الاقتصاد اليوم ـ تغطية شاملة للأخبار الاقتصادية على مدار اليوم

 

قرار جريء لم نتخذه بعد

 الاقتصاد اليوم:

لا نبدو في حال يسمح بأن تكون أسواقنا عامرة بكل ما تتطلبه طموحات الاستهلاك الترفي، ولعل المشهد العام وما يتخلله من سلوكيات الإنفاق المتمردة على أدبيات اجتماعية واقتصادية مفترضة في الأزمات أمثال أزمتنا الصعبة، يكفي لتلقف أشكال كثيرة من التُّهم وإعادة توزيعها باتجاه من أخطأ أو قصّر أو ارتكب.

 فالواضح أننا تجاهلنا استحقاقات تقليدية يمليها بإلحاح ما يسمى بـ “اقتصاد الحرب” وها نحن ندفع ثمناً باهظاً موثّقاً على فواتير اليوميات المعيشية لكل مواطن على شكل متوالية ارتفاعات جنونية لم تستثنِ حتى أبسط السلع ذات المنشأ المحلي..

 والواقع يحتم الاعتراف هنا بأن مشكلتنا نقدية من منشأ اقتصادي، وليست اقتصادية على خلفيات نقدية كما يحب أن يتحدّث معظم رجالاتنا التنفيذيين، أي العلة ليست في الإدارة النقدية التي تتصدى للنتائج، بل في الإدارة الاقتصادية التي أتاحت الأسباب.

 وإن كان لابد من مزيدٍ في الإيضاح، فقد يكون في تفاصيل إدارة ملف التجارة الخارجية ما يعفي من طول الشرح،هذه مسؤولية لا تتحملها وزارة الاقتصاد لوحدها بل حكومتنا مجتمعةً لأننا بحاجة إلى قرارات “حدّية” فاصلة يتبنّاها مجلس الوزراء، ونختصر بسؤال مختصر يستفسر عن الأسباب التي أثنت الحكومة عن اتخاذ قرار كان منتظراً

يقضي بإيقاف الاستيراد إيقافاً تاماً باستثناء ست أو سبع سلع أساسية، ونعتقد أن مثل هذا القرار لا يحتاج إلى اجتهاد في الأسباب، فمفهوم اقتصاد الحرب يكفي دونما تفصيل؟.

بماذا يمكن أن تبرر سلطتنا التنفيذية السماح باستيراد سلع الكماليات والرفاهية المفرطة ونحن في زمن حربٍ ضروس تجاهل بعضنا جانبها الاقتصادي الذي لا يقل خطورةً عن الجانب السياسي والعسكري؟!.

ما هو مبرر إتخام أسواقنا بأنواع الويسكي والسيجار والعطورات الفاخرة وحتى السيارات مثلاً؟!.
هل يمكن فهم أسباب السماح باستيراد الموديلات المواكبة لصرعات الألبسة، حتى أنواع الفاكهة المستوردة من دول أوروبا لم تخلُ منها أسواقنا ؟!.

حتى ولو لم نموّل التاجر المستورد من المصرف المركزي، يبقى التمويل من السوق السوداء سبباً مباشراً في الضغط على المعروض النقدي بالقطع الأجنبي،
أي تمويل سلع النخب الرأسمالية “الطبقة المحمولة” على حساب سلع أساسيات المواطن وهذا خلل يجب استدراكه سريعاً.

الآن لا بد من قرار جريء بمنع الاستيراد وإصدار قائمة سماح “بيضاء” لا تزيد عن سبع سلع ضرورية، والباقي كله يُرحّل إلى قائمة المنع “السوداء”.. وهذا لن يكون اختراعاً، بل إجراء تقليدي معروف تلجأ إليه الدول التي تمر بظروف كظرفنا.

عندما نتخذ هكذا قرار، ونتشدد في عرض السلع المهربة ونعمد إلى مصادرتها، يتلاشى عامل الطلب على القطع الأجنبي بنسبة تصل إلى 80 بالمئة،

بالتالي يتعزز موقف الليرة كتحصيل حاصل على قاعدة معادلة العرض والطلب، وبذات الوقت نترك فرصة لانتعاش الإنتاج المحلي فتكون أزمتنا فرصة للنهوض ونفض الغبار عن وسائل الإنتاج المعطّلة بفعل المنافسة القاتلة.

وإن لم تفعل حكومتنا علينا أن نستعد لتلقي أنباء صادمة عن عتبات سعرية مفاجئة لأسعار صرف العملات الأجنبية أمام ليرتنا، لأن ما يخرج لأغراض الاستيراد يزيد أضعافاً مضاعفة عما يأتي كعائدات تصدير..

وبما أنهم أغلقوا معابرهم الحدودية في وجه صادراتنا ليحكموا “طوق خنقنا” لماذا نصر على فتح حدودنا أمام تدفقات سلعهم لنكمل إحكام الطوق؟.

نحن في حرب وإن لم ننتصر لأنفسنا علينا ألا ننتظر انتصاراً لنا من أحد.

ناظم عيد

صحيفة البعث

تعليقات الزوار
  1. تعليقك
  2. أخبرنا قليلاً عن نفسك