الاقتصاد اليوم ـ تغطية شاملة للأخبار الاقتصادية على مدار اليوم

 

قطاع الصناعات النسيجية بعيون الخبراء...تجارب مريرة وتوصيات لم يؤخذ بها

الاقتصاد اليوم:

ليس جديداً أن نسمع الموشّح ذاته للمعنيين بقطاعنا الصناعي عامة والنسيجي خاصة، سواء من ممثلي وزارة الصناعة أم القطاع الخاص، فالموضوع فيه من الهموم بقدر ما فيه من الشجون، والمشكلة المعضلة التي يمكن أن تلخّص مسيرة هذا القطاع، منذ ما قبل الأزمة بسنوات مديدة وحتى في ظل سنواتها القاتمة بأثرها وتداعياتها الشديدة السلبية، أن كلاً من الطرفين يريد، ولكن لا تزاوج للمراد ولا حتى معاشرة بإحسان، فالمعنيون في الحكومات السابقة، كانوا يسمعون لما هو مطلوب لكن لا يفعلون وإن فعلوا فكما يقال: “من الجمل أذنه”.

أما الجديد الذي يرقبه القطاع الخاص والخبراء والاختصاصيون والمستثمرون في هذا القطاع، فهو ذلك التعويل المتفائل على الحكومة الجديدة، وخاصة بعد المؤشرات الإيجابية التي أرسلتها والتي تشي بجدّيتها التنفيذية في التعاطي مع الأولويات الصناعية والاقتصادية والخدمية.

هل تلقى صدى..؟
بالأمس وخلال ورشة العمل التي أقامتها جمعية العلوم الاقتصادية بالتعاون والتنسيق مع الاتحاد العربي للصناعات النسيجية، تحت عنوان: “الصناعات النسيجية.. الواقع والنهوض”، والتي شارك فيها مجموعة متميزة من الصناعيين والخبراء والاستشاريين وعدد من المؤسسات والشركات العامة والخاصة، تبيّن أن الصناعة السورية عامة والنسيجية خاصة، قد واجهت خلال السنوات الخمس التي سبقت نشوب الأزمة مجموعة مهمة من الأحداث والصعوبات حالت دون الاستفادة من نقاط قوتها ومعالجة نقاط ضعفها، وأدت بالتالي إلى عدم الاستفادة من الفرص التي كانت متاحة أمامها، الأمر الذي زاد من حجم المخاطر والصعوبات التي واجهتها وتجلّت بشكل خاص بجملة من التحديات.

ما صنعته قراراتنا..!؟

من تلك التحديات تحرير التبادل التجاري وفتح السوق السورية نتيجة استكمال تنفيذ الاتفاقات الجماعية والثنائية مع عدد من البلدان العربية وتركيا، وارتفاع أسعار المحروقات داخلياً، وكذلك أسعار العديد من مدخلات الإنتاج، وضعف التكامل بين طاقات حلقات إنتاج القطن والغزل والمنتجات النسيجية الأخرى، وضعف مستوى التصميم وعدم تنفيذ البرنامج الشامل للتحديث والتطوير الصناعي الذي أعدّ عام 2007 بهدف تحديث وتطوير 1000 شركة صناعية خلال 3 سنوات ومن ضمنها الشركات الصناعية.
وليت الأمر اقتصر على هذا، لا بل كان هناك افتقار إلى العديد من الهيئات الداعمة الضرورية لتعزيز القدرة التنافسية للمنشآت الصناعية وضعف التمويل الصناعي وارتفاع تكاليفه وصعوبة شروطه، وغلبة الأسلوب الإداري التقليدي لدى القسم الأعظم من منشآتها، إضافة إلى عدم الاهتمام الكافي بأشكال الملكية الأخرى، والتأخر في معالجة أوضاع القطاع الصناعي النسيجي بشكل عام والصناعات النسيجية بشكل خاص، وانتقال العديد من الصناعيين إلى التجارة واستيراد المنتجات المشابهة لما ينتجونه، وتراجع عدد المشاريع الصناعية المنفذة سنوياً من 2251 مشروعاً في عام 2006 إلى 1408 مشروعات صناعية عام 2010، وإلغاء 3282 سجلاً وقراراً صناعياً عام 2009، شكّلت المنشآت النسيجية نسبة 46% منها.

10% فقط..!؟

بالمقابل وحسب الدراسة التي أعدّتها الجمعية ماذا كانت نتيجة عمل الحكومات السابقة..؟، الكثير من الصناعيين والمختصين يرون أن معظم الإجراءات والتدابير التي اتخذتها الجهات الحكومية المعنية منذ بداية الأزمة حتى الآن فيما يتعلق بقطاع الصناعة اتسمت بالتأخر والبطء واعتماد أسلوب العمل يوماً بيوم في معالجة المشكلات، إضافة إلى الارتجال والتسرّع في عدد من القرارات دون إجراء الدراسات المعمّقة لها أو حتى مشاركة الصناعيين ومنظماتهم في تلك القرارات التي لم تتجاوز في كثير من الأحيان مرحلة سماع الرأي دون الأخذ به وذلك بالنسبة للعديد من القضايا الحساسة.
أما بالنسبة لتقويم الدراسة للمنجز المطلوب من الحكومات خلال فترة الأزمة على مستوى القرارات والإجراءات والتدابير، فعلى الرغم من اتخاذ مجموعة من القرارات المهمة، لكن التقويم يؤكد أنها لا تتعدّى في نسبتها الـ10% من مجمل المطلوب لتأخذ الصناعة دورها وتحقق ما دأبت الحكومات نفسها على الإعلان عنه من أهداف، كإعادة عجلة الإنتاج وتأمين عوائد مالية بالقطع الأجنبي.. وغير ذلك مما يعوّل عليه لتطوير الصناعة عامة والنسيجية خاصة.

وجهاً لوجه

وتتبدّى المفارقة صارخة عندما يقول معاون وزير الصناعة الدكتور جمال العمر الذي ناب عن الوزير في حضور الورشة، مؤكداً المؤكد: إن الصناعات النسيجية من الصناعات الأساسية والمهمة في الصناعات السورية بشكل خاص والاقتصاد السوري بشكل عام نظراً لما تتمتع به من مزايا عديدة جعلتها في مقدمة الصناعات النسيجية في المنطقة نتيجة توفر مجموعة من العناصر المهمة والأساسية في هذه الصناعة محلياً.

والأجمل أن المعاون يعتبر أن معالجة ما تعانيه الصناعة السورية عامة والنسيجية خاصة من المهام الرئيسة لعمل وزارة الصناعة ولا ينسى أن يذكر أن ذلك يتم بالتعاون مع الجهات العامة والخاصة المعنية..، كما لم ينسَ أن يذكّر بأن الوزارة تركز على توفير الدعم اللازم للمنشآت الصناعية العامة والخاصة التي هي قيد الإنتاج حالياً ومعالجة الصعوبات والمشكلات التي تواجهها..، ويدعو إلى العمل من الآن على إعداد التصوّرات والخطط اللازمة للمرحلة القادمة وو.. إلخ الأسطوانة.

الردّ على ما قاله معاون الوزير جاء على لسان الدكتور كمال شرف رئيس جمعية العلوم الاقتصادية الذي تترأس جمعيته حالياً رئاسة اتحاد الاقتصاديين العرب، حيث قال: ما ذكر في الورشة والدراسة هو نصف المشوار، أما نصفه الثاني فهو استجابة الجهات المعنية لتنفيذ ما سيخرج عن هذه الورشة من توصيات ومقترحات، كاشفاً عن أمله في عدم ترك مصيرها للاطلاع والحفظ كما كان يجري في معظم الحالات السابقة..، ولم يخفِ شرف ما لهم من تجارب مريرة في هذا الشأن، إذ طالما كانوا يرفعون التوصيات..، لكن الجهات المعنية لم تكن تتجاوب إلاّ بالحدود الدنيا..!؟. علماً أن الصناعات النسيجية تعدّ حسب شرف أحد أهم قطاعات الصناعات السورية، حيث كان يستأثر بالعدد الأكبر من المشاريع وبالعاملين فيه وبمساهمته الوفيرة في الناتج المحلي للصناعات التحويلية في سورية ويحتل سمعة إقليمية وعالمية منافسة.

الأرقام تؤكد وجوب الاهتمام

مستشار الاتحاد العربي للصناعات النسيجية وأمين سر الجمعية الدكتور فؤاد اللحام المسؤول عن برنامج العمل، قدّم دراسة مفصلة مدعّمة بالأرقام والنسب، تناول فيها واقع الصناعة النسيجية والمطلوب من الحكومة لإعادة تأهيل هذه الصناعة، محدّداً متطلبات ذلك على ثلاثة مستويات الكلي والمتوسط والجزئي، المستوى الأول يشمل السياسات العامة الكلية والثاني المؤسسات الداعمة والثالث المؤسسات والشركات، مشدّداً على أن ذلك يتطلب العمل بشكل متكامل ومتناسق معاً.

ولترك باب التفاؤل قائماً عرض اللحام جملة من المؤشرات التي تؤكد أهمية هذه الصناعة في الاقتصاد الوطني، إذ كشف عن أنه تم تنفيذ 298 مشروعاً نسيجياً بين عامي 2011 و2015، برأسمال 3.4 مليارات ليرة وتشغّل 3450 عاملاً، موزعة إلى 211 مشروعاً وفق القانون /21/؛ و81 منشأة حرفية و6 مشاريع وفق قانون الاستثمار.

واستطاع عدد من المنشآت الصناعية قيد التشغيل معاودة التصدير لعدد من الدول العربية والأجنبية والمشاركة في عدد من المعارض محلياً وخارجياً، حيث بلغت قيمة الصادرات النسيجية التي تم تصديق شهاداتها من غرفة صناعة دمشق وريفها خلال عام 2015 نحو 13.6 مليار ليرة.

أما بالنسبة لصادرات القطاع العام فقد انخفضت صادرات مؤسسة الأقطان من 192 مليون دولار عام 2010 إلى 2 مليون دولار عام 2012 وتوقّفت تماماً بعد ذلك، كذلك تراجعت صادرات المؤسسة العامة للصناعات النسيجية من 195 مليون دولار عام 2010 إلى 135 ألف دولار عام 2015 ونحو 146 ألف دولار في النصف الأول من هذا العام 2016 نتيجة بيع عوادم.

المصدر: صحيفة "البعث"

تعليقات الزوار
  1. تعليقك
  2. أخبرنا قليلاً عن نفسك