الاقتصاد اليوم ـ تغطية شاملة للأخبار الاقتصادية على مدار اليوم

 

كتب الدكتور عابد فضلية: ما التضخم الذي يناسبنا؟

الاقتصاد اليوم:

التضخم ظاهرة اقتصادية مركبة، متعددة الأسباب والأبعاد، ذات خلفية اجتماعية ولها العديد من المظاهر والأشكال والآثار، من أسبابها، واحدة أو أكثر من الحالات الآتية:

• ازدياد الطلب لسبب ما مقابل انخفاض العرض أياً كان السبب، فترتفع الأسعار.

وفي مثل الظروف الأزمة التي تمر بها سورية فقد حدثت هذه الحالة نتيجة انخفاض الطلب وانخفاض العرض بآن معاً، إلا أن العرض انخفض بنسبة أكبر من نسبة انخفاض الطلب.

• ارتفاع تكاليف الإنتاج لأي سبب كان.

وفي الوضع السوري، فالسبب الرئيس لازدياد تكاليف الإنتاج بدأ مع انخفاض قيمة العملة الوطنية وارتفاع أسعار المواد الأولية وتكاليف الحصول عليها، عدا الارتفاعات اللاحقة في الأجور وتكاليف الطاقة والشحن.

• الزيادة في الكتلة النقدية المتداولة بالمقارنة مع حجم الكتلة السلعية خلال فترة معينة.

والواقع في سورية يشير إلى أن الخلل في هذه المعادلة كان مُضاعفاً ومزدوجاً، حيث تقلصت الكتلة السلعية من جهة، وازدادت فيه الكتلة النقدية من الجهة الأخرى.. والتضخم ليس مجرد ارتفاع أسعار جزئي أو موسمي أو مؤقت أو محدود لبعض أنواع السلع والخدمات في هذا القطاع أو ذاك، بل إن التضخم كحالة أو كظاهرة، تكون متسمةً بارتفاع شامل ومستمر ومديد وتراكمي للأسعار.

وللتضخم أنواع عديدة يرتبط كل منها بجملة المتغيرات الاقتصادية وغير الاقتصادية السائدة، منها (التضخم المكبوت) أو (الكامن) الذي يَستتر بالبطاقات التموينية وبالأسعار المخفضة للسلع المدعومة، وما دام الدعم الحكومي قائماً لا تكون لهذا النوع من التضخم آثار اجتماعية سلبية، إلا أنه وفور البدء بسحب هذا الدعم، لا يلبث أن يتحول إلى (تضخم صريح), وتتراوح حدة التضخم بين (المرغوب) الذي تكون نسبته بحدود 2%، و(التضخم الزاحف) المستمر المعتدل المتدرج بطيء التصاعد، و(التضخم الجامح) المنفلت، السريع، سرطاني الانتشار، الشيطاني في دورته، التي إن بدأت بارتفاع تكاليف الإنتاج -على سبيل المثال- تؤدي إلى ارتفاع الأسعار، الذي بدوره يؤدي إلى زيادة الأجور والإيجارات والبدلات، ما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج (من جديد)، ومن ثم إلى ارتفاع الأسعار (من جديد)، وهكذا دواليك، لتبقى الأمور في حلقة مغلقة..

ومن أشهر حالات التضخم (الجامح) على مستوى العالم هي التي حدثت بُعيد الحربين العالميتين الأولى والثانية في معظم الدول، نتيجة التمويل بالعجز لزيادة الإنفاق الحكومي لتلافي آثار الحرب، من دون أن يصاحب ذلك آنذاك زيادة موازية في الإنتاج والمعروض السلعي والخدمي، ففي عام (1948)، وبالمقارنة مع عام (1939) ارتفعت الأسعار في اليابان على سبيل المثال إلى (11000) ضعف، على حين ارتفعت كمية النقود اليابانية المتداولة بالمقابل بنسبة 3000 مرة فقط، وارتفعت الأسعار في إيطاليا إلى 6000 ضعف، في حين ارتفعت كمية النقود بنسبة 4090 مرة، وفي فرنسا إلى 2000 ضعف، مقابل ارتفاع كمية النقود المتداولة بنسبة 1009 أضعاف, وفي كل الأحوال، تتمثل بعض آثار التضخم ومظاهره من الناحية الاقتصادية بارتفاع مستوى الأسعار وانخفاض القوة الشرائية للنقود، وتتمثل من الناحية الاجتماعية بتراجع الدخل الحقيقي ومستوى المعيشة لأصحاب الدخل المحدود، وبإفقار ضعفاء الدخل، وتجويع الشرائح الفقيرة.

وفي سورية شهدنا خلال سنوات الأزمة أكثر من نوع للتضخم، بدءاً وانتهاءً بـ(الزاحف)، مروراً بـ(المكبوت)، منذ راحت الحكومة تُطبق نظريتها بخصوص (عقلنة الدعم).

أما التضخم الذي لا أحد يريد أن يشهده فهو النوع (الجامح)، ولا أتوقع أنه وارد أصلاً في ظل الاقتصاد السوري السلعي الحقيقي، بل لم تعد عوامل انفلاته واردة بعد خمس سنوات من التعايش والتأقلم السلبي والإيجابي مع تحديات الأزمة.
وفي الخاتمة لا بد من التأكيد أن المكافحة الناجعة للتضخم، لا تكون بالتوجه نحو مكافحة آثاره ونتائجه، بل بالتركيز على إزالة أسبابه.

المصدر: صحيفة "الوطن"

الدكتور عابد فضلية
أستاذ بكلية الاقتصاد/ جامعة دمشق

تعليقات الزوار
  1. تعليقك
  2. أخبرنا قليلاً عن نفسك