الاقتصاد اليوم ـ تغطية شاملة للأخبار الاقتصادية على مدار اليوم

 

كتب الدكتور سنان علي ديب: الكوابح المعطلة للتغير الاقتصادي

الاقتصاد اليوم:

المشاكل الاقتصادية هي اهتمام أغلب البلدان و تسعى الحكومات لحلها عبر الاستثمار الفعال لمواردها بما يحقق الكفاية و الفعالية، ولكن حل المشكلة الاقتصادية ليست غاية نهائية وإنما هي طريق أو وسيلة للوصول للغاية الأسمى لأي بلد وهي علاج المشاكل الاجتماعية و تقويضها انطلاقاً للوصول لمجتمع عادل يحقق لمواطنيه الحاجات الأساسية في العمل و التعلم و الصحة و السكن اللائق وحرية العقيدة و التعبير، ولا يتم ذلك إلا عبر برامج تنموية مستقلة مستمرة متوازنة وهذه البرامج تعطي الهوية الاقتصادية للبلد و بالتالي يبقى تأمين هذه الحاجات غاية و معدل تأمينها بوصلة للسياسات الضرورية التعديل من أجل تحقيق الكفاءة الأكثر و العدالة الأوسع ,

ولكن التغيير في السياسات لا يمر بالسهولة المتصورة عندما يكون هناك ضرر لمصالح فئات أو شخصيات من هكذا تغيير وهنا قوى العرقلة تعمل حسب السياسة المعتمدة ففي ظل التحول نحو نهج اكثر عدالة وأكثر سيطرة للحكومة بالموارد الاقتصادية عبر استملاكات أو تأميم أو توزيع ملكيات أو محاربة فساد لزيادة عائدات الدولة فإن الأقلية المالكة أو المستفيدة ستستخدم شتى الطرق و الأساليب لمنع و عرقلة هذه التغيرات ولو أضطرت لخلق البلابل و الفوضى و الاستعانة بقوى خارجية وتكون فعالية هذه القوى متعاكسة مع سعة وانتشار وحجم الفئات المستفيدة منها و هو ما وجدناه في ستينات القرن الماضي عبر سياسات اقتصادية اجتماعية شكلت طبقة وسطى صلبة و أعطت مؤشرات اقتصادية اجتماعية قل وجودها عبر تنمية شاملة مستقرة متوازنة بمعدل نمو مرتفع وديون معدومة و احتياطات نقدية جيدة و بنى تحتية منتشرة أفقياً وعمودياً وخدمات صحية و تعليمية جيدة و مجانية و حالة معيشية جيدة و أمن غائي وأمن أجتماعي ومنظمات قوية و فاعلة و إن كان يعيبها غياب جزئي للحريات أو التعددية الحزبية إلا أن النتائج الاقتصادية و الاجتماعية لا يمكن التقليل من أهميتها و من الجهود المبذولة لها ,

ومنذ تلك الانتقال الاقتصادي ظلت قوى طبقية تضررت جزئياً من هذه التغيرات تعمل للانتقام و استعادة ما عدوه سلب ولو أن العائد رجعياً للملكيات لعرف كيفية وصول أغلبها لأصحابها من اقطاعيين وآغوات , و تحالف بقايا هؤلاء مع تصدر طبقة جديدة راكمت أموالها عبر الفساد أو عبر الامتيازات غير العادلة وتقاطعاً مع الرؤية الأمبريالية و التي أعلنت مشروعها عبر مقررات مؤتمر واشنطن للسير قدماً نحو أمركة العالم , و التي بدأت بغزو ثقافي فكري غرائزي لمحو الهويات الوطنية المتجذرة و تسهيل مرور أي تغيير و إثارة النعرات الطائفية و المذهبية و القومية و العرقية وهذا الغزو تمهيداً لتغير مفروض لسياسات اقتصادية تدعم الفردية المختارة بدلاً من العمل الجماعي الحكومي الموجه للشعب ,

الفردية المختارة عبر سلوكيات تحابي قلة ضمن قوانيين مبرمجة لا تشجع التنافس و لا التنافسية و تقوض دور الدولة كراعي و قائد للتنمية و تضعف دور المؤسسات و تقضي على القطاع العام وإن عدم تقبل المجتمع لهكذا قرارات سيؤدي إلى فرض هذه السياسات بأسلوب الصدمة عبر العنف و التعنيف و عبر بث الفوضى و عبر تأديب المعرقلين بالقتل و التدمير ورغماً من كل الضغوطات لم يستطع حاملوا مشروع ما بعد اللبرلة من تمريره لوجود بقايا منظمات ومؤسسات و أحزاب ذات فعالية مستندة لقوى تقاطعت مصالحها مع هذه التشكيلات ولو أن هذه التغييرات قد أثرت بالبنى و شكلت مدخلاً لتهشيم الصلابة و بوابة عبور لمشاريع دموية تدميرية قاهرة ولكن خلال سنوات الأزمة السبع ومع فيضان الدم فوجىء المتابع بتمرير ما عجز عن تمريره قبل الدم و الدمار عبر أدوات حكومية استمرت بنفس نهج العرابين أدوات البنك الدولي و استطاعت تمرير أكثر مما كان مطلوب من السابقيين وسط الاختباء من الأزمة و وفق قرارات تحابي قلة على حساب الوطن و الدم ووسط نهج سالب لكل ما حصل عليه المواطن من عدالة و حقوق من عمل وتعليم وصحة و مسكن و حياة مقبولة وكل هذا يمر وسط صمت مطلق ووسط تبريرات لا واقعية لها ولا مناسبة لوجودها وكل عرابي القرارات مختبئون وراء الأزمة و الضرورة وكلنا يعرف أن التحصين الداخلي بهذه الظروف هو التخندق الوحيد الذي يواجه المشاريع المنفذة لدول لا أمان لها ولم تكن لتستطع أن تحصل على ما وصلنا له و بخسائر أقل لو لم نسير مع مراد أدواتهم و لكن الملاحظات هو سهولة سير هذه القرارات من دون أي ممانعة و معارضة من المؤسسات و المنظمات المنوط بها الدفاع عن المواطنيين و البلد ,

فعدم أقامة حكومة أزمة أو حكومة عسكرية ترك المسألة بيد المؤسسات و الهيئات و الأحزاب و البرلمان و السلطة الرابعة الإعلام ولكن للأسف لم تستطع كل هذه التشكيلات أن تعرقل أي قرار أو تدافع عن حقوق مواطن او بلد إلا بالتنظير أو رفع الصوت في صحراء قاحلة وكأنها تحولت لهياكل بلا روح, فسؤالنا البرلمان كم مرة استطاع أن يحاسب أو يعاقب مسؤول مرتكب أو قائد لهذه التحولات أو يتخذ قرارات ملزمة بالعدول عن قرارات و كذلك اتحاد الفلاحين و العمال والجبهة و غيرها , أكبر مثال هو موضوع أسعار الدواء و التي رفعت مرتين في الأولى بعد أن قال رئيس الوزراء رفع الدواء خط أحمر ورفع ثانية لينطق الوزير أنه لا تعديل على أسعار الدواء , و الموضوع الثاني أسعار الأسمدة فطن اليوريا كان قبل الأزمة بـ6000 ليرة و اليوم بـ210 آلاف بعد ان سمحت الحكومة لاتحاد الفلاحين باستيراده ولكن بهذا السعر الذي يحابي سعر محتكري الاستيراد الذين يربحوا مئات الالاف بالطن وكلنا يعرف الضرر القادم اللاحق لرفع سعره على الزراعة و على إنكفاء الكثير من الفلاحيين من زراعة الخضار التي تعتمد عليه و كذلك بعد قرار استثنائي للسماح لبعض المحسوبيات باستيراد المازوت ليبرروا رفع ثمنه بعد أن وجد هؤلاء المستورديين من لبنان وكلنا يعرف ارتفاع الأجور و التكاليف بلبنان و طبيعة الظرف الذي فرض هذه الخطوة و التخلص من أغلبه لتتصدر الحكومة بنية تعديل أسعار الوقود و الذي سيخرب البلد أكثر مما وصلنا له و سيؤدي إلى موت جماعي من الجوع وآخر موضوع موضوع البطاطا طعام الفقراء و الذين أغتنى قلة من المتاجرة به وحتى مؤسسة التجارة أصبحت همها الربح و فرض أسعار غير تدخلية تقارب السوق و لا تزعل التجار,

وخذ أمثلة تمرير العشرات من الضرائب البدلات و رفع الرسوم أضعاف مضاعفة و تفشي الفساد المسرطن بعلانية و شفافية مرهقة و قاتلة و المتاجرة بالدماء و تفشي الفوضى و الانحلال الأخلاقي و القيمي وكل ذلك يسير وسط مسهلات مريحة بدلاً من كبحها و لجمها و السير نحو العودة للأمن و الأمان وتقوية الداخل عبر تحسين معيشته وعبر مواجهة تجار الأزمة داعشي الداخل بالتوازي لما تحققه المؤسسة العسكرية من انتصارات على ارهابي الخارج وسط استكلاب القوى الامبريالية و أدواتها,

وسؤالنا يبقى من يكبح المنظمات و المؤسسات عن أخذ دورها المعيق لسياسات ضد المواطن وتعاكس أهدافها وكيف يكبحوا هل عبر عدم توصيل الكفاءات أو عبر فرض رؤى أو عبر عدم وجود أدوات فعالة لدى هذه المنظمات لعرقلة المشاريع المخالفة لوجودها علماً ان شعبية الأحزاب و المنظمات كانت عبر وقوفها مع مصالح الطبقات الكادحة من عمال و فلاحين فمن سيقف مع هؤلاء إن لم تقف المنظمات و كيف ستعمل على شعبيتها إن لم تقف مع مصالحها,

إن عدم وجود ممانعة ومواجهة لهذا الانسياب الاسهالي بالقررات الضارة بالمواطن و البلد دليل مرض مزمن العلاج منه بتقوية دور المؤسسات و خاصة العسكرية لمواجهة من يعمل دورها بشكل مسيء للمواطن وللوطن في ظروف الآزمات و في حال توفر العقلانية ,

ضبط الفوضى و فرض القوانيين الجامعة المقوية أس البناء و تقوية و تحصين الداخل و الذي منه سيكون الحل في ظل عدم رغبة الخارج بالوصول لحل و السرور تقاطعاً مع تجار الأزمة بالداخل باستمرار نزيف الجرح وضعف دور الحكومة بقيادة البلد و بمعالجة أمور ومشاكل المواطنيين.

الدكتور سنان علي ديب “جمعية العلوم الاقتصادية”

سينسيريا

تعليقات الزوار
  1. تعليقك
  2. أخبرنا قليلاً عن نفسك