الاقتصاد اليوم ـ تغطية شاملة للأخبار الاقتصادية على مدار اليوم

 

كتب الدكتور سنان علي ديب: زيادة للأجور أم تحسين الوضع المعاشي

الاقتصاد اليوم:

  يعترف الجميع في سورية و العالم على المقدرة الكبيرة التي أظهرها الشعب السوري خلال سبعة سنوات من الحرب الكارثية وبكافة الأدوات اللاأخلاقية و لتكون حرب ضد الإنسانية ولينتقل السوري من الأمن و الأمان و الاستقرار و الاستقلال إلى الفوضى و التهجير إلى الألم و الدم إلى محاولة الأغلبية النيل من كرامته و عزته و عنفوانه ،ليكون الحدث بمثابة انتقام تاريخي من بلد و شعب لم يكن في يوم من الأيام إلا عوننا و مساعدا لأي لاجىء وطالب خدمة ،و لم يكن إلا شعب حضاري إنساني بإمتياز وما يهمنا هنا , أن أهم عناوين الصبر كان  التأقلم و التكيف مع قلة الموارد و قلة الدخل لمواجهة تكاليف المعيشة المتزايدة لمستوى قلة من يستطيع تأمين متطلباته، فقبل الكارثة المصبوغة بالأحمر كانت تقديرات المكتب المركزي للإحصاء أن أسرة بحجم 5 أشخاص بحاجة لمداخيل بحدود 30 ألف لتكون بسوية الطبقة الوسطى و التي كانت تشكل أكثر من 80 بالمائة من سكان الجمهورية العربية السورية ليصبح المدخول الواجب تأمينه بحدود 250/275 ألف ليرة سورية في ظل وسطي أجور 26 ألف ليرة و ليصبح موضوع التأقلم و التكيف أسطورة و أغرب من الغرائب ,

وكان موضوع التخفيف من هذه المعاناة مثار للجدل بكيفية توفير الآليات القادرة على تحسين مستوى المعيشة لهذا الشعب الصامد , وكانت الرؤية الأكثر قبولاً هي العمل على تحسين سعر الصرف وزيادة المعروض من السلع وضبط الأسعار عبر قوننة مناسبة و تنفيذ لها من قبل الوزارة المختصة و محاولة تخفيض أسعار الطاقة بعد تحسين سعر الصرف و مواجهة الاحتكار و التحكم بالأسعار وإن هذه الحزمة من السلوكيات الاقتصادية كفيلة بتحسين مستوى المعيشة بنسب مضاعفة للمواطن وأكثر عدالة كون هناك نسب كثيرة من الشعب ما بين نازح ومهجر و عاطل عن العمل ,

وقد تبنت الحكومة هذا الخيار وكان تبنيها يدل على دراسة واقعية ورؤية وطنية وقد زاد بفرص نجاح هذا الخيار الإنجازات التي حققتها المؤسسة العسكرية و التي انعكست على المعروض من السلع عبر زيادة إمكانية تبادلها وعبر زيادة الطاقات الإنتاجية عبر دخول منشآت ومصانع وأراضي للإنتاج وانعكس هذا على بعض الأسعار ،ولكن كل ما انعكست الظروف و التطورات إيجابياً على سعر الصرف ، يعرقل بتصريحات أو قرارات معاكسة للتياروهذا ما أثار الكثير من الغموض نحو السياسة النقدية و هدفها و غايتها والهدف من كوابح هبوط سعر الصرف ،هذا السعر الذي كان يرتفع سواءاً خسرنا أو ربحنا أراضي ليكسر القواعد الاقتصادية و اللعب على الحالة النفسية ،و ليستمر هذا السعر بما يلبي طموح من جمعه وضارب به وما زال وسط دهشة أغلب الخبراء ،ولو أن أغلبهم يلتزم لغة الصمت لأن الكلام المبرمج  أهم لغاتهم , والمهم هنا أنه بالأزمات قد يكون هناك مفاعيل للقرارات المتعلقة بالاقتصاد غير اقتصادية أو أن الهدف الأهم على مستوى البلد و ليس بالجزئيات و أقنعنا أنفسنا أن سعر الصرف المرتفع أريد منه تقشف إجباري كون العقوبات و الحصار و الأفعال العدائية قد أحدت من المعروض و صعبت فرص الحصول على السلع ,

على الرغم مما هرب من عملية صعبة للخارج ومنها لبنان قدرت مابين 20/30 مليار دولار و غيرها من البلدان وما سرب عن مليارات محتفظ بها تصل لحدود 60 مليار وأكثر و هذه المليارات كفيلة بإرجاع سعر الصرف أقل مما كان عليه قبل الأزمة بالإضافة لما جمعه المصرف المركزي الذي كان همه تجميع الاحتياطي في ظل الأزمة وفق تعجب الخبراء الاقتصاديين ،و ما يهمنا أن هكذا تبرير مرر ولو أنهم لم يصرحوا به ولكن بعد الغوطة  وقبلها حلب من قبلها الكثير ،و بعد استرجاع أغلب الأراضي تغيرت المعطيات لصالح العودة القوية ،و لصالح تنوع أدوات تحسين مستوى المعيشة ولكن الخيار الذي سارت به الحكومة نحو دراسة زيادة الأجور، وبالتالي كان الخيار الأكثر خوفاً منه كون الوزارات المختصة لم تستطع السير نحو التعامل بضوابط وآداء يضبط الأسعار و يقوض الاحتكار و يؤمن السلع الأساسية للمواطن ،و بالتالي أي زيادة ستؤدي لتضخم أكبر من نسبتها ،وهذا غير مرتبط بحجم الكتلة النقدية كما سيسارع بعض الأبواق لتبريرها ولكن مرتبط بسياسات سابقة لم تكن جدية بضبط الأسعار أو تطبيق القوانين الرادعة و التي أغلبها كان غاية و ليس وسيلة لفرض القانون بحيث كانت انتقائية وجزء منها غايوية للفساد أو انتقامية  وعاجزة عن فرض رؤية الوزارة أو ممارسة دورها كقاطرة للسوق و لتصبح هي تابعة لقوى السوق و غير قادرة على مواجهتها ،و بالتالي بوادر التضخم الناجم عن الزيادة المرتقبة موجودة و حية .


 وهنا يكمن التعجب من السير بهذا الخيار والذي أصبح مطلب شعبي لعدم الخوض بالخيارات السابقة وحتى خيار المنح المتباعدة أستبعد رغماً مما لدى الحكومة من فوائض مالية نائمة على رفوف مصارفها , ولكن من المتابعة وكأن الحكومة تعمل وفق رؤية آنية زيادة الأجور تلحق برؤية أخرى وهي التحكم بالطلب عبر البطاقة الذكية لأغلب المواد و قد تنجح هذه البطاقة في التحكم بالطلب جزئياً .

ولكن هذا لا يمنع من الوقوف أمام السياسة النقدية وخاصة سعر الصرف وما الغاية منها ؟ولماذا كبح أي انخفاض؟ وما هي الرؤية لإعادة الإعمار؟ ولماذا هناك كبح مقصود لزيادة كتلة العملات الصعبة بمصارفنا أو خلق عوامل جذب أكثر فاعلية لما يجمعه السوريين منها سواءاً بالداخل أو بالخارج ،فأغلب السوريين هم بالخارج سواءاً ما سبق الكارثة السورية أم ما نجم عنها  فعبر قوانين واقعية منطقية تعطي الثقة و تمنح للسوريين مزايا قادرة على جذب ما جمعوه وقادرة على تشجيعهم على الاستثمار و المساهمة بإعادة الأعمار يتحقق الكثير من العلاجات لأمراض متوهمة ، إن تقوية المؤسسات و تفعيلها لتضرب بيد من حديد الفساد و الفاسدين و اللاعبين بلقمة العيش و بالدم الغالي نتيجة طبيعية لما حصل و للانتصارات الملونة بأطهر الدماء وبتضحيات الوطنيين الشرفاء،وهذه التقوية كفيلة بتطبيق القانون على الجميع و بعدالة و بتطبيق ما يقوي البلد و يعيد صلابتها وإن هذه التقوية متلازمة بتحسين مستوى المعيشة و تحقيق العدالة و هذه العدالة مرتبطة باختيار المناسب من السياسات التي تحمل الفائدة للعموم ولا تخدم القلة ، إن سيرورة السياسات النقدية و المالية فرضت أن يكون زيادة الأجر هو الخيار ولو أن لك يكن مرغوب سابقاً ،ولكن حتى السير بهذا خيار لا يعني انتهاء رحلة القطار لأن الفجوة بين تكاليف المعيشة و الأجور كبير جداً، فأجور نائمة و تضخم تجاوز 1200 وقابل للزيادة لعدم توفر الكوابح العاملة ،إن العقلية التي استطاعت العودة بالبلد و منح الأمل و الثقة قادرة على حل أصعب الملفات ولن تبخل بما يخدم المواطن سندها وداعمها و الأمر يتوقف على الأدوات التي ستدعمها بالوصول لمبتغاها وهذا يتطلب السير بإصلاح إداري اقتصادي حقيقي لا وهمي وبوزارات هادفة فاعلة تحت المجهر المراقب والمحاسب.

                الدكتور سنان علي ديب/ جمعية العلوم الاقتصادية /

تعليقات الزوار
  1. تعليقك
  2. أخبرنا قليلاً عن نفسك