معقد يحتاج إلى جهود مشتركة من كل القطاعات الخاصة والعامة لحله، ولكنه ليس بالحل المستحيل لأن التجارب الأخيرة وانتصارات الجيش العربي السوري وتحرير الكثير من المناطق وإعادة أهلها إليها تدل أنه عند الإصرار تتحقق المعجزات .

تضافر الجهود

إن حالة الفوضى المتراكمة في السوق العقارية السورية تحتاج إلى يقظة وحس وطني وتضافر للجهود من كل القطاعات الموجودة الخاصة والعامة والأهلية، كما تحتاج إلى مجموعة من الشروط والمعايير التي نستطيع تطبيقها وتنفيذها في حال وجود الإرادة الوطنية، وكما كان المواطن السوري الغيور يقف خلف الجيش العربي السوري في انتصاراته، يستطيع أن يقف خلف المؤسسات لإعادة إعمار وإيجاد سوق عقارية معقولة لضبط جنون الحالة السائدة، إن كان في سوق البيع والشراء أو في سوق الإيجار،لأن السوريين معروفون بتراحمهم وتواصلهم، وخصوصاً في الملمات، فنأمل المبادرة من كل القطاعات لترميم الحالة العقارية السائدة، وإيجاد الحلول الممكنة لمن هجرهم  وتركهم بلا مأوى.

المصدر: صحيفة "البعث"

تعليقات الزوار
  1. تعليقك
  2. أخبرنا قليلاً عن نفسك