الاقتصاد اليوم ـ تغطية شاملة للأخبار الاقتصادية على مدار اليوم

 

محاصيل سورية الاستراتيجية تتلاشى بفعل الأزمات المتلاحقة

الاقتصاد اليوم:

مثل غيرها من القطاعات لم تسلم الزراعة في سوريا، من مجمل ما تعرضت له البلاد من تخريب وسرقة ودمار بفعل آلة الحرب التي تطحن البلاد منذ أكثر من عقد.

في مقابل ذلك لم يترك المسؤولون في هذا البلد المنكوب فرصة لتعليق “خيبات” نتاج المحاصيل الزراعية الاستراتيجية على “شمّاعة الأزمة ومثلها للجفاف” وفق وصف مراقبين.

ومع هشاشة آليات تنفيذ القرارات الحكومية، يقول أخصائيون إنهم لم يدخروا جهداً في تقديم مقترحات للحفاظ على مزروعات سوريا الاستراتيجية من قمح وقطن وشوندر سكري.

ويأتي القمح على رأس هذه المحاصيل، إذ يردد المعنيون في الحكومة السورية كل عام شعارات تشير إلى التفاؤل حيال تأمين احتياط لتوفير خبز العام القادم.

لكن مع بداية جني المحصول تبدأ خيوط التفاؤل بالانقطاع، ولا يبقى سوى خط “الحليف الروسي” لاستمرار إمداد سوريا بالقمح، كذلك الحال بالنسبة لمحصول الشوندر السكري.

وبالنسبة إلى القطن، فقد تحوّلت سوريا اليوم من بلد منتج ومصدّر في آن معاً قبل عام 2011 إلى بلد يتجه لاستيراد المادة لاستمرار مصانعها بالعمل.

وإضافة إلى ضعف الخطط الحكومية يأتي المناخ والجفاف كعاملان مساعدان في تراجع المحاصيل.
القمح وبداية الخيبات

ومع مرارة هذا الواقع، يحاول مزراعون البحث عن طرق جديدة لإنقاذ ما تبقى من محاصيلهم.

يقول محمد إدريس (44 عاماً) وهو مزارع في ريف حماة إنه يزرع حالياً نحو خُمس المساحة التي كان يزرعها عادة، بسبب الصعوبات التي تفاقمت مع ارتفاع أسعار الأسمدة خصوصاً منذ بدء الحرب في أوكرانيا.

ويضيف في حديث: “نعاني نقصاً في المازوت والبذار والدعم الحكومي اللازم”.

وشكل غياب الدعم الحكومي عائقاً جديداً زاد من تفاقم الأزمة، مع استمرار تصريحات المسؤولين ضمن المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة على “دعم الفلاح لاستمرار الزراعة”، يقول مزراعون إنها دون جدوى.

كما أن المشهد يزداد قتامة مع فقدان دمشق السيطرة على مناطق زراعية أساسية كما في الجزيرة شمال شرقي البلاد حيث تسيطر قوات سوريا الديمقراطية (قسد).

وتقول تقارير حديثة للأمم المتحدة إن الاحتياجات في سوريا وصلت إلى مستويات غير مسبوقة.

ويقول المنسق المقيم للأمم المتحدة ومنسق الشؤون الإنسانية في سوريا عمران رضا إن الدلائل الأولية تشير إلى موسم زراعي سيء آخر بعد محصول منخفض في 2021.

هذا التصريح الذي يحمل خيبة جديدة للمزارعين في سوريا، ربما يدفع إلى البحث عن حلول بحسب الخبير الزراعي أمجد بدران.

ويضيف: “أول خطوة للوصول إلى تنفيذ الخطط الزراعية تكمن في الاعتراف بالمشكلة”.

فالمساحات المروية في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة السورية من الممكن أن تؤمن الحاجة المحلية من القمح، وفي أسوأ الأحوال يمكن أن تخفف من الكميات المستوردة.

ويكمل بدران “لا يجب الاعتماد على مياه الأمطار فقط، خاصةً وأنّ أدوات الري في البلاد كلها غير صالحة للعمل”.

وبينما أن واردات القمح من روسيا، سدّت قسماً من الفجوة، فإن انعدام الأمن الغذائي في البلد الممزق بات أكثر حدة من أي وقت مضى منذ بدء الحرب، بسبب عوامل من بينها انهيار قيمة الليرة.

وأشار بدران، إلى أنّ الاعتماد على الحليف الروسي لا يجب أن يكون خياراً وحيداً “فروسيا لا تعطي القمح ببلاش، وهي ربما تأخد عوضاً عنه استثمارات في مجالات أخرى سواء في الفوسفات أو السماد أو حتى عبر المرافئ وهذا من حقها”.
القطن والمستقبل القاتم

قبل عام 2011 كانت سوريا تصدر القطن لكنها تحولت الآن إلى استيراده بهدف استمرار مصانع القطن في العمل.

وسمحت رئاسة الحكومة للقطاع العام وللصناعيين باستيراد مادة القطن المحلوج والخيوط القطنية، وفق طاقتهم الإنتاجية الفعلية، ولمدة ستة أشهر أي حتى نهاية العام الحالي.

وكان إنتاج البلاد من القطن يصل لنحو مليون طن 2011 بينما انخفض الإنتاج في الموسم الماضي إلى 14 ألف طن فقط.

يقول مدير الاقتصاد السابق في وزارة الزراعة، مجد أيوب، ، إنّ “أغلبية مناطق زراعة القطن خلال الأزمة الحالية خارجة عن سيطرة الحكومة السورية، وبالتالي فإن الكميات المطلوبة للإنتاج لا يمكن سدها من الناتج المحلي، خاصة بعد أن عادت معامل حلب للعمل، وهنا تكمن أهمية الاستيراد لتشغيل المصانع لا أكثر”.

وبحسب رأي الصناعي عاطف طيفور فإن “فتح باب استيراد القطن والخيوط سيؤدي إلى استنزاف القطع الأجنبي بقيمة غير مسبوقة، وتوازي قيمتها متوسط قيمة موسم كامل من زراعة القطن، كما ستغرق الأسواق بالقطن وستنافس الفلاح وسيهجر أرضه بحثاً عن مادة زراعية أخرى”.

يشار إلى أنه في عام 2009 احتلت سوريا المرتبة الثانية عالمياً في إنتاج القطن من حيث وحدة المساحة بمساحة 250 ألف هكتار من الأراضي المزروعة في حلب والرقة ودير الزور والحسكة وحماه، كما احتلت المرتبة الثالثة آسيوياً في إنتاج القطن العضوي

الشوندر السكري “مراً”

لم تتوافق حسابات “بيدر” زراعة الشوندر السكري مع الناتج، إذ بلغت المساحة المزروعة 762 هكتاراً من أصل مساحة حددتها وزارة الزراعة السورية بـ 4322 هكتاراً.

وبحسب تصريحاتها فإن تلك المساحة ستكون “كافية ووافية” لسد الحاجة المحلية لمادة السكر.

وبعد انتهاء الموسم لم تنتج المساحة المزروعة سدس المخطط له، ما أعاد طرح مسببات المشكلة، خاصةً أنه في وقت سابق، تسبب “إهمال” وزارة الزراعة بفقدان مئات المزارعين في سهل الغاب بريف حماة الشمالي الغربي موسم الشوندر السكري الذي يعد مصدر السكر السوري.

وفقاً لشكاوى مزارعين، فإن وزارة الزراعة لم تتمكن هذا العام من استيراد البذور في الوقت المناسب، ومن الطبيعي أن يتراجع المزارع عن التفكير بالزراعة، لأن خطر فشل المحصول بات كبيراً، ونسبة نجاحه لا تتعدى 10 في المئة.

وأشار مزارعون إلى أن بذور الشوندر يجب أن تنبت قبل حلول الشتاء والصقيع الذي يقتل النبتة في مراحل نموها الأولى.

وبالتالي يجب أن تكون بعمر قادرة فيه على مقاومة الصقيع عند حدوثه، وبالتالي المزارع يفضل عدم الدخول في هذه المخاطرة، وسط خسارة مادية متوقعة.

كما أن ثمن كيلوغراماً واحداً من البذور يبلغ 30 ألف ليرة سورية، يرافقه ارتفاع حاد في أسعار الأسمدة وأيضاً ارتفاع أسعار الكهرباء والمحروقات، ما يصعب على المزارع دفعه.

ويرى الدكتور مجد أيوب أن الظروف البيئية التي مرت على البلاد، وأثرت على الشوندر السكري. أدت إلى خسارة مساحات زراعية مهمة.

وقال إن الشوندر السكري محصول له خصوصيته وله معامل خاصة لإنتاجه ولا بد من تشغيلها “مهما كلف الثمن”.

ولفت المدير السابق في الوزارة، إلى مشكلة نقل محصول الشوندر، وصعوبة زراعته ضمن بعض مناطقه الأساسية، والتي لا تزال خارج السيطرة الحكومية مثل دير الزور، وبالتالي فإن نقله لمعامل أخرى، يعد صعبا للغاية، وبالتالي لا بد من إعادة افتتاح معمل سلحب، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

وأضاف أيوب: “لا نزال نتخبط كل عام. فمشكلة زراعة الشوندر تقابلها مشكلة عدم توفر مراكز قريبة لاستلام المحصول أو معامل لاستخلاص السكر”.

المصدر: هاشتاغ

تعليقات الزوار
  1. تعليقك
  2. أخبرنا قليلاً عن نفسك