الاقتصاد اليوم ـ تغطية شاملة للأخبار الاقتصادية على مدار اليوم

 

كتب زياد غصن: حكومة مصغرة

الاقتصاد اليوم:

يعتقد كثيرون، وهم محقون في ذلك، أن إدارة الأزمة بالهياكل الإدارية والقانونية المعمول بها قبل الأزمة، كانت سبباً مباشراً بفشل الحكومات المتعاقبة في مقاربة تحديات الأزمة، بشكل علمي ومنهجي، وفي مواجهة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية الكثيرة، التي إما نتجت عن تطورت الأزمة داخلياً وخارجياً، أو كانت إحدى المنعكسات السلبية لطريقة إدارة الحكومات المتعاقبة للأزمة.

لم يكن مطلوباً أن تعيد الدولة هيكلة مؤسساتها القائمة منذ عدة عقود، أو أن تلغي كل القوانين والأنظمة وتحل مكانها قوانين وأنظمة جديدة خلال شهر أو شهرين، لكن كان بإمكانها أن تبدأ بخطة تحديث واسعة للمؤسسات الفاعلة والمؤثرة في الأزمة، والتي هي بمنزلة ذراع التدخل المباشر للدولة في إدارة الشأن العام والتأثير فيه، إذ من غير المنطقي أن تبقى مثل هذه المؤسسات رهينة قوانين وأنظمة مقيدة، لا تسمح لها بالتحرك والمناورة لمواجهة العقوبات الخارجية، تجاوز النقص الحاد في المنتجات المحلية وما أصابها من تخريب وتدمير، وإيجاد حلول غير تقليدية لمشكلات عميقة.

لكن المشكلة لم تكن فقط في المؤسسات المقيدة والمحاصرة بتشريعات وصلاحيات عاجزة، وإنما أيضاً في الوزارات التي لا تعمل، أو التي لم تقدم طوال ست سنوات من الحرب قيمة مضافة تدعم جهود الدولة في مواجهة خطط إسقاطها وإفشالها، والأخطر أن بعض هذه الوزارات كانت تروج لإنجازات "وهمية"، ولخطط لم تثمر إلّا عن اجتماعات ولقاءات وجولات "إعلامية". ولهذا جرت تعديلات حكومية كثيرة خلال سنوات الحرب، مع الإشارة إلى أن احتفاظ بعض الوزراء بحقائبهم لا يعني أنهم كانوا ناجحين، أو أنهم تركوا بصمات إيجابية في مسيرة العمل الحكومي.

من هنا يبدو اقتراح اللجوء إلى خيار تشكيل حكومة مصغرة مجدياً، ويمكن أن يحقق قفزة نوعية في الأداء الحكومي في مواجهة ما فرضته الأزمة من أعباء وتحديات خطرة.

جوهر هذا الخيار يذهب إلى أبعد بكثير مما قد يفكر به البعض، من تخفيض عدد الوزراء وتوفير تعويضاتهم ومزاياهم، فهناك متغيرات إيجابية كثيرة سوف تطرأ على آلية عمل الحكومة، يمكن إيجازها بالنقاط التالية:

-تتطلب مجريات الأزمة حضوراً حكومياً مكثفاً، ومرونة وسرعة في اتخاذ القرارات، ومع تشكيل حكومة مصغرة ستكون هناك فرصة لاجتماعات شبه يومية، وتقليصاً كبيراً للحلقات التي يمر بها القرار الحكومي، بحيث تنتفي الحاجة مع الحكومة المصغرة لكل اللجان الحكومية المشكلة على مستوى الوزراء، الدائمة منها والمؤقتة. ويدرك العاملون في مؤسسات الدولة حجم الهدر الحاصل في الوقت والجهود والإمكانات جراء الآلية المتبعة في عمل تلك اللجان، فضلاً عن العرقلة الواضحة للعديد من المشروعات والتوجهات الحكومية.

-إلزام الوزراء بتحمل المسؤولية وعدم رميها إلى ملعب اللجان ورئاسة مجلس الوزراء، فتشكيل حكومة مصغرة يعني بوضوح أن وزراءها سيكونون في مهمة لايحسدون عليها لجهة تحمل المسؤولية واتخاذ القرارات والعمل المستمر.

إنما الفائدة ستعود حكماً على الأداء الحكومي وطريقة معالجة الملفات والقضايا التي يجب أن يكون سقفها الوزير، لتتفرغ رئاسة الوزراء كرئيس مجلس الوزراء وكمؤسسة إلى رسم السياسات والاستراتيجيات، والتدخل "الجراحي" لمعالجة بعض "الاستعصاءات" وفتح أفق الحل، لاالغوص في التفاصيل لسد النقص الحاصل في أداء هذا الوزير أو تلك الوزارة.

-تأخذ المراسلات بين الوزارات، سواء المعنية بمجال عمل واحد أو التي يتطلب عملها تعاوناً كبيراً مع وزارات بعينها، حيزاً واسعاً من الزمن، وغالباً ما يكون ذلك على حساب الإنجاز، وكلنا يعلم أن بعض المراسلات الإدارية تستغرق أسابيع إن لم نقل أشهر من الأخذ والرد.

ولذلك فإن إعادة هيكلة بعض الوزارات وتقليص عدد الوزراء سيضمن تسريعاً في اتخاذ القرارات وحسماً مباشراً لقضايا وملفات عدة.

-عندما نكون أمام خيار حكومة مصغرة، فمن دون شك الخيارات ستكون مختلفة، ومعايير انتقاء الوزراء ستكون  متشددة وقائمة على أن الأفضلية هي للكفاءات والخبرات والقيادات صاحبة التجربة، وحتى الجهات التي ستتقدم بترشيحاتها لن تكون متساهلة كما يحدث أحياناً، لأنها ستكون في موضع المساءلة والمحاسبة،  ففي هذا الخيار لا مجال للتجريب، أو مكافأة أحد، أو تمرير مصالح.

-وما يدفع نحو هذا الخيار أيضاً، سلوك بعض الوزراء ومسيرتهم الفاشلة في إدارة وزاراتهم، فحتى اليوم هناك وزراء جلُّ اهتمامهم ينصب على "الاستعراض" الإعلامي الذي حذر منه السيد رئيس الجمهورية عندما ترأس الاجتماع الأول للحكومة الحالية، وهناك من يحرص على "تجميل" واقع العمل في وزارته، فيكثر من الاجتماعات والجولات بلا فائدة أو نتائج مثمرة، ولعل التعديل الأول الذي جرى على حكومة المهندس عماد خميس يؤكد أن هناك حالة من عدم الرضا عن أداء بعض الوزراء، وأن البعض الآخر وإن كان قد حصل على فرصة ثانية، إلّا أنه في المرة الثانية لن ينجو من "رياح" التغيير.

يبقى خيار الحكومة المصغرة تحدياً ليس بالهين، ويحتاج إنجازه إلى جهد دؤوب، وإلى أشهر من التفكير والنقاش والمراجعة، وإلى خيارات صائبة وموضوعية، لكنه خيار الضرورة في ظلّ اشتداد وتيرة الحرب على سورية، وزيادة معاناة المواطنين، والحاجة إلى شخصيات تتحمل المسؤولية بكل تفان وإخلاص.

زياد غصن

صحيفة الأيام

تعليقات الزوار
  1. تعليقك
  2. أخبرنا قليلاً عن نفسك