الاقتصاد اليوم ـ تغطية شاملة للأخبار الاقتصادية على مدار اليوم

 

مركز مداد: ازدياد الحوالات المسلمة بالدولار خلال الحرب أثر سلباً في الليرة

الاقتصاد اليوم:

رأى مركز دمشق للأبحاث والدراسات «مداد» في دراسة اقتصادية حديثة أن ازدياد التحويلات المتدفقة نحو سورية خلال الحرب لا يعطي للجهات الرسمية مسوغاً للمضي قدماً في سياساتها الاقتصادية التي استهدفت رفع الدعم الاجتماعي بشكل تدريجي، عبر رفع أسعار المواد المدعومة، تدريجياً، لا سيما المشتقات النفطية، إضافة إلى رفع بعض الرسوم، التي تثقل كاهل ذوي الدخل المحدود، لأن إسهام التحويلات في الدخل لا يعتدّ به في خدمة سياسات تقشفية. وقدّر الحوالات النظامية اعتماداً على بيانات البنك الدولي بمعدل وسطي قدره 4.5 ملايين دولار يومياً.

وأشارت الدراسة بعنوان «التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية لتحويلات المغتربين: سورية نموذجاً» إلى أن السياسة التقشفية في سورية بعد العام 2012 كانت نتيجة اضطرارية لجأت إليها الحكومة لعدم وجود موارد كافية للدولة قادرة على تغطية كامل إنفاقها، ذلك بدلاً من اللجوء إلى التوسع عبر إصدار نقد إضافي لتمويل عجز الموازنة خشيةً من الضغوط التضخمية التي قد تولده، منوهةً بأن المبالغة في تقدير أهمية التحويلات عند إعداد وتنفيذ الإجراءات الحكومية التقشفية سوف يزيد من مستوى اللاعدالة في المجتمع، نظراً لأن الأسر التي لا تتلقى تحويلات سوف تتأثر أكثر من غيرها في حال تخفيض مستوى الإنفاق العام أو زيادة الرسوم أو الضرائب، ومن ثم تعميق حالة التهميش لهذه الأسر في المجتمع، ما يقتضي تصميم برامج إنعاش اجتماعي إسعافية لهذه الأسر «التي لا تتلقى تحويلات» على أن تكون ضمن إطار برامج إنعاش مجتمعي أوسع، إلا أن الأولوية يجب أن تكون للأسر التي لا تتلقى التحويلات وتعيش في فقر مدقع.

وعما يخص تأثير التحويلات في سعر صرف الليرة السورية، بيّنت الدراسة أن التحويلات (تحديداً الداخلة بغير الطرق الرسمية، وفي المناطق الساخنة بشكل رئيس) كانت مصدراً للقطع الأجنبي الذي كان يُستخدم جزء رئيس منه في عمليات المضاربة، لذا تأثرت الليرة سلباً، بانخفاض أكبر في قيمتها، إلى جانب تداعيات الأزمة وانكماش الإنتاج وهروب رؤوس الأموال وعمليات التحوط من المخاطر عبر شراء الدولار بشكل رئيس… وغيرها من العوامل، وهذا الاتجاه يخالف الاتجاه النظري بتأثّر العملة المحلية بزيادة التحويلات، بوساطة ارتفاع قيمتها أمام العملات الأجنبية لزيادة عرض القطع الأجنبي في البلد المتلقي، وسبب هذا الاختلاف في التأثير هنا هو المضاربات على الليرة، وظروف الأزمة وتداعياتها على سعر الصرف.

مبينةً أن الضغوط تزداد على سعر الصرف عند حدوث تقلبات ملموسة في سعر الصرف في السوق الموازية، مع وجود فارق كبير بين سعر الصرف الرسمي لتسليم الحوالات للمواطنين وسعر الصرف في السوق الموازية، إذ تنشط عندها عمليات التحويل بالطرق غير الرسمية، ومن ثم يوجد قطع أجنبي أكبر في السوق للمضاربة، علماً أن المصرف المركزي لجأ إلى إصدار قرار بعدم تسليم الحوالات بالدولار، وإنما بالليرة السورية فقط، وبسعر الصرف الرسمي الذي يحدده، لكن التفاوت بين السعرين (الرسمي والموازي) حدّ من فعالية هذه الخطوة.

واقترحت الدراسة من أجل تحفيز المزيد من التحويلات وتعزيز مشروعات التنمية على نطاق أوسع؛ أن تنظر الحكومة في وضع آليات مبتكرة، على سبيل المثال، يمكن بيع سندات للمغتربين، إذ تضمن حصولهم على معدل عائدات معقولة، وإتاحة الحصيلة في الوقت نفسه لتمويل المشروعات الإنمائية في المجتمعات المحلية، ومن الطرق الأخرى لزيادة إمكانات استثمار التحويلات، استخدامها من أجل تقليل تكلفة الاقتراض، لأن الحكومة يمكنها استخدام المتحصلات كضمان، لذا يمكن أن تعمل التحويلات على أنها هي تلك المتحصلات. فترتيبات المتحصلات المقبلة المستخدمة كضمان شائعة في القطاع التجاري، وتستخدم بشكل متزايد في القطاع العام.

واختتمت الدراسة بأنه يمكن التأكيد إجمالاً أن للتحويلات إمكانية دعم التنمية على أن تزداد فاعليتها بتطبيق النوع السليم من السياسات العامة، فتيسير الخدمات المصرفية والتدريب المالي الأساس للأسر المتلقية للتحويلات، وتشجيع التحويلات الجماعية للأغراض الإنمائية، واستخدام التحويلات كضمان لتقليل تكاليف الاقتراض في الأسواق المالية، تعد كلها إستراتيجيات جديرة بالنظر في التحويلات لزمن طويل كمصدر للعملات الأجنبية للبلدان، وخففت بوصفها مقاومة للدورة الاقتصادية من صدمات الأزمات المالية أو الكوارث الطبيعية، إلا أن السياسات الحكيمة التي تهيئ بيئة مالية تتسم بالشفافية والموثوقية يمكنها أن تفعل الكثير من أجل تعزيز تأثيراتها الإنمائية، إلا أن تحقيق ذلك مشروط بعدم اعتماد الحكومة السورية على التحويلات كمسوّغ للاستمرار في السياسة التقشفية، من دون إطلاق برامج إنعاش اجتماعي طارئة على مستوى القطر، مع ضرورة تجاوب السياسة النقدية مع ضرورة استقطاب أكبر نسبة ممكنة من التحويلات عبر الطرق الرسمية، وتوخي الحذر حيال فرض أي ضريبة على الحوالات، وتصميم مسح خاص بالتحويلات ومكوناتها في سورية لتوافر مؤشرات داعمة للقرار الحكومي، على أساس العدالة في تأثيره الاجتماعي.

الوطن

تعليقات الزوار
  1. تعليقك
  2. أخبرنا قليلاً عن نفسك