الاقتصاد اليوم ـ تغطية شاملة للأخبار الاقتصادية على مدار اليوم

 

مدير هيئة الضرائب يستبعد 156 مليون ليرة من تكاليف إحدى الشركات تترتب عليها ضرائب

 

الاقتصاد اليوم:

إجراءات صادمة، قرارات تنخر في الجسد الضريبي، وتحرم خزينة الدولة كل عام من الحصول على ملايين الليرات لتذهب إلى خزائن شركات خاصة تحصل على أرباح فاحشة، إنها الإجراءات ذاتها التي كشفت عن انحرافات في العمل الضريبي في ملفات سابقة وكان مصير أصحابها القضاء، والإبعاد عن مناصبهم، ولكنها على ما يبدو حكاية لا تنتهي…

إن هذا الملف الذي نتناوله اليوم والمدعوم بالمعلومات الموثقة والآراء القانونية والفنية في العمل وتفاصيله الدقيقة يثير آلافاً من علامات الاستفهام عن استمرار أشخاص في مواقع مسؤولية يؤثرون سلباً في الخزينة ويوجهون قراراتهم كيفما أرادوا في وقت يغيب فيه الرادع والرقيب على أعمالهم، وقد يسأل البعض: هل تكون لرؤوس أموال بعض المكلفين سطوتها أيضاً على توجيه القرار الضريبي…؟

تجاوز يتكرر

وباعتبار أن إدارة الهيئة العامة للضرائب والرسوم «المفترض أن تكون الأمين على أموال الخزينة والعين الساهرة على مراقبة تحصيل كل ليرة بمختلف لجانها»، تكشف قرارات صادرة عن لجنة إعادة النظر التي يرأسها مدير عام الهيئة عبد الكريم الحسين قيامه باستبعاد عشرات الملايين من تكاليف إحدى الشركات، وذلك في حالة مشابهة تماماً للتجاوز المرتكب من قبل مدير مالية دمشق السابق الذي أحيل إلى الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش لتصدر الأخيرة قرارها بإبعاده عن منصبه والحجز على أمواله المنقولة وغير المنقولة ضماناً لتسديد مبلغ 31 مليون ليرة، ولكن الحالة في القرارات الصادرة عن لجنة إعادة النظر تبدو أكثر تعقيداً وبحاجة للتدقيق والتحقيق فيها من قبل الأجهزة الرقابية المختصة، إذ تؤكد القرارات الصادرة عن لجنة إعادة النظر قيامها باستبعاد مبالغ وصلت إلى 156 مليون ليرة كرسم إنفاق استهلاكي من تكاليف تعود لإحدى الشركات الخاصة المستوردة لمادة الزيوت الغذائية التي يبدو أنها استفادت من هذا الاستبعاد من قبل لجنة تعرف في الأوساط المالية والضريبية بلجنة تثبيت الضرائب والرسوم وليس إعادة النظر بها.

في التفاصيل

بحسب المادة /2/ من المرسوم التشريعي رقم /61/ لعام 2004 وتعديلاته، والمرسوم التشريعي /11/ لعام 2015 الخاصين برسم الإنفاق الاستهلاكي، فإنه يستوفى رسم الإنفاق عند تخليص المواد المستوردة لدى الأمانات الجمركية بنسبة من القيمة المعتمدة أساساً بتحديد الرسوم الجمركية، كما أخضع المرسومان المذكوران الزيوت والسمون النباتية والحيوانية بموجب البند /14/ من جدول المبيعات رقم /2/ الملحق بالمرسوم، إذ أصبحت هذه المواد خاضعة لرسم الإنفاق المنتجة محلياً والمستوردة بنسبة 33% من قيمة البضاعة، وبموجب المادة /9/ من المرسوم فإنه في حال قيام المنتج المحلي بتسديد رسم الإنفاق الاستهلاكي على مدخلاته المستوردة من بنود المواد من /1-30/ من الجدول رقم /2/ الملحق بالمرسوم, والداخلة في صنع المنتج المحلي تقوم الدوائر المالية في ضوء الثبوتيات والوثائق المبرزة والمرفقة في الطلب المقدم من المنتج المحلي بحسم ما تم تسديده من مجموع الرسم المستحق على منتجاته المحلية، وعلى الدوائر المالية أن تضع إشارة على أرومة الإيصال المسدد الذي جرى حسمه لديها إشعاراً في إجراء الحسم حرصاً على صحة الإجراءات المتخذة، فكيف إذا علمنا أن الشركة المستفيدة من الاستبعاد غير ملتزمة بأصول وإجراءات التصريح عن نشاطها الفعلي للدوائر المالية المختصة أي الثبوتيات والوثائق التي تثبت صحة ما صرحت عنه من مبيعات وبما يتوافق مع المادة /9/ المذكورة، وهذا يعني أن استبعاد رسم الإنفاق الاستهلاكي عند إعداد التكليف الضريبي للمكلف مشروط بمدى التزام المكلف بالتصريح عن أرقام عمله وتقديم فواتير نظامية عن مبيعاته، أما إذا كان المكلف غير ملتزم بما ذكر فتلجأ حينها الدائرة المالية المختصة إلى التكليف المباشر وعندها تتم إضافة رسم الإنفاق الاستهلاكي الواجب تسديده لدى الجمارك وغيره من الرسوم الأخرى إلى تكلفة البضاعة، وهو الإجراء الطبيعي المتبع لدى جميع مديريات المالية للوصول إلى رقم عمل حقيقي للمكلف وبموجبه يتم تكليفه ضريبياً.

غموض وإبهام

وفي هذه الحالة التي عالجتها لجنة إعادة النظر برئاسة الحسين تبدو وكأنها مغايرة تماماً لما هو متبع في الحالات المشابهة، أي إنها بعيدة تماماً عن المعمول به بما يتوافق مع آلية السوق، على اعتبار أن أغلبية تكاليف الأرباح الحقيقية تبنى استناداً إلى تقدير المراقب لعدم التزام مكلفي الأرباح بالتصريح عن أرقام نشاطهم الحقيقي، وهو تقدير غير موثوق به ويبدد مئات ملايين الليرات سنوياً هي من حق الخزينة، وفي حالة المكلف موضوع التحقيق، نجد أن المكلف اعترض على إضافة الدائرة المالية المختصة في طرطوس لرسم الإنفاق الاستهلاكي إلى تكلفة منتجه، ولكنه لم يعترض في عام 2008 حسبما توضحه الوثائق التي حصلنا عليها، ليعود مرة أخرى للاعتراض على إضافة الرسم لتكاليف عامي 2010 – 2011، وفي تكليف عام 2012 قام المكلف نفسه بإضافة الرسم تلقائياً إلى تكلفة منتجه، وهو أمر غريب يثير علامات استفهام كثيرة، فلو كان المكلف غير مقتنع بإجراءات الدائرة المالية لكان اعترض على جميع التكاليف الضريبية العائدة له، ولكن اعتراضه على جزء منها وقبوله بأخرى هو أمر فيه كثير من الغموض وخاصة لجهة عدم التفات لجنة إعادة النظر إلى هذه الناحية أو ربما تغاضت عنه…!!

الرد على الاعتراض

وبالعودة إلى رد لجنة الطعن لدى الدائرة المختصة في مالية طرطوس على اعتراض المكلف وكما توضحه الوثائق، نجد أنها بينت للجنة إعادة النظر المعنية أنه في ضوء المعالجات الجارية لتكاليف الإنتاج والمبيعات فإن رسم الإنفاق يتم إضافته إلى الرسوم والمصاريف التي تم تسديدها على المواد المستوردة وتعد جزءاً من تكلفة المستوردات وتالياً لا مجال لاستبعادها وهي وفق النهج المتبع على مدار السنوات السابقة بالنسبة للتكاليف المكتسبة الدرجة القطعية، كما أوضحت أن هذا الإجراء منسجم مع المعالجات الجارية من قبل الدائرة المالية لتكاليف هذا المكلف وأمثاله بالنسبة للمهنة نفسها، وتالياً فإن رسم الإنفاق هو عبء على المكلف، لكن لجنة إعادة النظر أصرت على إصدار قرارات قطعية استبعدت بموجبها عشرات ملايين الليرات من التكاليف العائدة للشركة كرسم إنفاق استهلاكي، وهذه الرسوم البالغة قيمتها 156 مليون ليرة تترتب عليها رسوم وضرائب للخزينة تقدر بحوالي 60 مليون ليرة ذهبت أدراجها إلى جيوب المكلف، لأن قيام رئيس اللجنة باستبعاد رسم الإنفاق من تكلفة البضاعة أدى إلى تخفيض رقم عمل المكلف وتالياً حرمان الخزينة من الضرائب والرسوم المترتبة على المبلغ المستبعد.

تهرب ضريبي واضح

وبالعودة إلى التكاليف العائدة للشركة نجد أن لجنة إعادة النظر قد أغفلت العديد من النقاط التي تدين الشركة ومخالفتها للقوانين الضريبية على الرغم من أن مالية طرطوس قد أوضحتها في ردودها على اعتراضات المكلف ووضعت لجنة إعادة النظر بصورتها لتقوم الأخيرة باعتماد ما يريده المكلف على حساب ما قدمته لجنة الطعن من معلومات تخص المكلف وتعود على الخزينة بالنفع، فالتكليف العائد للمكلف عن عام 2007 يوضح أن المكلف قد صرح عن أرباح صافية بأقل من مليوني ليرة في حين أن أرباح المكلف وحسبما أوضحه التكليف الضريبي له من قبل الدائرة المالية المختصة في محافظة طرطوس سجلت 24 مليون ليرة عن رقم عمل تجاوز 300 مليون ليرة، وهذا يدل على وجود فروقات واضحة في الأرقام المصرح عنها، فالمكلف كما ذكرنا أعلاه اعترض بعد أن قامت الدائرة المالية بإضافة رسم الإنفاق إلى تكلفة المنتج، فردت الدائرة المالية على الاعتراض ليذهب بعدها المكلف للاعتراض أمام لجنة إعادة النظر في الهيئة للموضوع ذاته، وقام بتسديد التأمين خارج المهلة القانونية، فردت الاعتراض شكلاً فقط، أما في تكليف عام 2010 فصرحت الشركة بخسارة 900 ألف ليرة، ولكن لجنة إعادة النظر قد غضت النظر فعلاً عن وجود فارق في الأرقام المصرح عنها، وهي أن مبيعاته وفق التكليف سجلت 440 مليون ليرة، في حين أن المصرح به لدائرة الإنفاق بموجب البيانات الشهرية المقدمة من قبله لا يتجاوز 213 مليون ليرة، وهذه المخالفة تستوجب تنظيم ضبط تهرب ضريبي بالفارق بين المصرح عنه والمثبت في التكليف الضريبي، وللأسف لم تتخذ اللجنة أي إجراء بهذا الخصوص.

تستر على مطارح ضريبية

وبالعودة إلى تكليف الشركة عن عام 2011، نجد أن أرقام العمل المصرح عنها من قبلها لا تتجاوز 3 ملايين ليرة في تكليفها المؤقت، بينما أظهر التكليف الذي قامت به الدائرة المالية المختصة تثبيت أرباح بقيمة 41 مليون ليرة، فقام المكلف بالاعتراض أمام لجنة الطعن على إضافة رسم الإنفاق الاستهلاكي إلى تكلفة المنتج أيضاً، فانتهى قرار اللجنة إلى رد الطلب وتعديل المبيعات لتصبح 550 مليون ليرة وأرباحاً صافية قيمتها 52 مليون ليرة، وإضافة إلى ذلك قامت لجنة الطعن بدعوة المكلف لحضور اللجنة وطلبت منه إبراز فواتير مبيعات، فرفض إبرازها لأسباب عديدة أولها أنه لا توجد لديه معلومات كافية عن الزبائن إضافة إلى إحجامهم عن شراء منتجاته فيما لو طلب منهم هذه المعلومات لتقديم البيانات الخاصة بمبيعاته، لأن الدائرة المالية حينها ستقوم بملاحقة هؤلاء الزبائن على اعتبار أنهم يشكلون مطارح ضريبية عن هذه المشتريات، وهم متغيبون عن الدوائر المالية تهرباً من تسديد الضرائب، أما المبيعات التي صرح عنها المكلف لدائرة الإنفاق لدى مديرية المالية فلم تتجاوز 300 مليون ليرة، فقامت لجنة إعادة النظر بغض الطرف عما سبق ذكره من وجود فارق في الأرقام يسمى بالعرف الضريبي «تهرباً» كذلك التستر على مطارح ضريبية، ولكن يبدو أن تركيز رئيس اللجنة كان منصباً على الاستبعاد ليس أكثر، فقام باستبعاد رسم الإنفاق المسدد لدى الجمارك والبالغ 39 مليون ليرة من تكلفة المنتج.

والسؤال الذي يطرح نفسه: هل القرارات الصادرة عن لجنة إعادة النظر في محلها من الناحية القانونية، ومن الناحية الفنية لجهة التثبت من صحة المعلومات المقدمة من قبل المكلف، وهل كان يجب عليها التدقيق والتحقق أكثر قبل أن تتخذ قراراتها…؟

استبعاد الرسم خاطئ

إن الإجابة عن السؤال المطروح تقتضي التوضيح بأنه يجب على المنتج المحلي أن يحرر فاتورة أو عقداً بكل عملية بيع يقوم بها، كما يترتب عليه أيضاً أن يمسك السجلات والقيود التي تظهر موجوداته وحركة البضاعة المتداولة في منشأته أو في مكان ممارسة العمل وأن يبرز العقود المنظمة عند الاقتضاء، كذلك يترتب عليه أن يقدم بياناً خطياً للدائرة المالية خلال العشرة أيام الأولى من كل شهر تدون فيه قيمة المبيعات أو بدل الخدمات عن الشهر السابق،  وبناءً عليه يسدد الرسم فور تقديم البيان، كما تضمنت التعليمات التنفيذية للمرسوم الخاص برسم الإنفاق الاستهلاكي أنه لابد من الإشارة إلى أن تعديل قواعد استيفاء رسم الإنفاق في البند أولاً من التعليمات لا يغير في المبدأ الأساس وهو تحمل المشتري «الزبون» في النهاية للرسم المستوفى، بمعنى أن المستورد عندما يسدد رسم الإنفاق الاستهلاكي لدى الجمارك على مادة معينة تخضع للرسم، فمن الطبيعي أن يقوم باسترداده من الزبون الذي سيبيعه منتجه النهائي، وإن وجود فواتير مبيعات تظهر قيمة مبيعاته والرسم المسدد لدى الجمارك هو أساس لدى الدائرة المالية في إضافة الرسم إلى تكلفة البضاعة من عدمه عند إعداد التكليف الضريبي للمكلف، أي اللجوء إلى التكليف المباشر، إذ يؤكد سابا صافية رئيس قسم متوسطي المكلفين في مالية دمشق أنه لا يوجد عيب في القوانين الضريبية المعمول بها حالياً بالنسبة لحسم مسألة ما إذا كان رسم الإنفاق المسدد لدى الجمارك على مادة معينة يعدّ من تكلفة المنتج أم يستبعد، ولكنها لا يوجد تاجر يقدم فواتير نظامية وحقيقية ويقوم بالتصريح عن زبائنه الذين قد يشكلون مطارح ضريبية جديدة، لافتاً إلى أن ما يجري حالياً هو مواكبة لآلية السوق، وخاصة عندما تلجأ الدائرة المالية إلى أسلوب التكليف المباشر، وفي هذا النوع من التكاليف تتم إضافة جميع الرسوم بما فيها رسم الإنفاق الاستهلاكي إلى تكلفة المنتج حتى تصل الدائرة المالية إلى رقم عمل حقيقي بالنسبة للمكلفين الذين لا يتقدمون بثبوتيات وفواتير إلى الدائرة المالية المختصة، أما من الناحية القانونية فعندما يتم تقديم بيانات نظامية من قبل المكلف وفواتير تبرز حجم مبيعاته فهنا يتم استبعاد الرسم من تكلفة المنتج، وهذا الأمر يتوافق مع المادة /9/ من مرسوم رسم الإنفاق والتي تنص على أنه في حال قيام المنتج المحلي بتسديد رسم الإنفاق الاستهلاكي على مدخلاته المستوردة من بنود المواد من /1-30/ من الجدول رقم /2/ الملحق بالمرسوم والداخلة في صنع المنتج المحلي تقوم الدوائر المالية في ضوء الثبوتيات والوثائق المبرزة والمرفقة في الطلب المقدم من المنتج المحلي بحسم ما تم تسديده من مجموع الرسم المستحق على منتجاته المحلية.

مخالفة القرار 1462

حسن حامد رئيس قسم الواردات في مالية دمشق الذي عدّ أن استبعاد الرسم يعني تخفيض رقم عمل المكلف، وتالياً ضياع ضريبة ورسم عن قيمة الرسم المستبعد، لكون التاجر الذي كلف بشكل مباشر لم يقدم ثبوتيات وفواتير تؤكد قيمة مبيعاته، ووافقه الرأي أيضاً عازر دحدل رئيس وحدة كبار المكلفين في مالية دمشق أيضاً الذي أكد أن إضافة رسم الإنفاق إلى تكلفة المنتج تتيح للمستورد أن يسترده من الزبون، لافتاً إلى أن وجود فواتير نظامية بين البائع والشاري تثبت ما تم الاتفاق عليه بين الطرفين وقدمت هذه الفواتير إلى الدائرة المالية عندها يكون الرسم واضحاً ولا مجال للدائرة المالية أن تتدخل، ولكن إضافة الرسم إلى تكلفة المنتج يمنح المستورد فرصة لاسترداده من زبونه ويعدّ عبئاً عليه، ولاسيما أن المكلف في حال التكليف المباشر لا يكون ملتزماً بأحكام القرار /1462/ لعام 2006 الذي فرض على المكلفين تقديم جداول بأسماء الزبائن وعناوينهم، ورأي دحدل في هذه النقطة ينطبق مع ما أكدته الدائرة المالية في محافظة طرطوس في الرد على اعتراض المكلف.

عبء على المنتج

وللتوسع أكثر في مدى صحة قرار لجنة إعادة النظر باستبعاد الرسم من تكاليف الشركة المعنية، فقد قمنا بسؤال أكثر من مراقب أرباح في عدد من الماليات وكان الرد بأن المعالجات الجارية بالنسبة للحالات المشابهة يكون بإضافة رسم الإنفاق إلى تكلفة المنتج وليس باستبعاده، وخاصة في حال التكليف المباشر التي يكون فيها المكلف مخالفاً، فاستبعاد الرسم يعني التغاضي عن المخالفات والخروج عن المسار القانوني المتبع في معالجات كهذه، وهنا يأتي رأي الخبير المالي والمحاسبي محمد علي جواد داعماً لما ذكرناه من آراء وتحليلات بشأن ما اتخذته لجنة إعادة النظر من قرارات قطعية واستبعدت بموجبها رسم الإنفاق الاستهلاكي من تكاليف الشركة المذكورة، قائلاً: إن رسم الإنفاق الذي يسدده المستورد عن مادة خاضعة للرسم لدى الجمارك يجب أن يطالب به الزبون الذي يشتري بضاعته، وتالياً يعدّ عبئاً على المستورد، وهو يدخل في حساب تكلفة المنتج، ولكن ما ذهب إليه جواد في رأيه كان أشمل وأوسع من خلال التأكيد على أسلوب التكليف المباشر عندما لا يقدم المكلف أي فواتير وثبوتيات تثبت قيمة مبيعاته للدائرة المالية المختصة، حيث أوضح أنه في هذه الحالة يجب القيام بعملية استعلام في السوق ومن خلالها تتم عملية التقدير، وتالياً الرجوع إلى آخر سنة تكليف كلف فيها المكلف قطعياً وإضافة ضعفها وعندها يتم اعتماد رقم العمل.
أما رئيس قسم الدخل في مالية دمشق يحيى علولو وعند سؤاله عن مدى قانونية احتساب الرسم ضمن التكلفة, فأجابنا مستنداً إلى مضمون كتاب موجه من الهيئة العامة للضرائب والرسوم إلى مالية الرقة خلال العام 2012 خاص بالسلفة على ضريبة الدخل, وقد أضيفت إليه فقرة بأن رسم الإنفاق لا يعد من الرسوم الجمركية التي تضاف إلى قيمة البضاعة, ويبدو الاجتهاد واضحاً في الكتاب المذكور إذ إن هناك فارقاً شاسعاً بين السلفة على ضريبة الدخل والرسوم الجمركية ورسم الإنفاق, وقد اعتمد على المادة الأولى من القرار 2226 تاريخ 2005 الخاص باستيفاء السلفة..!!

لا يمت للقوانين بصلة

وفي ضوء ما تقدم نجد أن لجنة إعادة النظر قامت باستبعاد رسم الإنفاق الاستهلاكي من كلفة المنتج لتكاليف السنوات الأربع المذكورة للمكلف ذاته، والبالغة قيمتها الإجمالية 156 مليون ليرة، وهو إجراء في غير محله ولا يمت للقوانين الضريبية بصلة حسبما أوضحه مصدر قانوني خبير في الشؤون المالية والمحاسبية لدى اطلاعه على التكاليف التي قدمناها له والقرارات المتخذة من قبل لجنة إعادة النظر، وقال, مفضلاً عدم ذكر اسمه, إن اللجنة أخطأت عندما ضيعت على الخزينة الضرائب والرسوم المترتبة على الرسم المستبعد وقراراتها في غير محلها، ومن خلال التكاليف نلاحظ أن المكلف لم يلتزم بأحكام المادة /14/ من قانون الدخل إذ إنه لم يبرز للدوائر المالية جميع الوثائق الثبوتية بما فيها فواتير البيع والشراء والتي من شأنها أن تكون دليلاً قاطعاً على صحة بياناته المقدمة إلى الدائرة المالية المختصة، وهذا يعني أن ما قامت به لجنة الطعن في مالية طرطوس يتفق مع أحكام قانون الدخل، لأنه من اختصاصها أن تقوم بجميع أشكال التدقيق والتحقيق للوصول إلى معلومات تفيد لجنة إعادة النظر قبل اتخاذ قرارها، وهذا ما قامت به لجنة الطعن في مالية طرطوس فعلياً عندما دعت المكلف لحضور إحدى الجلسات وطلبت منه إبراز فواتير المبيعات ورفض ذلك وفقاً للحجج المذكورة في كتاب مديرية المالية بهذا الخصوص.

إدانة واضحة

ويضيف الخبير أن لجنة إعادة النظر وقبل البت بالتكاليف المذكورة كان يجب عليها الاستناد إلى ما قدمته لجنة الطعن من معلومات عن وثائق المبيعات وغيرها، وأن تقوم بإجراء تحقيق إضافي وأن تشكل لجنة خبرة للتثبت من واقع قيود المكلف للتأكد فيما إذا كان يضيف رسم الإنفاق إلى تكلفة المنتج أم لا، مضيفاً إن تلك الإجراءات التي غيبتها لجنة إعادة النظر كان من الممكن أن تحمي أموال الخزينة من الضياع والهدر لحساب استفادة المكلف، أما النقطة الأهم التي أوضحها الخبير في تحليله للتكاليف وقرارات لجنة إعادة النظر، فهي أنه كان على اللجنة المذكورة سؤال الدائرة المالية عن المبيعات المصرح عنها لدائرة الإنفاق الاستهلاكي في المالية المعنية، حيث تبين من خلال ما هو مصرح عنه للدائرة والمعتمد لدى دائرة الدخل أن هناك فرقاً كبيراً بعشرات الملايين، وكان يجب توصية اللجنة بتحصيل الرسم عن فرق المبيعات وذلك عملاً بتقرير الجهاز المركزي للرقابة المالية رقم 4/م.ك الصادر بتاريخ 23/9/2015 الذي أثبت وجود حالات تهرب ضريبي لدى مديرية مالية دمشق ظهرت نتيجة المطابقة بين بيانات بعض المكلفين المقدمة في دائرة الإنفاق الاستهلاكي ودائرتي الدخل المقطوع والأرباح الحقيقية (والتي يجب أن تتضمن أرقاماً واحدة للمبيعات المصرح عنها أو المكلف بها من الدوائر المالية)، إذ أدان التقرير خمسة موظفين لدى المديرية وحمّلهم مسؤولية وجود ذلك التهرب، وهنا يوضح الخبير أن لجنة إعادة النظر قد تسترت على الكثير من النقاط باعتمادها قرارات استبعاد رسم الإنفاق الاستهلاكي والمشار إليها سابقاً في متن الموضوع.

هل يستفيد من الإعفاء

ومن خلال التعمق بدراسة التكاليف العائدة للمكلف، وجدنا أن الشركة التي يديرها مشملة بأحكام قانون الاستثمار رقم /10/ لعام 1991، أي إنه يخضع للإعفاء الضريبي، وهذا ما لم تلحظه لجنة الطعن في مالية طرطوس ولجنة إعادة النظر، إذ كان يجب على اللجنتين التحقق من موضوع الإعفاء الضريبي، وهل تستحقه الشركة أم لا، إذ إن ما أوضحته لجنة الطعن بخصوص رفض المكلف تقديم وثائق وفواتير خاصة بمبيعاته يدل على أنه لا يمسك أي قيود أو دفاتر، أي إنه خالف نص المادة /28/ من قانون الاستثمار التي توجب المشمل بأحكام القانون بمسك دفاتر تجارية نظامية، وكل ما يخالف ذلك يحرم المشمل من الإعفاء، وهو الإجراء الذي كان من المفترض على اللجنتين اتخاذه.

تباين واضح

ولدى سؤال لمدير عام هيئة الضرائب عبد الكريم الحسين عن إضافة رسم الإنفاق الاستهلاكي إلى تكلفة المنتج في حال التكليف المباشر للمكلف عندما لا يبرز أي فواتير مبيعات أو قيود أو سجلات، قال: في هذه الحالة يضاف كل شيء، ثم تراجع ليقول إن رسم الإنفاق الاستهلاكي المسدد لدى الجمارك عن المادة المستوردة لا يضاف إلى التكلفة، وفي سؤالنا عن المادة /9/ من المرسوم 61 الخاص برسم الإنفاق فإنه في حال قيام المنتج المحلي بتسديد رسم الإنفاق الاستهلاكي على مدخلاته المستوردة من بنود المواد من /1-30/ من الجدول رقم /2/ الملحق بالمرسوم والداخلة في صنع المنتج المحلي تقوم الدوائر المالية في ضوء الثبوتيات والوثائق المبرزة والمرفقة في الطلب المقدم من المنتج المحلي بحسم ما تم تسديده من مجموع الرسم المستحق على منتجاته المحلية، قال الحسين إن هذه المادة لم تعد موجودة في المرسوم /11/ لعام 2015 الخاص برسم الإنفاق أيضاً، وعند سؤالنا له أيضاً، إذا كان المكلف غير ملتزم بتقديم فواتير تثبت حجم وقيمة مبيعاته، لماذا لا يضاف هذا الرسم إلى التكلفة حتى تتمكن الدائرة المالية من الوصول إلى حجم عمل حقيقي للمكلف، فقال: «اذهب واسألهم في المالية»، وهم يقولون لك، أنت تسأل بغير علم، وختم: أنا لا أهتم كيف سيحصّل المستورد ما سدده من رسم إنفاق من الزبون، ولا إذا حصله أم لا، المهم أن يورد الرسم إلى المالية، مضيفاً أن هناك تعليمات بهذا الخصوص.

الاجتهاد خاطئ

وعن التعليمات التي تحدث عنها مدير الهيئة التي تمثل كتاباً موجهاً إلى مالية الرقة وهو ما تم الاستناد إليه في إصدار قرارات استبعاد رسم الإنفاق من التكاليف المذكورة للشركة والعائدة لأعوام سابقة فهو خاص بالسلفة على ضريبة الدخل، وقد أضيفت إليه فقرة بأن رسم الإنفاق لا يعد من الرسوم الجمركية التي تضاف إلى قيمة البضاعة، ويبدو الاجتهاد واضحاً في الكتاب المذكور إذ إن هناك فارقاً شاسعاً بين السلفة على ضريبة الدخل والرسوم الجمركية ورسم الإنفاق، وقد اعتمد على المادة الأولى من القرار 2226 تاريخ 2005 الخاص باستيفاء السلفة، وهو ما عدّه معاون مدير عام الهيئة التنفيذي بسام البازرباشي الذي شغل منصب مدير مالية دمشق سابقاً بأنه خطأ.

مشيراً إلى أن أي كتاب أو قرار لا يتوافق مع إضافة رسم الإنفاق الاستهلاكي المسدد لدى الجمارك إلى تكلفة المنتج في حال التكليف المباشر أو غيره يعدّ مخالفاً وغير صحيح، فالرسم يجب أن يضاف إلى التكلفة لأن المستورد قام بتسديد الرسم لدى الجمارك قبل أن يبيع المنتج، فمن الطبيعي أن يعدهالمستورد من تكلفته لأنه سيقوم باسترداده من الزبون، وأشار البازرباشي إلى أن السلفة على ضريبة الدخل تختلف اختلافاً كلياً عن رسم الإنفاق الاستهلاكي، فكل منهما ضريبة قائمة في حد ذاتها، وأكد أن سلفة الضريبة على الدخل تمثل الضريبة على ما سيدخل إلى جيب المكلف، أما رسم الإنفاق، كأن تقول المالية للمكلف أعطني إياه الآن وخذه لاحقاً من الزبون، وأكد في نهاية حديثه أن رسم الإنفاق يعد كبقية الرسوم الأخرى والنفقات والأعباء التي يتحملها المستورد على مادة معينة، ويعده عبئاً تجب إضافته إلى تكلفة المنتج أثناء إعداد التكليف الضريبي.

المصدر: صحيفة تشرين الحكومية

تعليقات الزوار
  1. تعليقك
  2. أخبرنا قليلاً عن نفسك