الاقتصاد اليوم ـ تغطية شاملة للأخبار الاقتصادية على مدار اليوم

 

مؤسسات التدخل الإيجابي (مجرد شعارات)..حمل ثقيل وأذرع تحتاج إلى مرونة

الاقتصاد اليوم:

في ظل الارتفاع الكبير بأسعار السلع في الأسواق المحلية مع غياب المنافسة في أسواقنا، ومع اقتراب شهر رمضان بات المستهلك متخوفا أكثر من ارتفاع جديد يطال الأسعار، ورغم من يتم نشره حول الدعم الحكومي وتعزيز صمود الشعب إلا أن المستهلك بات لا يلمس ذلك على أرض الواقع، فكثيرة هي التصريحات الصادرة عن مدراء مؤسسات التدخل الإيجابي “الاستهلاكية والخزن والتسويق” وغيرها من المؤسسات الحكومية التي يعتبر غاية إحداثها هو توفير المواد الغذائية والأساسية وغيرها بأسعار تقل عن السوق “أي أسعار منافسة ومناسبة لذوي الدخل المحدود”، كما تعتبر مؤسسات ربحية بنفس الوقت.

ورغم التغني كثيراً بإنجازات هذه المؤسسات إلا أنها لا تزال قاصرة على تنفيذ هدفها التي أحدثت لأجله، فحاليا نجد أن هذه المؤسسات تغيب عن الأرياف عدا عن كونها لا توفر كل السلع بسعر مدعوم ومنافس عن الأسواق عدا عن حالات الفساد التي شابت بعض صالاتها والمتاجرة بالمواد المدعومة، كما أنها وفق الكثير من المواطنين لم يلمسوا فيها أي تدخل حقيقي في الأسواق لكسر أسعار السوق أو إحداث منافسة حقيقية، عدا عن نقص المواد التي تعرضها فمثلا أحد المواطنين ذكر أنه بمجمع الأمويين الاستهلاكي سعر لتر الزيت الوحيد المتوفر هو 1200 ليرة وهو زيت ذرة أما السمنة فأيضا نوع واحد هو الغوطة والكيلو 2500 ليرة أما “الرز فغائب تماما والسكر غير متوفر”, أي ان هذه الصالات لا توفر السلع مرتفعة الثمن بالسوق بأسعار مناسبة داخلها، فأين السكر وأين الأرز وأين السمون على اختلاف أنواعها والزيوت وأين هي الأسعار التدخلية باعتبارها مؤسسات تدخلية.

نقاط القصور والضعف

الباحث الاقتصادي الدكتور نضال طالب تحدث عن أهم نقط القصور في عمل مؤسسات التدخل الإيجابي، وقال أن تلك المؤسسات تعتبر من أهم الأذرع الأساسية لعمل الحكومة بتأمين المستلزمات الأساسية للمواطن وبأسعار مناسبة، والتي لا يتم استثمارها بالشكل الأمثل في ظل الأزمة التي تعيشها البلاد.

ولفت إلى أنه لا يمكن أن ننكر أن هذه المؤسسات قامت بدور إيجابي إل حد ما في السوق لكن دورها لم يكن مكتملاً أو كما يجب أن يكون في ظل ظروف الأزمة، و بالطبع الأسباب عديدة منها :

وجود الوسيط في عمل هذه المؤسسات مما يرفع من أسعار بعض المواد الغذائية الأساسية وبالتالي تذهب الفروقات لجيوب التجار بدلاً من أن تنعكس على المواطن بشكل ايجابي.‏‏ و المثال الأقرب على ذلك قيام مؤسسات التدخل الإيجابي مؤخراً بتأمين مستلزمات عمل بعض جهات القطاع العام و هي في معظمها أصول رأسمالية و مواد أولية و كأن هذه المؤسسات قد قامت بواجباتها المطلوبة منها في تأمين السلع الغذائية و غير الغذائية الأساسية لتفتح جبهات عمل جديدة.

كذلك عدم تأقلم ذهنية عمل هذه المؤسسات مع ظروف الأزمة التي تفرض آلية و ثقافة عمل مغايرة، و هنا لابد أن نكون واقعيين، فالمواطن لم يلحظ خططاً إنقاذية لتأمين السلع الأساسية بأسعار مناسبة لدخله في ظل التقلبات بسعر الصرف والتي أدت إلى ارتفاع كبير بالأسعار وتحكم بعض التجار بلقمة عيش المواطن، وخاصة مع ارتفاع أسعار المشتقات النفطية وتحديدا المازوت والذي ترتفع معه مباشرة سلع أساسية تمس الحياة المعيشية اليومية للمواطن ، و دورها لا يزال قاصراً و بعيداً عن المنافسة في جودة الخدمة والأداء، حتى آليات التعامل والتعاطي مع الزبائن تفتقر لأبسط الخدمات المؤتمتة .. و الأساليب الحديثة في إرضاء الزبائن، و السبب هنا يكمن بأن هذه المؤسسات لم تضع في حساباتها الوصول إلى رضى وكسب الزبائن، مؤسسات لا تزال تهتم أولاً بالربحية العاجلة قبل أي شي.و إلا ما هو مبرر قيام هذه المؤسسات بشراء كميات من منتجات لا تعتبر من الأولويات حالياً كصفقات شراء مكدوس أو غير ذلك.

أيضاً للأسف مؤسسات التدخل الإيجابي هي مؤسسات اقتصادية تبتغي الربح و لا تهتم بالدور الاجتماعي، وكل ما فعلته هو البيع بأسعار متقاربة جدا مع أسعار القطاع الخاص، و بالتالي لم يشعر المواطن بأي تغيير قد طرأ. و إلا ما هو مبرر رفع أسعار سلع أساسية لدى هذه المؤسسات تم استيرادها عبر خط الائتمان الإيراني أي متفق عليها مسبقاً و يجب أن لا تتأثر بتغيرات سعر الصرف.

أما السبب الأهم هو حالات الفساد و التواطؤ و غياب الرقابة على عمليات و آليات تأمين السلع المعروضة من جهة و عملية بيع هذه السلع للمواطن من خلال منافذ البيع من جهة أخرى.

ما هو المطلوب؟

وقال الباحث الاقتصادي طالب: المطلوب من مؤسسات التدخل الإيجابي اليوم و أكثر من أي وقت مضى أن تكون ذراع الحكومة الاقتصادي الاجتماعي أي أن تسهم هذه المؤسسات بخطة عمل الحكومة في معالجة المشاكل الاقتصادية المحلية من خلال استثمارها بالشكل الأمثل في زيادة المعروض من السلع و الخدمات لتحقيق توازن سلعي و نقدي في السوق السورية هذا من جهة، و من جهة أخرى لتكون هذه المؤسسات الذراع الاجتماعي للحكومة في معالجة الواقع المعيشي السيء الذي وصلت إليه شريحة كبيرة من المواطنين و التي تتحمل الحكومة مسؤولية رعايتهم.

أي بمعنى آخر زيادة التدخل الحكومي السلعي عوضاً عن الاكتفاء بالتدخل النقدي الجاري من خلال جلسات التدخل من قبل المصرف المركزي و السؤال هنا لماذا لا يتم استثمار تلك الكمية من القطع الأجنبي المباعة خلال جلسات التدخل لاستثمارها في قيام الدولة و بشكل مباشر بتوريد كميات من السلع الأساسية و بشكل مباشر من الدول الصديقة لتحقق توازن إلى حد ما بين العرض و الطلب … سيما و أن من أهم العوامل التي تسبب التضخم في الاقتصاد السوري هو ارتفاع المعروض النقدي على حساب انخفاض المعروض السلعي.

المطلوب أيضاً من هذه المؤسسات في ظل عدم وصولها لتحقيق رضا الزبائن وأصحاب الدخول الضعيفة، أن تغير من أنشطتها وأساليب بيعها للسلع والمنتجات وأن تستخدم أساليب حديثة أكثر حداثة وتطوراً…فالدخول الحالية لم تعد كافية أبداً أمام ارتفاعات الأسعار المتواصلة، والمستهلك لم يعد قادراً على تحمل الضغوط، ويبقى في حالة بحث دائمة عن البدائل الاسعافية، و لا بد هنا من زيادة انتشارها أفقياً وشاقولياً وزيادة رأس المال العامل فيها لتأمين الحاجات الأساسية بالأسعار والجودة المناسبين.

ونوه إلى أنه يجب التأكيد على الدور الرقابي على هذه المؤسسات و توافر مقومات ضبط الأسواق ومكافحة المخالفات الجسيمة المرتكبة من قبل بعض التجار الذين وجدوا في ظروف الأزمة فرصة لزيادة رأس مالهم على حساب الوطن والمواطن.

كما رأى أنه من الضروري تشكيل فريق عمل مشترك من مؤسسات التدخل الايجابي و وزارة التجارة الداخلية و جمعية حماية المستهلك والجهات الرقابية لتتولى مهمة إبرام عقود الشراء مع الدول المصدرة أو مع المنتجين المحليين للحصول على أسعار تفضيلية تنعكس ايجاباً على المستهلك وبذلك تتحقق غايات تلك المؤسسات في توفير السلع بأسعار منافسة مقارنة مع السوق.

قانون خاص

وأشار إلى أنه من الضروري إيجاد قانون استثنائي لمؤسسات التدخل الايجابي له شروط إدارية ومالية تتناسب مع ظروف الأزمة وفيه الكثير من المرونة بعيداً عن البيروقراطية، تتولى تلك المؤسسات من خلاله استيراد ما تحتاجه مباشرة من بلد المنشأ أو الدول المجاورة دون المرور بالحلقات التجارية و تكون هذه المؤسسات من خلاله أقرب للصبغة الاحتكارية التي تفرض أسعارها في السوق، وذلك بهدف معالجة مؤقتة لمشاكل الاقتصاد الوطني و التي فرضتها الأزمة، و ترسم من خلال ذلك سياسة البيع لديها وفق أسس اجتماعية بهامش ربح بسيط يغطي نفقاتها الأساسية و يخلق جو من التنافس في السوق.

كما لا بد من أن تتدخل مؤسسات التدخل الايجابي وبسرعة، تدخلاً حقيقياً اجتماعياً، لا تدخلاً نظرياً و تجارياً، ويكون تدخلها بإعلان أسعار منطقية تراعي القوة الشرائية للمستهلك، وتأخذ في الحسبان ارتفاعات أسعار القطاع الخاص، وبذلك تحقق هدفها الاجتماعي التدخلي.

المصدر: سينسيريا

تعليقات الزوار
  1. تعليقك
  2. أخبرنا قليلاً عن نفسك