الاقتصاد اليوم:

 بقلم: المهندس سامر العاصي
مهندس مدني – خبير في التخطيط العمراني

مع تسارع خطوات إعادة الإعمار في سوريا، تبرز مشاريع البنى التحتية كركيزة أساسية لإعادة تنظيم الحياة الحضرية. ومن بينها، يطل مشروع "كراج شمالي – خط البولمان" كأحد المشاريع الاستراتيجية التي لا تقل أهمية عن مترو دمشق أو توسعة مطار دمشق الدولي.

فدمشق التي صمدت لآلاف السنين، تستحق أن تُستقبل وتُودّع بواجهة حضارية حديثة، بعيداً عن مشهد العشوائيات والازدحام عند مداخلها الحالية.

أهمية المشروع

رغم إعادة تأهيل المدارس والمشافي وشبكات الخدمات، يبقى قطاع النقل الحضري بحاجة إلى حلول نوعية.
ويحقق المشروع المرتقب:

تنظيم محور النقل بين دمشق والمدن الكبرى (حمص – حماة – حلب).

تخفيف الضغط عن الكراجات العشوائية داخل العاصمة.

تقليل التلوث والازدحام المروري.

تقديم صورة حضارية تليق بدمشق أمام القادمين إليها.

مكونات المشروع

كراج بولمان حديث بأنظمة تشغيل ذكية وتنظيم مروري متطور.

صالة استقبال متكاملة للتذاكر والمعلومات والاستراحة.

مركز تجاري وخدماتي يضم مطاعم، مقاهي، صيدليات ومرافق عامة.

تصميم معماري يجمع الحداثة بالهوية الدمشقية من خلال الحجر والأقواس والمشربيات.

تكامل مروري مع الباصات والميكروباصات والتاكسي، وربط مستقبلي مع شبكة المترو.

دروس من التجارب العربية

العراق: محطة البصرة الدولية (22 مليون دولار).

لبنان: إعادة تأهيل محطة شارل حلو بتمويل أوروبي – خاص.

مصر: مشروع "أتوبيس العاصمة" (35 مليون دولار) بخدمات ومرافق تجارية.

هذه التجارب تثبت أن محطات النقل الحديثة تتحول إلى مشاريع اقتصادية حضرية، وليست مجرد مواقف حافلات.

الكلفة والعائد

تُقدَّر الكلفة الأولية للمشروع بين 20 – 50 مليون دولار، ويمكن تمويله عبر:

شراكات القطاعين العام والخاص (PPP).

نظام البناء – التشغيل – النقل (BOT).

استثمارات الجاليات السورية بالخارج.

أما المردود فيتجاوز الرسوم المباشرة ليشمل:

فرص عمل لمئات السوريين.

خفض الازدحام داخل دمشق.

نقطة جذب اقتصادية جديدة على أطراف العاصمة.

تعزيز صورة دمشق أمام المستثمرين والزوار.

أثر مباشر على المواطن

لن يكون المشروع مجرد كراج، بل تجربة سفر حضارية:

انتظار مريح وخدمات متكاملة.

وقت أقل ضائعاً في زحمة العشوائيات.

بيئة أنظف بفضل تخفيض التلوث المروري.

الخاتمة

يبقى السؤال: متى يبصر النور كراج بولمان دمشق؟

إنه ليس موقفاً للحافلات فحسب، بل بوابة حضارية ومدخل لمرحلة جديدة من إعادة الإعمار. مشروع يجمع بين الأصالة والحداثة، كما جمعت بوابات دمشق التاريخية بين الحماية والرمزية.

ومن هنا، أدعو إلى إطلاق ورشة وطنية يشارك فيها المعماريون والمخططون والمستثمرون، لتصميم هذا المشروع وفق رؤية مستقبلية، ليكون نموذجاً لمداخل المدن السورية في مرحلة الإعمار القادمة.