الاقتصاد اليوم ـ تغطية شاملة للأخبار الاقتصادية على مدار اليوم

 

متغيرات تفرضها الأزمة على التقاليد الاجتماعية في سورية

الاقتصاد اليوم:

كان للحرب الظالمة التي تشن على سورية والتي قاربت دخولها العام السادس أثار اقتصادية سلبية جمة على مختلف القطاعات، ونتج عن هذه الآثار السلبية آثار أخرى أكثر سلبية على الناحية الاجتماعية، وخاصة إذا ما علمنا أن كلا الجانبين الاقتصادي والاجتماعي متلازمين. ورغم أن العادات والتقاليد السائدة في أي مجتمع تعتبر مرسخة عبر الأزمنة سابقا، إلا أن لكل مقام مقال ولكل دولة رجال..وهذا ما حدث في سورية للأسف حيث حدثت الكثير من المتغيرات الاجتماعية التي طالت العادات والتقاليد، وهذه المتغيرات لم تأتي إلا كنتيجة مباشرة عن سوء الأوضاع سواء الاقتصادية أو غيرها..

في كلماتنا التالية سنعرض أهم هذه المتغيرات التي تم رصدها في المجتمع السوري، وذلك بالرجوع إلى ما إحصاءات وتصريحات لمسؤولين ذكرت عبر وسائل الإعلام المحلية والعالمية خلال العام الماضي 2015.

الزواج

أصبح نصف عقود معاملات الزواج وتثبيتها يوميا تتم بموجب وكالات من خارج سورية، بسبب الهجرة التي اجتاحت المجتمع السوري خلال العامين الماضيين، كما نجد أن هناك نحو ألف معاملة إذن سفر يوميا تصدر للقاصرين والذين أولياؤهم يقطنون خارج سورية ما يدل على ازدياد هجرة هذه الفئة العمرية وهذا بالطبع يشكل خطرا واضحا على تركيبة المجتمع السوري الذي يعتبر مجتمعا فتيا أغلبه من فئة الشباب المنتج، وبهجرة هذه الفئات وغيرها فإن المجتمع سيتعرض لفقدان الطبقة المنتجة والتي تعتبر من أهم الطبقات في المجتمع.

أيضا في حال نظرنا إلى حالات الزواج حاليا، فإنها تعتمد على مبدأ “السترة” فقط، أي عملية الزواج تتم حاليا في سوريا بأقل التكاليف الممكنة نتيجة لارتفاع أسعار متطلبات الزواج سواء من حيث المهور أو من حيث تكاليف المعيشة من منزل وإكساء للمنزل حتى المهور تجري حاليا دراسة إقرارها بالليرة الذهبية بدلا من العملة الورقية حيث رفع مؤخرا مقترح إلى "وزارة العدل" لإصدار تعميم يجيز فيه التعامل بالليرة الذهبية السورية أثناء فرض المهر وذلك بسبب ورود الكثير من العقود إلى المحكمة والمهر المنصوص فيها يكون بالليرة الذهبية، حيث أنه نتيجة وجود نص يحظر التعامل بالذهب أو ما يماثله في المهور فإنه يطلب من الزوجين تعديل قيمة المهر من الذهب إلى ما يعادله من العملة.

أيضا اتجه أغلب المقبلون على الزواج إلى شراء الذهب المقلد بدلا من الذهب الحقيقي بسبب ارتفاع أسعاره بشكل كبير، وعدم قدرة المقبل على الزواج لشراء الذهب الحقيقي، فلجأ إلى المقلد كحل بديل وربما ليس مؤقت.

أيضا كرست الأزمة السورية بعض المظاهر التي كان انتشارها محدوداً في السابق، كظاهرة الأعراس الجماعيّة، حيث باتت الكثير من الفتيات يقبلن الاحتفال بزفافهن ضمن عرس جماعي ترعاه الجمعيات الأهلية كونها غير مكلفة، أيضا أفرزت الأزمة ظاهرة إتمام الزفاف من طريق الإنترنت رغم غياب الخطيب وبعده عن سورية، وهي ظاهرة لم يعرفها المجتمع السوري من قبل.

في مقابل ذلك، كانت مراكز الإيواء شاهدة على العديد من الزيجات التي جرت بمعزل عن المظاهر الاجتماعيّة المتعارف عليها حتى من دون “محبس”.

ضبابية في التقاليد

وفيما تبدو العادات والتقاليد جزءاً من التركيبة الاجتماعية للمجتمعات، وبخاصّة المحافظة منها، فإنّ الحروب كفيلة بخلخلة تلك المنظومة، ورغم اعتقادنا أنّ العادات محفورة فينا، إلا أنها تتخلخل في الحروب. واليوم نحن نمرّ بحالة ضبابية بالنسبة إلى الكثير من التقاليد.

وتختلف نسب الزواج بين محافظة وأخرى وذلك حسب كونها آمنة أو ساخنة، فمثلا نسبة الزواج التي تسجلها محاكم دمشق لم تتأثر بفعل الأزمة، إلا بفارق بسيط جداً، فعدد معاملات الزواج، في العاصمة، بلغ نحو 20500 معاملة عام 2009. وفي عام 2014 أصبح العدد 19800 معاملة، ربّما لأنها دمشق، المدينة التي لا تزال آمنة
والتي استقبلت آلاف العائلات النازحة، لكن في محافظات أخرى ستكون الأرقام مختلفة، كما يعتقد الكثيرون.
وانتشر في سورية ظاهرة زواج القاصرات نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة وخاصة في المناطق الساخنة وغير الآمنة.

تعدد الأزواج للمرأة الواحدة!!

ومن الظواهر الاجتماعية الجديدة والتي كانت كأحد مفرزات الأزمة أن المحكمة الشرعية في دمشق استقبلت العديد من الحالات لنساء يزوجهن آباؤهن أو يزوجن أنفسهن لمجرد غياب أزواجهن أو فقدانه لمدة عام دون أي حكم قضائي يصدر من القاضي الشرعي، فمثلاً إحدى النساء راجعت المحكمة لتزويج نفسها فتبين عبر قيدها المدني أنها عازبة وبناء على ذلك وافق القاضي الشرعي على زواجها وأثناء تثبيت العقد قالت المرأة إن أولادها ينتظرونها بالبيت فسألها المأذون أنت عازبة فأجابت أنها متزوجة وزوجها مفقود منذ سنة إلا أن زواجها مثبت بدير الزور.

ومؤخرا أعلن أحد القضاة الشرعيين في دمشق، أن الأزمة الحالية التي تمر بها سورية أفرزت قضايا اجتماعية وزوجية مستهجنة وخطرة ولاسيما في مجتمعنا منها تعدد الأزواج في حياة المرأة دون طلاقها شرعا وقانوناً من زوجها الأول، لافتا عن وجود أربع حالات من هذه النوع تم كشفها في المحكمة الشرعية خلال العام الماضي، في حين هناك حالات كثيرة جداً لدى الناس في الأماكن المحاصرة أو الساخنة.

كما أصبح هناك فكرة شائعة عند الناس أن الرجل لمجرد فقدانه أو غيابه سنة فإنه يحق للزوجة أن تتزوج رجلاً آخر، حيث أن الطلاق لا يتم إلا عبر الزوج أو القاضي الشرعي برفع دعوى تفريق وهنا المحكمة الشرعية تكيفها وتصدر الحكم الصحيح بذلك.

مفقودون

وذكر أن القضاء السوري أنه يستقبل يوميا 5 معاملات وقضايا وهو يعتبر مؤشر مرتفع مقارنة مع ما قبل الأزمة السورية، وهذه الظاهرة جاءت كأحد مفرزات الأزمة الاجتماعية ونتج عنها أثار اقتصادية كثيرة خاصة بالنسبة لأسر هؤلاء المفقودين.

ارتفاع عدد  المرضى المصابون بالسكري

ولا شك أن من أحد مفرزات الأزمة كانت الحالة الصحية للسكان، والتي أثرت أيضا على الحالة الاجتماعية بشكل بالغ، حيث أن إحصائيات صادرة عن رابطة أمراض الغدد الصم والسكري أكدت أن نسبة المصابين بداء السكري نمط 2 تراوحت بين 14 إلى 24 بالمئة أي إن عدد المصابين يتراوح بين 4 إلى 5 ملايين مصاب، وهذا يعتبر رقم كبير في حال مقارنته مع أعوام ما قبل الأزمة، ومن المعروف أن هذا المرض  يحدث وينتشر بسبب عدة عوامل منها وراثي وأخر يتعلق بالعوامل المحيطة بالمريض منها الخوف والقلق والرعب الذي قد يتعرض له المريض بشكل مفاجئ وأسباب هذا المرض تعتبر متوفرة في سورية عدا عن الضغوط النفسية الناتجة عن الأزمة وعن الوضع الاقتصادي الصعب، أيضا نجد أن نسبة المصابين باضطرابات الغدد تراوحت 80 بالمئة من عدد سكان سورية وفق نفس الإحصائية.

كما أن معظم الشعب السوري يعاني ضغوطات نفسية بسبب الظروف الحالية التي تعيشها البلاد، وعلى الرغم من أهمية هذا النوع من الطب إلا أنه يعتبر نادر الوجود، كما أن الحاجة الطبية النفسية قبل الحرب لم تكن تكفي لأكثر من 10% من حاجة المجتمع المحلي له، أما الآن ونتيجة الظروف الاستثنائية فقد تضاعفت الحاجة النفسية بين 3 – 4 أضعاف، حيث أن عدد الأطباء النفسين في سورية انخفض من 120 طبيباً قبل الحرب إلى 72 طبيباً فقط بسبب الهجرة.

فمثلاً الشخص الذي يرى بأم العين مشهداً لفقدان صديق أو أخ أو ابن نتيجة قذيفة أو تفجير… يبقى هذا المنظر ثابتاً في مخيلته وتتكون لديه صدمة أو منظر دموي متواصل تدور في دماغه على مدار 24 ساعة، وهناك أيضاً الخوف من توقع الكارثة إذا ما خرج من بيته هل يمكن أن يعود أم لا”.

تزايد تعاطي المخدرات والحبوب

هذه الأوضاع النفسية الصعبة أفرزت أيضا بنفس الوقت ظاهرة خطيرة في المجتمع السوري متمثلة بتعاطي الحبوب والمخدرات، حيث بينت إحصائيات الحكومية أن نسبة الشباب المستهدفين لتعاطي مادة المخدر أو تهريبها تجاوزت 80 بالمئة، وهؤلاء مهددون بتعاطي المخدرات نتيجة انتشارها الواسع سواء كانت في المناطق الآمنة أم الساخنة.

أيضا إحصائيات قضائية أكدت أن القضاء يستقبل يومياً نحو 40 ضبط تعاطي وتهريب مخدرات يومياً، ما أثير من مخاوف من انتشار المادة وأن تصبح سورية دولة مستهلكة بعدما كانت دولة عبور، وخاصة أن هناك شبكات تهريب عربية وأجنبية تعمل على إدخال المادة المخدرة إلى داخل البلاد وأن الظروف الحالية سمحت لكثير من العصابات النشاط بشكل كبير.

وأوضحت الإحصائيات أن أكثر المحافظات انتشاراً للمواد المخدرة هي حلب وريف دمشق، مؤكدة أن دمشق وريفها تستقبل يوميا نحو 15 ضبطاً في حين تستقبل محافظة حلب 10 ضبوط يومياً، مشيرة إلى نسبة المتعاطين ازدادت بشكل كبير خلال الشهر الماضي وهذا يشكل خطراً كبيراً على جيل الشباب.

انخفاض نسب الإنجاب

ومن مفرزات الأزمة الاجتماعية أنها قوضت نسبة إنجاب الأطفال لدى أغلب الأسر السورية، حيث باتت الأسرة السورية ونتيجة الظروف الأمنية والاقتصادية الصعبة تحد من إنجاب الأطفال، حيث بين أكاديمي في كلية الطب بجامعة دمشق أن نسبة الولادات انخفضت في سورية نتيجة الهجرة إلى خارج البلاد وخاصة الشباب الذين بلغوا سن الزواج دون أن يحدد النسبة المسجلة، موضحاً أن سورية كانت تعد قبل الأزمة من الدول عالية الإنجاب بـنصف مليون ولادة سنوياً.

وقدرت مصادر طبية أن عدد الولادة انخفضت إلى نحو 200 ألف طفل خلال العام الحالي، مؤكدة أن عزوف الشباب عن الزواج إضافة إلى الهجرة التي خيمت بظلالها على الأزمة السورية وازدادت وتيرتها في العام الحالي كان لها الأثر الأكبر في انخفاض نسبة الولادات في البلاد إلى هذا الحد المتدني.

وأشار الأكاديمي إلى أنه من الشيء الطبيعي أن تنخفض نسبة الولادات في سورية مع ارتفاع وتيرة الهجرة ولذلك لا يمكن أن ندعو في حال من الأحوال إلى تحديد النسل.

المصدر: موقع "سينسيريا"

تعليقات الزوار
  1. تعليقك
  2. أخبرنا قليلاً عن نفسك